الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

صفات الملائكة الخُلُقية

الحلقة: الثالثة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ مايو 2020

1 ـ كرام بررة:
وصفَ الله الملائكةَ بأنّهم كرامٌ بررةٌ قال تعالى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ *} عبس: 15 ـ 1 أي خَلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم طاهرة كاملة و من هاهنا ينبغي لحامل القران أن يكونَ في أفعاله وأقواله على السدادِ والرشادِ.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذي يقرأُ القرانَ وهو ماهرٌ به مع السفرةِ الكرامِ البررةِ والذي يقرأهُ وهو عليه شاقٌّ له أجرانِ».
والكريمُ الجامعُ لأنواعِ الخيرِ والشرفِ والفضائلِ والله عز وجل قد جعلَ ملائكته كذلك ورزقهم هذا الشرف العظيم لقربهم منه سبحانه وتعالى ولأنّهم يقومون بمهام عظيمة لا يقومُ بها إلاّ منِ اتصفَ بهذه الصفات قال تعالى {بل عباد مكرمون}.
2 ـ البر:
بالكسر الخير والفضل والبارّ الصادق التقي وهو خلافُ الفاجر وجمعهُ بَرَرة، والبر التوسع في الخير وجمع بارٍّ أبرارٌ وبررة قال تعالى {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ *} الانفطار: 13.
وقال في صفة الملائكة فبررة خُصَّ بها الملائكةُ في القران من حيث إنّه أبلغُ من {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} فإنّه جمعَ برٍّ وأبرار جمع بار وبرُّ أبلغ من بار كما أنَّ عدلاً أبلغ من عادل.
والبِرُّ يطَلقُ على معنيين
أحدهما معاملةُ الخلقِ والإحسانُ إليهم
الثاني يرادُ به فعلُ جميعِ الطاعات الظاهرة والباطنة.
والظاهِرُ أنّ كلا المعنيين موجودٌ في الملائكة عليهم السلام فهم محسنون في عبادتهم مطيعون لله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم محسنون لخلق الله محبون للمؤمنين وإحسانهم لبني ادم عظيم فجزاهم عنا أفضل الجزاء وأحسنه.ومن صور إحسانهم لنا:
أ ـ دعاؤهم واستغفارُهم لنا:
قال تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} الأحزاب 43. وهذا من أعظم الإحسان لنا ودعاؤهم واستغفارهم سيكون له أثر عظيم في هدايتنا وثباتنا على الحق إن شاء الله.
وقال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}غافر: 7-9.
ب ـ ومن إحسانهم لنا شفاعتهم لأهل التوحيد يوم القيامة
قال تعالى [الأنبياء {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}.
3 ـ التواضع وعدم التكبر:
قال تعالى {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا *} النساء 172. وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ *} 20 وقال تعالى {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ *} الأنبياء: 19. والنصوص في هذا المعنى كثيرة.
4 ـ الحياء:
الحياء خلة شريفة وخلق عظيم يمنع صاحبه من ارتكابِ القبائحِ ودناءةِ
الأخلاق ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، وهو مِنْ خصالِ الإيمان كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الإيمانُ بضعٌ وستون شعبةً والحياءُ شعبةُ من الإيمان».
ومما يدلُّ على اتصاف الملائكة بهذا الخلق الشريف ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضَّجِعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فَأَذِنَ له وهو على تلك الحال فتحدّث ثم استأذنَ عمرُ فأذن له وهو كذلك فتحدّثَ ثم استأذنَ عثمانُ فجلسَ رسولُ اللهِ وسوّى ثيابه فدخل فتحدَّث فلما خرجَ قالت عائشة دخل أبو بكر فلم تهَّش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهَّش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلستَ وسوّيتَ ثيابك فقال «ألا استحي من رجلٍ تستحي منه الملائكةُ».
5 ـ النظام:
الملائكةُ منظّمون في عبادتهم وقد حثنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم على الاقتداءِ بهم في ذلك فقال «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكةُ»؟ قالوا وكيف يصفّون عند ربهم؟ قال «يكمّلون الصفَّ الأول فالأول يتراصّون في الصفِّ». وقد فضّلنا اللهُ على بقيةِ الأُمم بأنْ جُعِلْت صفوفنا كصفوفِ الملائكةِ».
وفي يوم القيامةِ يأتون صفوفاً منتظمة قال تعالى {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} الفجر: 22.
ويقفون صفوفاً بين يدي الله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَابًا *} النبأ: 38. والروحُ جبريلُ.
6 ـ يحبّون ويبغضون
فيحبّون منّ أحبّه الله تعالى ويبغضون مَنْ أبغضه الله كما دلَّ على ذلك صحيحُ السنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ اللهَ إذا أحبَّ عَبْداً دعا جبريلَ فقال يا جبريلُ إنِّي أحبُّ فلاناً فأحبّه قال فيحبُّه جبريلُ قال ثم ينادِي في أهلِ السماءِ إنّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبُّوه قال فيحبُّه أهلُ السماءِ ثم يوضَعُ له القبولُ في الأرضِ.
وإنَّ الله إذا أبغضَ عبداً دعا جبريلَ فقال يا جبريلُ إنِّي أبغضُ فلاناً فأبغضْه قال فيُبْغْضِهُ جبريلُ ثم ينادِي في أهلِ السماءِ إنَّ الله يُبْغِضُ فلاناً فأبغضوه فَيُبْغِضُه أهلُ السماءِ ثم يوضعُ له البغضاءُ في الأرضِ».
7 ـ إنّهم يتأذّون مما يتأذّى منه ابنُ ادم:
كالروائح الكريهة كما ورد في حديث جابر رضي الله عنه قال نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أكلِ البصلِ والكرّاثِ فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال «مَنْ أكَلِ مِنْ هذِهِ الشجرةِ المنتنةِ فلا يقربنَّ مسجدنا فإنَّ الملائكةَ تتأذّى مما يتأذّى منه الإنس».
8 ـ إنّهم لا يعلمون الغيب:
إنهم لا يعلمون إلاّ ما أعلمهم الله تعالى حيثُ كان جوابُهم لربِّهم اعترافَهم بعدم علمهم شيئاً لم يعلمهم الله تعالى إياه قال تعالى {قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *} ]البقرة: 32.[
9 ـ إنهم عباد الله دائمو الطاعة والخوفِ منه:
إنهم لا يعصونه فيما أمر كما أنّهم لا يفعلون شيئاً إلا بأمره ومن بعد إذنه قال تعالى مبيناً ذلك {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ *يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ *} الأنبياء: 19 ـ 20.
فالملائكةُ ليسوا كالإنسِ فليس لهم إرادةٌ حرّةٌ أو مشيئةٌ كما أنهم لم يخلقوا للابتلاء بل الحكمة من خلقهم أنهم يعبدون الله ويسبحونه وله يسجدون.
ولكنّهم مع ذلك هم مأمورون بالعبادة والطاعة قال تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} النحل: 50. فهم إذن مكلّفون ولكن تكليفهم يختلِفُ عن تكليف الإنس والجن فبينما الإنسُ والجنُّ لهم خيار وتكليفهم ابتلاء وقد يطيعون ويعصون ويغالبون أهواءهم وشهواتهم أو يتبعونها ومن ثَمَّ يثابون على طاعتهم ويعاقبون على معصيتهم فإنَّ الملائكةَ لا خيارَ لها لأنها جُبِلَتْ على الطاعة ولا استطاعة لها للمعصية ومن ثَمَّ فإنَّ عملهم وطاعتهم كالتنفس والأكل والشرب بالنسبة للإنسان فلا مثوبة لهم عليه فهم يؤمرون فيطيعون قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *} ]البقرة: 34 [.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022