الأحد

1446-06-28

|

2024-12-29

الرهبانية المبتدعة الباطلة:

الحلقة: الحادية الأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1441 ه/ أبريل 2020م

قال تعالى:﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد:27).

لقد بعث الله تعالى عيسى ابن مريم -عليهما السلام -رسولاً وأنزل عليه الإنجيل، وآمن به صالحون من بني إسرائيل وغيرهم.

- (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً)

ذكر هنا صفة بارزة من صفات الذين اتبعوا عيسى ابن مريم وهي الثمرة الطبيعية لدعوة المسيح-عليه السلام-وروحها السمحة وتطهرها الروحي، وشفافيتها الوضيئة والرأفة والرحمة ظاهرة واضحة في المؤمنين حقيقة برسالة عيسى عليه السلام، ممن أحسنوا اتباعه. وقد أشارت إليها آيات أخرى في القرآن الكريم، كما حفظ منها التاريخ صورا يرويها الرواة عن النجاشي وعن وفد نجران وعن أفراد ممن وفدوا على دار الإسلام بعد ظهوره راغبين في الإسلام، بحكم ما استقر في قلوبهم من الحق، مذ كانوا أتباع عيسى بن مريم بحق، كذلك يذكر النص هنا ظاهرة أخرى عرفت في تاريخ أتباع المسيح عيسى بن مريم.
- (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ(
والراجح في تفسير الآية أن هذه الرهبانية التي عرفها تاريخ المسيحية كانت اختيارا من بعض أتباع عيسى عليه السلام، ابتدعوها من عند أنفسهم ابتغاء رضوان الله، وابتعادا عن أوضار الحياة، ولم يكتبها الله عليهم ابتداء.
ولكنهم حين اختاروها وأوجبوها على أنفسهم صاروا مرتبطين أمام الله بأن يرعوا حقوقها، ويحافظوا على مقتضياتها من تطهر وترفع، وقناعة وعفة، وذكر وعبادة... مما يحقق في أنفسهم حقيقة التجرد لله، التي قصدوا إليها بهذه الرهبانية التي ابتدعوها.
ولكنها انتهت إلى أن تصبح في الغالب طقوسا وشعائر خالية من الروح، وأن يتخذها الكثيرون مظهرا عاريا من الحقيقة. فلا يصبر على تكاليفها إلا عدد منهم قليل.
- (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(
والله لا يأخذ الناس بالمظاهر والأشكال، ولا بالطقوس والمسوح. إنما يأخذهم بالعمل والنية، ويحاسبهم على حقيقة الشعور والسلوك. وهو الذي يعلم خبايا القلوب وذوات الصدور.
لقد اعتزلوا الناس وصاروا في الصوامع، فلم يزالوا كذلك حتى غيَّرت طائفة منهم، فتركوا دين الله وأمره وعهده الذي عهِد به إليهم، وأخذوا البدع.

مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م، (290:287)
- صلاح الدين الخالدي، حديث القرآن عن التوراة والإنجيل، دار النفائس، عمَّان، الأردن، ط1، 1438ه، 2017م. 4/391
- سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة: دار الشروق، ط 38، 1430ه، 2009م، 6/3496.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022