(خلاصة كتاب التداول على السلطة التنفيذية: دروس وعبر1)
الحلقة: 63
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي: لابد له من الاجتماع، ثم إن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه، وتم عمران العالم بهم، فلابد من وازع يدفع بعضهم عن بعضهم ؛ لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم.
-السلطة الإسلامية ليست سلطة «ثيوقراطية»، وهي تجعل الحاكم يستمد سلطته من الإله، ويُضفى عليه التقديس والتفوق على البشر، بحيث لا يعارض حكمه، ولو استبد بالأمر. والسلطة في المفهوم الإسلامي أن الشعب يختار الحاكم، وهو مفوض من قبله بتنفيذ أوامر الله تعالى، وهو مقيد بالكتاب والسنة، ومن حق المواطنين النقد والمعارضة والنصيحة.
-السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة المسلمة: هي الهيئة الحاكمة التي تقوم بتنفيذ القوانين وتسيير الإدارة والمرافق العامة، وهي تتكون من جميع المسؤولين في الدولة، من رئيس الدولة والوزراء والموظفين.
- تتكون السلطة التنفيذية من جميع العاملين بالدولة بدءاً من الخليفة والوزراء والأمراء، وقوات الجيش، وجباة الضرائب، ورجال الشرطة، وجميع عمال الحكومة.
-يسمي الفقهاء السلطة التنفيذية العليا باسم «الخلافة» أو «الإمامة» أو «الإمارة»، وفي العصر الحاضر تسمى «الرئاسة» ويسمون من يتولى تلك السلطة باسم «الخليفة» أو «الإمام» أو «أمير المؤمنين» أو «الرئاسة».
-الإمامة والخلافة وإمارة المؤمنين: مترادفة، والمراد بها الرياسة العامة في شؤون الدين والدنيا.
- عندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر المسلمين سمي بـ «خليفة رسول الله»، وهذه التسمية أطلقت على من تولى أمر المسلمين، وتشعر بالارتباط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم الذي حل خلفه في الولاية على المسلمين.
- أمير المؤمنين هو اللقب الثاني الذي أطلق على من تولى السلطة التنفيذية العليا في الترتيب الزمني من حيث خلع الألقاب على ولاة أمور المسلمين، وأول من لقب به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- وإذا كان لقب الخليفة يبرز الطابع الديني والاتصال القوي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن لقب أمير المؤمنين أقرب لإظهار المعنى الدنيوي؛ لأنه يعني أن المؤمنين قد أصبحوا قوة، وأن رئيس الدولة قد صار المتصرف في شأن هذه القوة.
-ـ الإمام هو اللقب الثالث من ألقاب من يتولى السلطة التنفيذية العليا، وقد ورد لفظ «الإمام» في القرآن الكريم بمعنى «القدوة»، وورد معنى الإمام بمعنى من يتولى أمر المسلمين.
- والسلطان هو الذي يتولى أعلى سلطة في الدولة ؛ ولذا كان يسمى بالسلطان الأعظم، وقد لقبه بذلك المتأخرون؛ لأنه صاحب السلطة العليا في الأمة، وظهر بشكل لافت إطلاق لفظ السلطان على الحاكم أو رئيس الدولة في عهد الأيوبيين والمماليك ثم دولة بني عثمان.
- إن لفظ «الملك» يقوم مقام «الخليفة» أو أمير المؤمنين، وكان إطلاق لقب «الملك» على من يتولى أمور المسلمين قد ظهر بعد «الخليفة» وأمير المؤمنين في الترتيب.
- ـ الرئيس هو اللقب الذي تسمى به بعض ولاة أمور المسلمين بعد انتهاء الخلافة وتفرق كلمة المسلمين، وانقسام الدولة الإسلامية إلى أقاليم صغيرة سميت بعضها بالجمهورية، وبعضها بالدولة، وبعضها بالسلطنة، وبعضها بالمملكة.
-ـ ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوجوب تنصيب الخليفة أو رئيس الدولة، وقالوا: إنه واجب، وقالوا: إن الأمة اثمة إذا لم تقم بهذا الواجب. وحيثما خلا عصر من العصور، أو فترة من فترات حياتها من وجود إمام أو رئيس للدولة، فجميع أفراد هذه الأمة اثمون، ولا يخرجهم من هذا الإثم، ولا يرفع عنهم هذا الوزر إلا العمل بجد، وبكل ما في وسعهم لإيجاد أمير عام ومبايعته وتنصيبه، واستدلوا على ذلك بأدلة من القرآن والسنة القولية والفعلية والإجماع والقواعد الفقهية، مثل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
- ـ من الثابت تاريخياً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعين للمسلمين من يقوم بأمر الدولة الإسلامية بعد وفاته، بل لم يحدد رسول الله الطريقة التي تتبع في اختيار الحاكم بعده، وإنما أوضح القواعد العامة التي يجب أن يراعيها الحاكم في سيرته في الناس، وبين بسيرته وأقواله المثل العليا التي يجب التمسك بها، والمحافظة عليها من جانب الحاكم والمحكومين على السواء.
- أعطى الإسلام فرصة للاجتهاد وفق الأصول والثوابت والقيم والمبادأئ، وراعى تغير الزمان والمكان، وتوالي الأجيال، وتقلبات الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما يتحكم في النظام السياسي، ويؤثر فيه.
- أفرز ما دار في سقيفة بني ساعدة مجموعة من المبادأئ، منها: أن قيام الأمة لا يُقام إلا باختيار، وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار وشرعية القيادة، وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب ديناً، والأكفأ إدارة، فاختيار الخليفة رئيس الدولة وفق مقومات إسلامية، وشخصية، وأخلاقية، وأن الرئاسة لا تدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وأن إثارة «قريش» في سقيفة بني ساعدة، باعتباره واقعاً يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه ما لم يكن متعارضاً مع أصول الإسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين، حيث لا هرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات، ولا نقض للاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم، حيث المرجعية في الحوار إلى النصوص الشرعية.
-تقرر يوم السقيفة أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الإسلامية، وتحديد سلطانه يجب أن يتم بالشورى، أي: البيعة الحرة التي تمنحه تفويضاً ليتولى الولاية بالشروط والقيود التي يتضمنها عقد البيعة الاختيارية الحرة ـ الدستور في النظم المعاصرة ـ وكان هذا ثاني المبادأئ الدستورية التي أقرها الإجماع، وكان قراراً إجماعياً كالقرار السابق.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي