الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

شمول الرسالة المحمدية لمطالب البشرية في جميع الميادين

الحلقة: الثالثة والأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020


إنّها تتضمّن كلَّ ما يحتاجُ إليه الإنسانُ من شؤون الدين والدنيا والاخرة على وجهٍ يكفلُ المصلحة للناس جميعاً ، ويؤمّن لهم السعادة الحقيقية إذا هم التزموا بها ، وعملوا على تحقيقها ، فهي تَنْظُمُ أمورَ العقيدة والأخلاق والعبادات ، والأسرةِ ، والمعاملات المالية ، والقضاء والعقوبات وما إلى ذلك.
قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الانعام : 38].
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة : 3].
وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ *} [النحل : 89].
لله دَرُّ العلامة ابن القيم ، فقد بيّن معنى الشمول في رسالة الإسلام بياناً شافياً ، فقال: وعموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كلّ ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم ، وأعمالهم ، وأنّه لم يحوج إلى أحدٍ بعده ، وإنما حاجاتهم إلى مَنْ يبلّغهم عنه ما جاء به ، فلرسالته عمومان محفوظان ، لا يتطرّق إليهما تخصيصٌ: عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم ، وعمومٌ بالنسبة إلى كلّ ما يحتاجُ إليه مَنْ بعث إليه في أصول الدين وفروعه ، فرسالته كافيةٌ شافيةٌ عامةٌ ، لا تُحْوِجُ إلى سواها ، ولا يتمّ الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا ، وهذا وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يقلّب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه عِلْماً ، وعلّمهم كلَّ شيءٍ حتى اداب التخلّي ، واداب الجِماع ، والنوم ، والقيام ، والقعود ، والأكل والشرب ، وبالجملة جاءهم بخيري الدنيا والاخرة برمته ، ولم يحوجهم إلى أحد سواه.
فالشمول من الخصائص التي تميّزت بها رسالة الإسلام عن كلِّ ما عرفه الناسُ من الأديان والفلسفات والمذاهب ، وهذا الشمول تمثّل فيما يلي:
أ ـ قد اشتملت على ما في تعاليم النبوّات السابقة من مبادأى جوهرية ثابتة في العقيدة والأخلاق ، ونسخت ما كان فيها من تشريعات مؤقتة ، وأحكام عـارضة.
ب ـ تناولت الشريعةُ فيها حياةَ الإنسـان من جميع أطرافهـا ، ومن كلّ جوانب نشاطاتها الاقتصاديـة والسياسيـة والاجتماعيـة والعقليـة والروحيـة والخلقية.. إلخ.
ج ـ وضعتِ المبادأى الكليّة ، والقواعدَ الأساسية فيما يتطوّر فيها ويتحوّر بتغير الزمان والمكان ، ووضعتْ الأحكامَ التفصيلية والقوانينَ الجزائية فيما لا يتطوّر ولا يتحوّر بتغير الزمان والمكان ، وهذا هو الكمال والشمول الذي تميّزت به الشريعة الإسلامية ، وأشارت إليه الايات القرانية.
ومع هذا الشمول تبرزُ خاصية المرونة التي تكسب الرسالة المحمدية عنصرَ الاستجابة لكلّ المشكلات جميعاً ، فلا تقفُ متخلفةً عن ركب الحياة الناشطة المتحركة ، بل هي قادرةٌ على احتواء الواقع البشري كله مهما امتدّ الزمنُ ، أو تبدّلت الأحوال والظروف.
إنَّ الإسلامَ لا يقفُ في سبيل التقدّم العلمي والنهوض الحضاري ، بل إنّ الإسلامَ هو الذي بعثَ المسلمين لينشئوا حركةً علميةً ضخمةً ، كان من أهم اثارِها المنهجُ التجريبي في البحث العلمي ، التي تعلمته أوربة على يد المسلمين في الأندلس والشمال الإفريقي وصقلية وجنوب إيطالية الإسلامي ، والذي قامت عليها نهضتُها العلمية الحاضرة ، والإسلامُ هو الذي أنشأ حضارةً تاريخيةً ضخمةً أنارت العالمَ كلّه وقتَ أنْ كانت أوربة تعيش في ظلام القرون الوسطى ، المظلمة بالنسبة إليها ، المزدهرة بالنسبة للإسلام ، وكان أروعَ ما في هذه الحضارةِ أنّها تعمُرُ الأرضَ بأقصى ما في طاقة البشر من قدرةٍ على التعمير في جميع الميادين ، وجميع الاتجاهات ، ولكن دونَ أن تقطعَ ما بين الحياة الدنيا والاخرة ، كما تصنعُ تلك الجاهلية ، فتدفع الناسَ دفعاً إلى التكالب المزري على شهوات الأرض ، وعلى تحطيم كل القيم الفاضلة في سبيل ذلك المتاع الرخيص ،وما ينشأ عن ذلك حتماً من فساد الفطر ، وفساد الأخلاق ، والصراع الرهيب الذي يهدّد الأرضَ بالدمار.
كلا إنّ الإسلامَ يُنْشِىءُ حضارةً من نوع اخر ، أثمن وأعلى حضارة تعمر الأرض ، ولكنّها تعْمُرُها بمقتضى المنهج الرباني ، فلا تحرمُ الناسَ من المتاع الطيب ، ولكنّها تحافظُ على كيانهم الإنساني ، وهم يتناولون ذلك المتاع ، ولا تهبِطُ بهم إلى مستوى الحيوان، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ} {الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *}[الأعراف: 32]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ *}[محمد: 12].


يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022