الأربعاء

1446-11-09

|

2025-5-7

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في كتاب

"المسلمون ونصرة قضايا الأمة.. أحكام وضوابط"

للدكتور سالم عبد السلام الشيخي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

هذا الكتاب من تأليف فضيلة أخي وصديقي، الذي عرفته منذ أكثر من خمسٍ وثلاثين سنة في مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة. وقد وفقنا الله عز وجل للالتحاق بالجامعة الإسلامية في المدينة، حيث كان الشيخ الدكتور سالم عبد السلام الشيخي من طلبة كلية الشريعة، وكنت من طلبة كلية الدعوة وأصول الدين. وتجاورنا في المدينة، فتوثقت بيننا الصلة، وتقوّت أواصر المودة والأخوة والتناصح. ومن ثم التقينا مجددًا في مرحلة الدراسات العليا بجامعة أم درمان في السودان، قبل أن نفترق، فيكون من نصيبه الإقامة في الغرب، وبالتحديد في بريطانيا، متفرغًا للدعوة، والتدريس، والإفتاء، والخطابة، بينما بقيتُ في ديار المسلمين منشغلًا بالبحث والتأليف في مجالي التاريخ والتفسير.

وقد مضت بنا السنون، وتوالت الأعوام، وأصبح لكلٍّ منا أحفاد، واقترب وقت الرحيل إلى عالم البرزخ والقدوم على الله. نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة. ولقد مرّ بخاطري شريط طويل من الذكريات، تخللته مواقف عميقة، ولقاءات مع مشايخ وعلماء وطلاب علم، ممن جمعتنا بهم العقود الماضية. ولعل الله ييسر لنا عرض تلك الذكريات وكتابتها يومًا ما، إن شاء سبحانه وتعالى.

ونعود إلى الكتاب الذي أحسن المؤلف اختيار عنوانه: "المسلمون ونصرة قضايا الأمة: أحكام وضوابط"، منطلقًا فيه من قيم الإسلام ومبادئه في نصرة المظلوم والملهوف. ولا يخفى تأثره العميق بقضايا فلسطين وكشمير وبورما، وما يعانيه أهلها من ظلم، وتحيّز، وطغيان. وقد عرض أيضًا لحالة الوهن والغثائية التي تعيشها الأمة اليوم، كما وصفها رسول الله ﷺ في الحديث المشهور: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، وقال قائل: أوَمن قِلّة نحن يومئذٍ؟

قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن".

قيل: وما الوهن يا رسول الله؟

قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

ويرى الكاتب أن على العلماء والفقهاء أن يوضحوا معالم طريق النصرة والمناصرة لإخوانهم المؤمنين المضطهدين في مختلف بقاع الأرض، حتى يكون موقف المسلمين قائمًا على أسس راسخة من العلم الشرعي والدليل الواضح والفقه النيّر، لكل من أراد القيام بالواجب الشرعي في النصرة. فطريق العمل ينبغي أن يُسترشد فيه بالعلم الصحيح، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح".

وقد قسم الكاتب كتابه إلى أبواب وفصول ومباحث، حيث تناول في الباب الأول الجانب التأسيسي المفاهيمي لقضية النصرة، متضمنًا فصلين رئيسيين:

الفصل الأول: التحديد المفاهيمي

ويشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: "قضايا المسلمين: التعريف، والمفهوم، وبعض نماذجها المعاصرة.

وقد بيّن المؤلف أن لفظ "القضايا" يُراد به النوازل والأزمات إذا ورد بصيغة المفرد. أما عند الإضافة - كما في "قضايا المسلمين" - فيقصد به الكوارث والمظالم والمصائب التي تحلّ بجماعة من المسلمين في أي مكان في العالم، سواء كانت ذات طابع سياسي، أو اجتماعي، أو إنساني، أو غير ذلك.

كما فرّق بين مصطلحي "القضية" و"الأزمة"، وبيّن أن "القضية" - بحسب رؤيته - أشمل وأعمق، إذ إن الأزمات غالبًا ما تنشأ عن مشكلات داخلية في الأمة، كالأزمات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بينما القضايا قد تنجم عن مشكلات داخلية أو خارجية، مثل الاحتلال والحروب المفروضة على المسلمين. لذلك آثر الكاتب استخدام مصطلح "قضايا المسلمين" بدلًا من "أزمات المسلمين"، نظرًا لشموليته ودقّته.

وقارن المؤلف بين مفاهيم المشكلات، والقضايا، والكوارث، ثم تناول في المطلب الأول مفهوم القضايا في اللغة والاصطلاح، مبيّنًا الفروق الدقيقة في الاستخدام، ومقدمًا تعريفًا تأصيليًا يُبرز أبعاد المصطلح.

وفي المطلب الثاني، قدّم إطلالة موجزة على أبرز قضايا المسلمين في العصر الحديث، فبدأ بـ قضية فلسطين واحتلالها، ثم قضية كشمير تحت عنوان: "مصيبة الاحتلال واغتصاب الأرض".

وتطرق إلى ما تعانيه الأقليات المسلمة في العالم، مستعرضًا مآسيهم في عدد من الأقاليم مثل الإيغور في الصين، والروهينغا في بورما، وأشار إلى ما يتعرضون له من اضطهاد وتطهير عرقي.

كما تناول مأساة الحروب والفتن الطائفية التي عصفت ببلاد المسلمين، وخصّ بالذكر ما حلّ بالمسلمين في سوريا من دمار واستبداد.

ولم يغفل الحديث عن الجرائم القانونية والحقوقية، كالاعتقال السياسي، والسجن التعسفي لأصحاب الرأي من العلماء والمفكرين والسياسيين، متوسعًا في عرض هذه الفئة وما تعانيه من تضييق وتعذيب.

كما تحدث عن الحرمان من الحقوق الأساسية للإنسان، كالذين حُكم عليهم بالإقامة الجبرية في منازلهم، أو منعوا من السفر والتنقل، أو حُظر عليهم الخطابة والتواصل مع الناس.

ورأى أن هؤلاء المظلومين، من المعتقلين وأصحاب الفكر والرأي، ممن سُلبت منهم كرامتهم وحريتهم، يستحقون النصرة والمناصرة، والسعي الجاد لرفع الظلم عنهم، وإغاثتهم بكافة السبل الممكنة.

وفي المبحث الثاني، خصّصه للحديث عن النصرة، من حيث المفهوم والحقيقة، مبرزًا البعد اللغوي والشرعي. واستعرض فيه المعاني اللغوية التي أوردتها المعاجم لمادة "نصر"، وهي: الإغاثة، والانتصار، والتأييد، والنجاة، والعطاء، والبذل.كما ناقش الفروق اللغوية بين النصرة والمعونة، ثم اختار تعريفًا شرعيًا للنصرة بعد دراسة، فقال:

"النصرة هي إعانة المسلمين المظلومين على الوصول إلى حقوقهم المشروعة، ودفع الأذى عنهم، وتأييدهم من أجل النجاة والخلاص من الظلم، مع إغاثتهم بكل ما يعين على تفريج كروبهم، ومواساتهم في آلامهم وأحزانهم."

وتوقف كذلك عند مفهوم التخاذل لغةً واصطلاحًا، مؤكدًا وجود ظاهرة التخاذل عن نصرة المظلومين في واقع الأمة، على الصعيد الإنساني والشرعي.

وأما المبحث الثالث، فقد تناول فيه الضوابط والأحكام، وافتتحه بمدخل تعريفي، حيث عرّف الضوابط في اللغة والاصطلاح، وذكر أقوال العلماء في تعريف الضابط الفقهي، ثم عرض مناهجهم على النحو الآتي:

• المنهج الأول: اعتبار الضابط مرادفًا للقاعدة الفقهية.

• المنهج الثاني: التفريق بين الضابط والقاعدة، مع توضيح جوانب التمايز بينهما.

وفي المطلب الثاني من هذا المبحث، عرّف الأحكام لغة واصطلاحًا، وبيّن أقسامها ومجالات تطبيقها في السياق الفقهي.

وقد غلب على هذا الفصل الطابع الأكاديمي المتخصص، إذ ركز على تأصيل المفاهيم من حيث اللغة والاصطلاح، بأسلوب يوافق منهجية رسائل الماجستير والدكتوراه، ويمهّد لفهم أكثر دقة لقضية النصرة.

أما الفصل الثاني المعنون بـ"أحكام النصرة"، فقد احتوى على خمسة مباحث، كان المبحث الأول منها مخصصًا لـ دواعي النصرة وأسبابها الشرعية، وقد قُسّم إلى ستة مطالب، أولها:

المطلب الأول: النصرة وتحقيق الأخوة الإسلامية

استدل فيه بنصوص شرعية تؤكد رابطة الأخوة في الدين، من أبرزها قوله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقوله ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى."

المطلب الثاني: النصرة والذمة الواحدة للمسلمين، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم".

والمطلب الثالث، تكلم عن وجوب النصرة وتحقيق الولاء بين المسلمين، واستدل بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ﴾ [الممتحنة:9]، وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، وغير ذلك من الآيات وشروح العلماء لها من البغوي والقرطبي وابن كثير ومحمد سعيد القحطاني.

المطلب الرابع: المسؤولية الشرعية في القيام بالقسط والشهادة

استدل فيه بالآيات المحكمة التي تؤسس لمبدأ القسط، ومن ذلك قوله تعالى:

﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: 29].

المطلب الخامس: الخلق الإسلامي ومقتضى عدم الخذلان

وقد تناول فيه مسؤولية المسلم في نصرة أخيه، وبيّن أن التخاذل خُلق مذموم يُناقض مقتضى الأخوّة الإيمانية.

المطلب السادس: ترك النصرة سبب للفتنة في الأرض

استدل بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]، مشيرًا إلى أن عدم القيام بواجب النصرة يؤدي إلى اختلال التوازن وفساد الأرض.

المبحث الثاني: النصرة الشرعية: حكمها وأدلتها

تناول فيه الحكم الشرعي لإزالة الظلم عن المظلومين، ودفع المنكر والأذى، مستندًا إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة تنهى عن خذلان المسلم أو تسليمه لعدوه.

وأكد وجوب النصرة القلبية وجوبًا عينيًا، واستدل بالأحاديث التي بيّنت مراتب الإنكار، مركّزًا على فضل الإنكار القلبي عند العجز.

المطلب الثاني: مسؤولية المرأة المسلمة في النصرة.

شدد على أن للمرأة دورًا مهمًا في نصرة قضايا الأمة، وذلك من خلال تربية الأبناء، والدعاء، والتوعية، والمساهمة في مجالات النفع العام بما يتوافق مع خصوصيتها الشرعية.

المطلب الثالث: أهل النصرة ومستحقوها

تناول فيه الفئات التي تستحق النصرة من أهل الإسلام، وبيّن ضوابط تحديد المستحقين شرعًا وفق مبادئ العدل والرحمة.

المبحث الثالث: المسؤولية الشرعية المترتبة على الامتناع عن تقديم النصرة

المطلب الأول: مفهوم الجريمة الإيجابية والسلبية.

عرّف الجريمة بنوعيها، وقارن بين الفعل العدواني المباشر (الجريمة الإيجابية)، وبين الامتناع المؤدي للضرر (الجريمة السلبية). واستشهد بآراء من كتب مؤثرة مثل:

• "التشريع الجنائي الإسلامي" لعبد القادر عودة،

• "الجريمة والعقوبة" لأبي زهرة،

• "نظرية الجريمة السلبية" لداوود نعيم.

المطلب الثاني: الركن المادي في الجريمة السلبية وشروط تحقق الخطر

عرض فيه مكونات الجريمة بالامتناع، مركّزًا على توافر شرط الخطر المترتب على عدم الفعل.

المطلب الثالث: الامتناع السلبي عند تعيين الواجب.

ناقش فيه الخلاف الفقهي بين العلماء في هذا الموضوع، واستند إلى مصادر معتبرة كـ:

• "مغني المحتاج" للشربيني،

• "المغني" لابن قدامة،

• "رد المحتار" لابن عابدين،

• "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير".

المطلب الرابع: الامتناع عن النصرة الواجبة في حق المسلم

بيّن فيه الفروق بين الواجب العيني والواجب الكفائي، موثقًا بالأدلة الشرعية وآراء المذاهب السنية الأربعة.

المبحث الرابع: القواعد والأصول الضابطة لوسائل النصرة الواجبة

ومن أبرز ما ورد في هذا المبحث، ما عرضه في المطلب الرابع حول نظرية "الغاية تبرر الوسيلة"، حيث فنّدها تفنيدًا علميًا وشرعيًا، موضحًا فسادها العقلي والشرعي.

وقد قال في خلاصة بليغة:

"ينبغي على المسلمين وهم يقومون بواجب النصرة لقضايا أمتهم، أن يدركوا أن مخالفة الشرع في الوسائل كمخالفته في الغايات، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة. ولا يجوز أن يُنصر المسلم المظلوم بوسائل محرمة، لأن النصرة لها ضوابط شرعية وأخلاقية لا يجوز تجاوزها."

وحذّر من توظيف هذه النظرية لتبرير القتل والاعتداء على الأبرياء، مبينًا أن من يستخدمونها يرتكبون انتهاكات باسم النصرة، وهم في الحقيقة يخالفون مقاصد الشريعة، ويرتكبون أعظم الجرائم بحق الإنسانية، كما قال الله تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].

وأكد أن كل مؤسسات الفتوى والمجامع العلمية المعاصرة أجمعت على تحريم الأعمال الإرهابية التي تُرتكب بزعم نصرة قضايا الأمة، واعتبر أن هذه الأعمال – من تفجيرات واغتيالات وقتل عشوائي – هي منافية للشرع، مفسدة في الأرض، وخارجة عن مقتضى الدين ومصالح الخلق.

وشرح في المطلب الخامس قاعدة "الميسور لا يسقط بالمعسور"، وفي المطلب السادس "وسائل النصرة بين الإباحة والتوقيف"، ووضح في المطلب السابع قاعدة "سد الذرائع" وتطبيقاتها المعاصرة، وخلاصة ما قاله العلماء في هذا الصدد.

وفي المبحث الخامس تكلم الدكتور سالم عن النصرة، وتحدث عن آدابها وأسباب ضعفها في الأمة، وقسم هذا المبحث إلى مطالب مهمة منها:

المطلب الأول: المسارعة إلى النصرة واستحضار الواجب الشرعي، وتوسّع في بيان عظم التكاليف الشرعية وعظم المسؤولية، ودعا إلى المسارعة في النصرة والإغاثة.

المطلب الثاني: الإخلاص والاحتساب لله في نصرة المسلمين.

المطلب الثالث: الحرص على القليل وإتمام أعمال النصرة، معرجاً على القاعدة الشرعية "لا تحقرن من المعروف شيئاً"، وضرب أمثلة، منها: التصدق بما يعادل نصف تمرة، والكلمة الطيبة، وإدخال السرور على قلب من تلقاه، والنهي عن احتقار المعروف الذي يقدمه الآخرون واستصغاره، واستدل بجملة من الأحاديث النبوية في بيان أجر الأعمال الصالحة التي ظاهرها أنها قليلة وهي عند الله عظيمة، ودعا إلى إتمام العمل الصالح والاستمرار فيه.

المطلب الرابع: حذر من خطورة المن والأذى. واعتبر من الآداب والأخلاق المتعلقة بواجب نصرة المسلمين لإخوانهم المظلومين وقضاياهم المتعددة والمتنوعة؛ أدب ترك المن والأذى، وبين حكم ذلك في الشريعة، واستدل بقوله تعالى: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾ [البقرة: 264]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى﴾ [البقرة: 262]، وأشار إلى الآثار السيئة للمن على الفرد والمجتمع.

المطلب الخامس: تعرض لبيان أسباب ضعف النصرة في واقع الأمة، منها: ضعف استشعار الواجب الشرعي تجاه نصر المسلمين، وضعف معالم الإيمان وغياب مفهومه الصحيح، وغياب دور العلماء في التوعية والإرشاد بحقوق الأخوة الإسلامية، والتعلق بالدنيا والاستغراق في متطلباتها ولذاتها، والتفرق والاختلاف وعدم جمع الكلمة، والضعف التربوي والاجتماعي، والحرب الممنهجة على مؤسسات النصر والإغاثة.

وأفرد الباب الثاني للجانب التنزيلي والتطبيقي لقضية النصرة. ففي الفصل الثالث من الكتاب خصه لذكر وسائل النصرة، ووزع حديثه على أربعة مباحث، المبحث الأول: نصرة المسلمين بقنوت النوازل والدعاء.

وتكلم في المطلب الأول عن قنوت النوازل؛ التعريف والمشروعية.

والمطلب الثاني: مذاهب العلماء في قنوت النوازل.

والمطلب الثالث تكلم عن أحكام جامعة في قنوت النوازل.

وفي المطلب الرابع، تكلم عن سنن قنوت النوازل وآدابه وتوصيات للمسلمين، بأن يكون الدعاء مناسباً للمقام في طوله وصياغته، وتحدث عن تأمين المأموم في دعاء القنوت، وعن رفع اليدين في دعاء القنوت وبين أقوال الفقهاء في هذه المسائل الفقهية. وأفرد في المبحث الثاني حديثه عن النصرة المالية والإغاثية.

وجعل حديثه في المطلب الأول عن مقدمات وممهدات في النصرة المالية والإغاثية، وتكلم عن الإنفاق في سبيل الله تعالى وعظم المثوبة، وعن بعض وجوه الإنفاق في النصرة المالية كإغاثة البلاد المنكوبة، وإعانة الأسر الفقيرة، والمساهمة المالية في كل ما يعين على فكاك الأسرى والسجناء في المناطق المحتلة من العالم، وإغاثة المرضى بالأدوية ونحوها، وستر المستضعفين في أنفسهم وأهليهم وذويهم وسد خلّتهم، ورعاية الأيتام والأرامل كالرعاية المادية عبر ما يسمى "الكفالة الشهرية"، والرعاية التعليمية والصحية، وتحدث عن التخريج الفقهي للمؤسسات القائمة على النصرة والإغاثة.

وفي المطلب الثاني، تحدث الشيخ الدكتور سالم الشيخي عن الزكاة الواجبة والصدقة المندوبة، وأجاب عن سؤال: هل في المال حق سوى الزكاة؟

وفي المطلب الثالث تكلم عن أحكام مختارة في النصرة المالية لواقع المسلمين، كحكم قيام المؤسسات الإغاثية نيابة عن المسلمين بالسؤال والاستجداء للمحتاجين، وبين صورة المسألة واختلاف الفقهاء فيها، وفي جواز المسألة للغير، وكراهة المسألة للغير، وبين القول الراجح في ذلك، ورجح جواز سؤال الغير فيما يتعلق بسؤال المسلم لغيره، وخصوصاً للمؤسسات الإغاثية لما يترتب على ذلك من تحقيق مقاصد شرعية للنصرة.

وتكلم عن حكم جمع التبرعات لنصرة قضايا المسلمين في المساجد والمراكز الإسلامية، وتعجيل الزكاة بعد اكتمال النصاب قبل حولان الحول، وركز على صورة المسألة واختلاف الفقهاء والراجح في ذلك، وبيّن مذهب عامة الفقهاء في جواز تعجيل الزكاة، وبين الحكم الشرعي في نقل الزكاة من بلد إلى آخر.

وفي المطلب الرابع، وضح ضوابط النصرة الإغاثية المالية، كإخلاص النية لله، والالتزام بالأحكام الشرعية في مجال الإغاثة، وعدم الوقوع في المخالفة القانونية، وتوسيد الأمر لأهله، والالتزام بالضوابط الشرعية عند قبول المعونات من المؤسسات غير الإسلامية.

وفي المبحث الثالث، كان الحديث عن النصرة الإعلامية لقضايا المسلمين، وخصص هذا المبحث لبيان أهميتها وأحكامها وضوابطها المتعلقة بها، فتحدث في المطلب الأول عن حقيقة النصرة الإعلامية وأنواعها: كالكلمة الصادقة في وسائل الإعلام وعبر المؤتمرات والندوات واللقاءات الفكرية، والقلم النزيه الذي يكتب في الوسائل المتاحة في الصحف والدوريات ومواقع الإنترنت.

وفي المطلب الثاني، بين أهداف النصرة الإعلامية وقيمتها الأخلاقية كقيمة الالتزام بالحق والصدق والتثبت في الأخبار، والعدل والإنصاف. وفي المطلب الثالث أشار إلى ضوابط النصرة الإعلامية: كتجنب المخالفات القانونية في المجال الإعلامي خارج ديار المسلمين، والاعتناء بمضمون رسالة النصرة الإعلامية كالوضوح والأدلة والبراهين، وأن تكون الرسالة بلسان القوم ولغتهم. ومن الضوابط التي ذكرها، الالتزام بآداب الخطاب الإسلامي، والتفريق بين نبذ الظلم، ومعاداة الأديان.

وفي المبحث الرابع، كان حديث الدكتور سالم الشيخي عن النصرة السياسية والقانونية القضائية وواجب أهل الاختصاص، فبين في المطلب الأول حقيقة النصرة السياسية وأهدافها، وفي المطلب الثاني، بين النصرة بالمظاهرات والاحتجاجات السلمية وأحكامها وضوابطها، فبين حقيقة المظاهرات والاحتجاجات السلمية، ووضح خلاف العلماء في حكم المظاهرات، وتوسع في استعراض آراء العلماء فيها، ورجح جواز خروج المسلمين في المظاهرات السلمية للتعبير عن حقوقهم والمطالبة بها، وقال: "وينتقل الحكم من الجواز إلى الندب إذا كانت المظاهرات لتحقيق وجه من أوجه النصر لقضايا المسلمين، وهي صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

وذكر المؤلف مجموعة من الضوابط والآداب التي ينبغي على القائمين على المظاهرات، ومن خرجوا نصرةً لإخوانهم، أن يلتزموا بها، ومن ذلك:

• استحضار الإخلاص لله تعالى.

• الالتزام بجميع اللوائح القانونية المنظمة للمظاهرات.

• اجتناب الأقوال والأفعال والأخلاق المحرّمة شرعًا، كالسّبّ والشتم والعنف وسوء المعاملة.

• عدم الاعتداء على ممتلكات الأبرياء، أو تحطيم محلاتهم، أو إحراق السيارات، فإنّ هذه الأفعال كلّها محرّمة شرعًا ومرفوضة قانونًا وأخلاقًا.

• اجتناب الاعتداء على المرافق العامة والمؤسسات الخدمية ونحوها، لما في ذلك من إفساد وإضرار بالمصلحة العامة.

المطلب الثالث: الأصوات الانتخابية ونصرة قضايا المسلمين

تناول فيه قضية استثمار الصوت الانتخابي في الدول ذات النظام الديمقراطي لنصرة قضايا الأمة، وناقش مدى شرعية توجيه الصوت نحو من يتبنى تلك القضايا ويدافع عنها.

المطلب الرابع: التحالفات السياسية في سبيل نصرة المسلمين

بيّن فيه حكم التحالف السياسي من أجل دعم قضايا المسلمين، مستعرضًا مفهوم التحالف في اللغة والاصطلاح، ومفهوم "الحِلف" في الإسلام، وموقف الفقه الإسلامي من الاستعانة بغير المسلمين.

وقد أسند تحليله إلى أقوال الفقهاء ومصادرهم المعتمدة، من أبرزها:

• حاشية ابن عابدين

• المبسوط للسرخسي

• مواهب الجليل للحطاب

• روضة الطالبين للنووي

• المغني لابن قدامة

• أحكام أهل الذمة لابن القيم

• الكافي لابن عبد البر

• الموسوعة الفقهية الكويتية.

وجاء عرضه فقهيًّا منهجيًّا، مع التفصيل الوافي والربط بالواقع المعاصر.

المطلب الخامس: المسلمون في الغرب والنصرة القانونية والقضائية

تناول فيه مسؤولية المسلمين في الغرب تجاه قضايا أمتهم، من خلال السبل القانونية والقضائية المتاحة، كرفع الدعاوى ضد المحتلين والمعتدين أمام المحاكم الدولية، أو السعي لإدانة الجرائم والانتهاكات بحق المظلومين، مع بيان حكم التحاكم إلى القضاء الوضعي في تلك البلاد، وضوابط ذلك في الفقه الإسلامي.

إنَّ كتاب "المسلمون ونصرة قضايا الأمة" للدكتور الشيخ سالم عبد السلام الشيخي يُعد إضافة حقيقية ومعتبرة إلى المكتبة الإسلامية، وهو من المراجع المتخصصة المهمة في هذا الباب.

وأوصي طلاب العلم والعلماء والمشتغلين بالدعوة والفقه والحقوق، بالاطلاع عليه والاستفادة مما فيه من مقاصد وأهداف شرعية عظيمة، تخدم الأمة في حاضرها ومستقبلها.

كما أوصي بترجمة الكتاب إلى اللغات العالمية، لتعميم نفعه على الشعوب الإسلامية في أصقاع الأرض، ولإبراز حقيقة النصرة الشرعية المطلوبة، المتمثلة في:

إغاثة المسلمين المظلومين، والدفع عنهم، ومساندتهم للوصول إلى حقوقهم المشروعة، وتفريج كروبهم، ومواساتهم في آلامهم وأحزانهم، وفق الضوابط الشرعية والأخلاقية.

وقد قدّم الدكتور سالم في هذا الكتاب خدمة جليلة للعلماء والدعاة والخطباء، في بيان أمانة البلاغ الشرعي المتعلقة بواجب النصرة والدفاع عن حقوق المسلمين المستضعفين في كل بقاع الأرض.

نسأل الله عز وجل، بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يتقبل من أخينا الدكتور سالم عبد السلام الشيخي هذا الجهد المبارك، وأن يبارك فيه، ويجعل له فيه القبول بين أهل العلم والدين، وأن ينفع به الأجيال المتعاقبة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ونسأله سبحانه أن يبارك في جهوده العلمية والفقهية والدعوية، وأن يجعلنا وإياه من المخلصين العاملين، والمسددين المؤيدين، وأن يختم لنا بخاتمة الإسلام، ويحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

 

كتبه: علي محمد محمد الصلابي

بتاريخ: 8/ذو القعدة/1446 هجرية

الموافق: 6/مايو/2025م.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022