(ضم عماد الدين زنكي لحلب522هـ)
الحلقة: 40
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م
تُـعَدُّ حلب ذات أهمية بالغة لأية قيادة عسكرية وسياسية تسعى لمجابهة الصليبيين بفضل ما تتمتَّع به من حصانة عسكرية، ومركز متميز، وإمكانات اقتصادية وبشرية وسياسية هامة، وبالإضافة إلى موقعها على خطوط المواصلات بين فارس والعراق من جهة، وبين الشام واسيا الصغرى من جهة أخرى، ثم بين إمارتين صليبيتين هما: الرُّها، وأنطاكية، وغدت ـ مُنذ عهد طويل ـ قاعدة لا يمكن بدونها السيطرة على الجهات الشمالية والوسطى من بلاد الشام في الوقت الذي يمكنها فيه الاتصال بالقوى الإسلامية المنتشرة في الجزيرة، والفرات، والأناضول، وشمالي بلاد الشام، وأواسطه، مما يعد أساساً حيوياً لاستمرار حركة الجهاد، وتحقيق أهداف حاسمة ضد الصليبيين، لذلك كان ضمها من قبل أيِّ قائد إسلامي بمثابة فتح الطريق أمامه لتبوء مركز القيادة في حركة الجهاد.(1)
وساعدت الظروف السياسية التي كانت تمر بها إمارة حلب التي وجدت نفسها في حالة شديدة من الفوضى عقب وفاة الأتابك عز الدين مسعود بن البُرسقي في عام(521هـ/1127م) وتعدُّد المطالبين بالسلطة، وتنازعهم، فقد استأثر «قتلغ أبه» نائب الأتابك، بإدارة شؤونها(2)، في الوقت الذي طمع فيه جوسلين الثاني أمير الرُّها وبوهيمند الثاني أمير أنطاكية لاتخاذها قاعدة لمد نفوذه باتجاه الشرق والجنوب الشرقي. وشنَّ الصليبيون هجمات عنيفة للاستيلاء عليها رافقها تدهور حاد في أوضاعها الاقتصادية، وانتشار الخوف والقلق بين السكان(3)، مما دفع هؤلاء إلى الالتفاف حول نائب حلب السابق سليمان بن عبد الجبار الأرتقي، وقد تزعم الثورة ضد «قتلغ أبه» الذي اتصف بالتعسف(4).
ويبدو: أن سليمان لم يتمكن من وضع حدٍّ لتدهور الأوضاع على الرغم من أنه عقد هدنة مع جوسلين الثاني تنازل له بموجبها عن بعض المناطق الزراعية المحيطة بالجهات الغربية لحلب(5)، لكن يقظة عماد الدين زنكي أفسدت على الجميع خططهم ومشاريعهم، وقد سعى إلى ضم حلب بوصفه يملك منشوراً من السلطان السلجوقي بحكم الموصل، والجزيرة، وبلاد الشام، ومهَّد لخطواته هذه بإرسال الرسل إليها حتى يشرحوا لسكانها أحقيته في تولي أمورها، كما أرسل حاجبه الياغسياني لتنظيم أمورها الإدارية، وتمهيد الطريق له لدخولها، ثم غادر الموصل في طريقه إليها، وضمَّ في طريقه بزاعة(6)، ومنيح، ولما وصل إلى مشارف المدينة في شهر جمادى الاخرة عام 522هـ شهر حزيران عام 1128م خرج سكانها لاستقباله املين ببداية عهد جديد من الأمن، والاستقرار بعدما سئموا من الفوضى التي سادت مدينتهم، فدخل القلعة وبدأ بتنظيم أمورها، وأقطع أعمالها لأمرائه وأجناده(7) وحتى يثبت أقدامه في حلب ويقطع الطريق على المفسدين ضايق عماد الدين زنكي زعماء المدينة المعارضين لحكمه، وذوي المصالح القديمة فيها، فقضى على بعضهم، وفرَّ البعض الاخر من وجهه، فقتل «قتلغ أبه» وفرَّ إبراهيم بن رضوان بن تتش إلى نصيبين وغادر سليمان بن عبد الجبار إلى المدينة، والتجأ فضائل بن بديع رئيس حلب السابق إلى قلعة جعبر القريبة من حلب.(8)
وبذلك تحققَّت الوحدة بين الموصل وحلب، مرة أخرى، وحصل عماد الدين زنكي على موقع هام، وأمن جانب المعارضة، وتهيَّأت له الفرصة للتدخل في الأوضاع السياسية لبلاد الشام، لتوحيد صفوف المسلمين، ومجابهة أخطار الصليبيين، كما أدَّى ذلك إلى عزل إمارة الرُّها عن بقية الإمارات الصليبية في الغرب والجنوب.(9)
مراجع الحلقة الأربعون:
(1)الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين ص 104.
(2) تاريخ الزنكيين في الموصل ص 100.
(3) الباهر ص 34، 37 ـ 38.
(4) زبدة حلب (1/431) تاريخ الزنكيين ص 101.
(5) الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين ص 101.
(6) بزاعة: بلدة من أعمال حلب في وادي بطنان بين منبج وحلب.
(7) الحروب الصليبية د. سهيل زكار(2/678).
(8) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 101
(9) المصدر نفسه ص 101.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي