صفات الملائكة الخَلقية
الحلقة: الثانية
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ مايو 2020
دلّت نصوصُ الكتاب والسنة بأنّ الملائكةَ لهم صفاتٌ خَلقية منها
1 ـ عظم خلقهم وضخامة أجسامهم وقوتهم:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} التحريم: 6 جاء في تفسير هذه الآية أنّهم غلاظُ القلوبِ شدادُ الأبدانِ وهم مِنَ القوّةِ بحيث لا تضرّهم النارُ التي تذيبُ الحديدَ والحجارة.
وقال تعالى {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *} النجم 5-6. وصفٌ لجبريل عليه السلام ذو مرة أي ذو قوة وقيل ذو منظر حسن ولا منافاةَ بين القولين فإنّه ذو منظر حسن وقوة شديدة.
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *} 19 ـ 2 أي إنّ هذا القران لتبليغُ أي مَلَكٍ {رَسُولٍ كَرِيمٍ *} حَسَنِ الخَلْقِ بَهِيِّ المنظر وهو جبريل عليه السلام {ذِي قُوَّةٍ} تعالى {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *} 5 ـ أي شديد الخَلْقِ شديدُ البطشِ والفعلِ أي له مكانةٌ عند الله {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *} وجل ومنزلةٌ رفيعةٌ أيّ له {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *} وهو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى صفة لجبريل {ثَمَّ أَمِينٍ *} وعظيم جداً أن يزكي الربُّ عزّ وجل عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكّى عبدَه ورسولَه البشري محمداً صلى الله عليه وسلم ومن السنّةِ حديثُ عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسولَ اللهِ هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ عليكَ من يوم أُحدٍ؟
فقال «لقد لقيتُ من قومِكِ وكان أشدُ ما لقيتُ منهم يومَ العقبةِ، إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ يا ليل بن عبدِ كِلال فلم يجْبني إلى ما أردتُ فانطلقتُ ـ وأنا مهمومٌ ـ على وجهي فلم استفقْ إلاّ بِقَرْنِ الثعالب، فرفعتُ رأسِي فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلّتني فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ فناداني فقال إنّ الله عزّ وجلّ قد سمعَ قولَ قومِكَ لك وما رَدُّوا عليك وقد بعثَ إليك مَلَكَ الجبالِ لتأمرَه بما شئتَ فيهم قال فناداني مَلَكُ الجبالِ فسلم عليَّ ثم قال يا محمّدُ إنَّ اللهَ قد سمعَ قولَ قومِكَ لكَ وأنا مَلَكُ الجبالِ وقد بعثني ربُّكَ إليكَ لتأمرني بأمركِ فما شئتَ؟ إنْ شئتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخشبينِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرجَ اللهُ مِنْ أصلابِهم مَنْ يَعْبُدُ الله وحدَه لا يُشْرِكُ به شيئاً»
كان مقترح ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين وهو يدخل تحت أسلوبِ الاستئصالِ وقد نُفِّذَ في قوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ وقومِ لوطٍ قال تعالى {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *} العنكبوت: 40.
ولكنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رفض منهج الاستئصال ونظر إلى المستقبلِ بنورِ الإيمان وقرّرَ الدخولَ إلى مكة ليواصِلَ جهادَه الميمون.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتّخذَ من أصلاب الكافرين مصانعَ بشرية تخرّجُ أجيالا من المسلمين المقاتلين في سبيل الله فنظره صلى الله عليه وسلم كان مصوَّباً نحو المستقبل بصورة جلية ولم يكن ذلك يعني الانسحابُ من الحاضر.
ومما يدلُّ على ضخامة أجسام الملائكة وقوتهم حديثُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال «أُذِنَ لي أن أحدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ ملائكةِ اللهِ مِنْ حملةِ العَرْشِ إنَّ ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عاتِقِهِ مسيرةُ سبعمئةِ عامٍ».
2 ـ أجنحة الملائكة:
قال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} أي منهم من له جناحانِ ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ للهِ ملائكةً يطوفون في الطريق يلتمسونَ أهْلَ الذكرِ فإذا وَجَدُوْا قوماً يذكرون الله تنادوا هَلمُّوا إلى حاجتكم قال فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا».وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الملائكةَ لتضعُ أجنحتها لطالبِ العلمِ رضاً بما يطلب».
3 ـ عظم سرعتهم:
أعظمُ سرعةٍ يعرفها البشر هي سرعةُ الضوء وهو ينطلق بسرعة (186) ألف ميل في الثانية الواحدة أمّا سرعةُ الملائكة فهي فوق ذلك وهي سرعةٌ لا تقاس بمقاييس البشر كان السائِلُ يأتي إلى الرسولَ صلى الله عليه وسلم فلا يكادُ يفرغُ من سؤاله حتى يأتيه جبريلُ بالجواب من ربِّ العزة سبحانه وتعالى واليوم لو وُجِدَتْ المراكبُ التي تسير بسرعة الضوء فإنّها تحتاجُ إلى (مليار) سنة ضوئية حتى تبلغَ بعض الكواكب الموجودة في افاق هذا الكون الواسع الشاسع.
4 ـ عدم حاجة الملائكة للأكل والشرب:
قال تعالى {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ *فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ *} 69 ـ 7 وذلك أنّ الملائكة لا همّةَ لهم في الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به وفي آيات أخرى قال تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ *فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ *فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ *فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ *} الزاريات: 24 ـ 2.
وكون الملائكة لا يأكلون الطعام أمرٌ أطبقَ عليه العلماءُ قال القرطبي قال علماؤنا ولم يأكلوا لأنّ الملائكة لا تأكل.
5 ـ لا يوصفون بالذكورة والأنوثة:
ميّزَ الله عز وجل الملائكة بأنّهم جنسٌ يُخْلَقُ كلُّ واحدٍ منهم بذاته ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة وهم باقون على أصل خلقتهم التي خلقهم الله عليها هذا ما دلّت عليه النصوص من الكتاب والسنة. قال تعالى {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ *أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ *أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ *وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينِ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ *} الصافات 149 ـ 15.
ذكر الله تعالى عن المشركين ثلاثة أقوال في الملائكة هي غاية في الكفر والكذب:
أ ـ جعلوا لله ولداً تعالى الله عن ذلك وتقدس.
ب ـ وجعلوا ذلك الولد أنثى.
ج ـ ثم عبدوهم من دون الله تعالى لله وتقدس.
وكلُّ منها كافٍ في التخليد في نار جهنم.
وقال تعالى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ *أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينِ *وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ *وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ *وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ *} [الزخرف 15 ـ 2
والمقصود إيضاحه كذبهم وبيان جعلهم في نسبة الأولاد إلى الله سبحانه ثم تحكمهم بأنَّ الملائكة إناثاً من غير دليلٍ والجعل هنا بمعنى القول والحكم تقول جعلتُ زيداً أعلمَ الناس أي حكمتُ له بذلك؟ أي أحضروا حالة خلقهم حتى حكموا بأنهم إناث.
وقد جمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أ ـ جعلوا لله تعالى ولداً تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً
ب ـ دعواهم أنّه اصطفى البناتِ على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
ج ـ عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل بل بمجرد الآراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
د ـ احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً وقد جهلوا في هذا الاحتجاجِ جهلاً كبيراً فإنه تعالى قد أنكر عليهم أشدَّ الإنكار فإنه منذُ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحدَه لا شريك له وينهي عن عباده ما سواه.
6 ـ كلام الملائكة:
قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} البقرة: 30.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خلقَ اللهُ ادمَ على صورتِهِ وطول ستون ذراعاً فلّما خلقَه قال اذهبْ فَسلِّمْ على أولئكَ النفر ـ وهم نفرٌ من الملائكةِ جلوس ـ فاستمع ما يحيُّونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال فذهبَ فقالَ السلامُ عليكُم فقالوا السلامُ عليكَ ورحمة الله فزادوه ورحمة الله».
والملائكة يكلّم بعضُهم بعضاً كما قال تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا} {قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *} [سبأ 23[ في هذه الاية إثباتُ أنّ الملائكة يتكلّمون ويفهمون ويعقلون لأنهم يسألون{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ َ} ويجابون{قَالُوا الْحَقَّ} ودلّت الآية كذلك أنَّ لهم قلوباً يصيبها الخوف والوجل من الله.
والملائكة تكلّم الناس بحسب لغاتهم ولا يحتاجون إلى ترجمان كما حصل مع الأنبياء من بني إسرائيل وغيرهم وكما حصل مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهم يكلّمون الناس في قبورهم كما هو معلوم في فتنة القبر ويكلّمون الناس يوم القيامة بالبشارة والنذارة ويكلّمون أهل الجنة ويسلّمون عليهم ويكلّمون أهل النار ويبشّرونهم بالعذاب والنصوص في هذه المعاني كثيرة مشهورة والحاصل أن من صفات الملائكة الجسدية الكلام وهي صفةُ كمالٍ ولا شك فيجب اعتقاد ذلك والإيمانُ به ووصفهم عليه السلام بذلك.
7 ـ جمال الملائكة
خلقهم الله على صورٍ جميلةٍ كريمةٍ قال تعالى في جبريل {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *}] النجم: 5 ـ 6 [قال ابن عباس ذو منظر حسن وقال قتادة ذو خلق طويل حسن وقيل ذو قوة ولا منافاة بين القولين فهو قوي وحَسنُ المنظرِ وقد تقرّرَ عند الناس وصفُ الملائكةِ بالجمال كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح ولذلك تراهم يشبّهون الجميل من البشر بالمَلَك انظر ما قالته النسوة في حق يوسف الصديق عندما رأيته { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف 31[.
8 ـ للملائكة قدرات خارقة
للملائكةِ قدراتٌ خارقةٌ بما وضع الله فيهم من القدرات العجيبة فمنهم من يحمِلُ عرشَ الرحمن كما قال تعالى {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ *وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} 16 ـ 1 ومنهم من ينفخ نفخة يصعق لها من في السموات والأرض إلا من شاء الله قال تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ} {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *} [الزمر: 68[.
9 ـ لا يملّون ولا يتعبون
فالملائكة الكرام يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره بلا كلل ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك قال تعالى في وصف الملائكة {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ *} 2 ومعنى لا يفترون لا يضعفون.
10 ـ قدرة الملائكة على التمثل والتشكل
مكّنَ الله الملائكة من التصوّر بغير صورهم التي خُلِقوا عليها وقد دلّتِ النصوصُ الكثيرة على ظهور الملائكة عليهم السلام للأنبياء وغيرهم بصورة البشر ومن ذلك قوله تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ *}]لذاريات: 24 ـ 25[.
وهؤلاء الضيوف أنفسهم ذهبوا إلى لوط عليه السلام فلّما رآهم خافَ وضاقَ صدرُه لما يعرف من فحش قومه وسوؤهم كما قال تعالى {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا} {لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَال ياقَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ *} [هود 77 ـ 7[
فقد بدلهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحاناً واختباراً حتى قامتْ على قومِ لوطٍ الحجةُ وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيًّا *فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا *قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا *قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأِهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا *} مريم 16 ـ9 1 وهذا المرسَلُ في هذه الاية هو جبريل عليه السلام كما سبق أنَّ الروحَ من أسمائه عليه السلام والشاهِدُ هنا تمثُّله وتشكُّله في صورة البشر قال ابن كثير رحمه الله أي على صورة إنسان تام كامل.
وقد سبق نزول جبريل عليه السلام بروح عيسى عليه السلام إلى مريم ونفخه هذه الروح في جيبها سبق هذا بشارة الملائكة لمريم في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ *وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ *قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *} عمران 45 ـ 47 وهذه البشارةُ كانت مشافهةً لمريم من الملائكة ولكنّ النصوص لم تدل على كيفية هذه المشافهة وكيف كانت صورهم لمّا بشروها ومنْ مِنَ الملائكة بشرّ مريم بذلك ولكنّ النصوص أيضاً تدل على أنَّ الذي نزل بروح عيسى هو جبريل عليه السلام وأنه تمثّلَ لها رجلاً سوياً ونفخَ روح عيسى في جيبها.
وجاء في السنة وقائعٌ كثيرة لتمثل الملائكة بشراً أشهرُها حديثُ جبريل عليه السلام وفيه بينما نحنُ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذ طلعَ علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ لا يُرَى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد وقال في اخره «يا عمر أتدري مَنِ السائل؟» قلت الله ورسوله أعلم فقال «فإنه جبريلُ أتاكم يعلمكم دينكم».
فتمثل جبريلُ بصورةِ رجلٍ شابٍ أسود الشعرِ بثيابٍ بيضاءَ نظيفةٍ وقد راه الصحابة رضي الله عنهم بهذه الصورة فتعجبوا من نظافته ممّا يدل على أنه لم يقدم من سفر ومن عدم معرفتهم له لو كان كان من أهل المدينة وزال تعجبهم لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه جبريل.
وربّما تمثل عليه السلام بصورة دحية الكلبي ـ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه ـ وفيه وكان جبريلُ عليه السلام يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صورة دِحْيَة.
ودحيةٌ مشهور بجماله وتشبُّهُ جبريل به دليلٌ على جمال جبريل عليه السلام.وتمثل الملائكةِ بصورة البشر قد يحدثُ مع غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم «أنَّ رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصدَ الله له على مدرجته ملكاً فلمّا أتى عليه قال أينَ تريدُ؟ قال أريدُ أخاً لي في هذه القرية قال هل لك عليه مِنْ نعمةٍ تربُّها؟ قال لا غيرَ أني أحببتُه في الله عز وجل قال فإنِّي رسولُ اللهِ إليكَ بأنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كما أحببتهَ فيه».
وقد يكون هذا التمثّلُ بصورةٍ غيرِ جميلةٍ ابتلاءً وامتحاناً مِنَ الله لمن تمثلوا له كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل أبرصَ وأقرعَ وأعمى فأراد الله أن يبتليَهم فبعث إليهم ملكاًفأتى الأبرصَ فقال أيُّ شيءٍ أحبُ إليكَ؟قال لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسن ويَذْهَبُ عني الذي قد قذّرني الناسقال فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً قال فأيُّ المالِ أحبُّ إليكَ؟ قال الإبل (أو قال البقر شك إسحاق إلا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدُهما الإبل وقال الاخر البقر) قال فأُعطِيَ ناقةً عشراء فقال بارك الله لك فيها
قال فأتى الأقرعَ فقال أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ؟
قال شعرٌ حسنٌ ويَذْهبُ عَنِّي هذا الذي قذّرني الناسُ
قال فمسحه فذهب عنه وأعطيَ شعراً حسناً
قال فأيُّ المالِ أحبُّ إليك؟
قال البقر.
فأعطي بقرةً حاملاً
قال فأتى الأعمى فقال أيُّ شيءٍ أحبُّ إليك
قال أنْ يردَّ الله إليَّ بصري فأبصرَ به الناسَ
قال فمسحه فردَّ الله إليه بصره
قال فأيُّ المالِ أحبُّ إليك؟
قال الغنم
فأعطي شاةً والداً؟
فأنتجَ هذا وولد هذا قال فكان لهذا وادٍ من الإبل ولهذا وادٍ من البقر ولهذا وادٍ من الغنم.
قال ثم إنّه أتى الأبرصَ في صورته وهيئته فقال رجلٌ مسكينٌ قد انقطعتْ بي الحبالُ في سفري فلا بلاغَ لي اليومَ إلاّ بالله ثم بك أسألكَ بالذي أعطاكَ اللونَ
الحسنَ، والجلدَ الحسنَ، والمالَ؛ بعيراً أتبلّغُ عليه في سفري، فقال الحقوقُ كثيرةٌ؟
فقال له كأنيِّ أعرفُكَ؛ ألم تكنْ أبرصَ يقذّرُكُ الناسُ فقيراً فأعطاك الله؟
فقال إنما ورثتُ هذا المالَ كابراً عن كابر.
فقال إنْ كنتَ كاذِباً فصيرّكَ الله إلى ما كنتَ.
قال وأتى الأقرعَ في صورته فقال له مثل ما قال لهذا وردَّ عليه مثل ما ردَّ على هذا فقال إنْ كنتَ كاذباً فصيّركَ الله إلى ما كنتَ.
قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجلٌ مسكينٌ وابنُ سبيلٍ انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي ردَّ عليك بصركَ شاةً أتبلّغ بها في سفري.
فقال قد كنتُ أعمى فردَّ الله إليّ بصري فخذ ما شئتَ ودعْ ما شئتَ فواللهِ لا أجهدك اليومَ شيئاً أخذته للهِ فقال أمسكْ مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخطَ على صاحبيك».
ففي هذا الحديث دليلٌ على تمثُّلِ الملائكة بصورة البشر وقد تكون هذه الصورةُ على صور شتى جميلة وقبيحة وعلى قدرتهم مخاطبة الناس بلغاتهم.
وفيه أنَّ الملائكة قد تكلِّمُ غيرُ الأنبياء وليس كلُّ من كلمته الملائكةُ يُعَدُّ نبياً.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf