الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

تحقيق الرسالة المحمدية للمصلحة ودفعها للمفسدة

الحلقة: الخامسة والأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذي الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020


إنّ الرسالةَ المحمّدية جاءت لجلب الخير للناس ، ودفع الشرِّ وأشكال الضرر عنهم ، فهي ليست للعبث أو الهزل أو اللهو ، ولم تأتِ كذلك لتجلب للإنسان الحرجَ والشقاءَ ، ولكنّها جاءت جادّة في دفع المفسدة ، وجلب المنفعة ، حتى إذا ما تحققت للناس عناصرُ الخير والراحة والسعادة والاستقرار ، فقد تحققت مقاصدُ الشريعة على التمام ، يقول الشاطبيُّ في هذا الصدد: إنّ تكاليفَ الشريعة ترجعُ إلى حفظِ مقاصدها في الخلق ، وهذه المقاصدُ لا تعدو ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون ضرورية.
وثانيها: أن تكون حاجية.
وثالثها: أن تكون تحسينية.
فأمّا الضرورية فمعناها أنّها لابدّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالحُ الدّنيا على استقامة ، بل على فسادٍ وفوتِ حياة ، وفي الحياة الأخرى فوت النجاة والنعيم ، والرجوع بالخسران المبين.
ومجموع الضروريات خمسةٌ وهي: حفظ الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال ، والعقل ، وقد صانت الشريعةُ كلاً من هذه الضروريات ، وأوجبت لصونها عقوبات ، كالقصاص في القتل ، والحد في الزنى والقذف والسرقة وشرب الخمر.
وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتَقَرٌ إليها من حيثُ التوسعة ، ودفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة ، ومن أجل ذلك شرعت الرخص المخففة في العبادات ، كإباحةِ الإفطار للمسافر والمريض ، وشرعت في المعاملات عقودَ القروض والمساقاة وغيرها.

وأما التحسينات فمعناها الأخذُ بما يليقُ من محاسن العادات ، وتجنّب ما تأنفه العقول الراجحةُ ، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق ، وذلك كالطهارة وستر العورة ، وأخذ الزينة ، واداب الأكل والشرب ، ومجانبة الإسراف والإقتار وغير ذلك.
وخلاصةُ القول: إنَّ الإسلامَ بعقائده وشرائعه ونُظمه وتعاليمه ومعانيه إنّما جاء ليحقّق للإنسان الحياةَ الفاضلة الكريمة التي تتجسّدُ فيها أسبابُ المصالح ، وتندفعُ فيها أسبابُ المفاسد.
إنّ الأنظمة الوضعية التي وضعها البشر لم تفلحْ في صبغ الحياة البشرية بصبغة الأمن والسعادة والاستقرار ، فضلاً عن إخفاقها الذريع في دفع الضرر والفساد على وجه الأرض ، بل إنّ الحقيقة المرة هي أنّ هذه المبادأى والنظم التي صنعها البشر قد أفلحت في إغراق الإنسان في جحيم الكوارث والماسي والويلات ، وأوردته مواردَ الشقاء والعيش البائس ، ذلك العيش المنكود ، الذي تجسّد في حصائل متعددة من الأمراض والحروب والمجاعات والقلق ، والأحزان ، وهي أضرارٌ ومفاسدُ يعاني منها الإنسان ، وسيظلّ يعاني حتى يهتدي ، فيعودُ إلى الصواب بعد أشواط طوال من الويلات والأرزاء.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022