الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

سماحة الرسالة المحمدية ويسرُها ورفعُ الحرج عنها
الحلقة: السادسة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020
 
إن الله لم ينزل هذا الدين أصلاً ليعنت به الناس ، قال تعالى: {إِنْ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [البقرة : 143].
فالسماحةُ من أكبر صفات الدعوة المحمدية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الدِّينِ إلى اللهِ الحنيفيةُ السمحةُ»، ويرجعُ معنى السماحة إلى التيسير المعتدل ، وهو معنى اليسر الموصوف به الإسلام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة : 185].
ومن سماحة الدعوة المحمدية إنكارها على أصحاب النزعات المتطرفة والذين يحرّمون الطيبات والزينة التي أخرج لعباده.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ *} [المائدة : 87 ـ 88].
وهذه الاية الكريمة تبيّن للمسلمين حقيقةَ منهج الإسلام في التمتع بالطيبات ومقاومة الغلو الذي وجد في بعض الأديان أو عند بعض المتنطعين.
ومن سماحة الدعوة المحمدية ما يتبعه من منهج في الدعوة إلى الله عز وجل وجدال المنافقين ، ففي القران الكريم قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125].
ومن تأمل الاية الكريمة يجد أنّها لا تكتفي بالأمر بالجدال بالطريقة الحسنة ، بل أمرت بالتي هي أحسن ، فإذا كان هناك طريقتان للحوار والمناقشة إحداهما: حسنة ، والأخرى أحسن منها ، وجب على المسلم أن يجادِلَ بالتي هي أحسن جذباً للقلوب النافرة ، وتقريباً للأنفس المتباعدة.
ومن أبرز المزايا التي تتحلّى بها الدعوة المحمدية بأنها سهلةٌ ميسورةٌ وهي بطبيعتها تعارِضُ المشقة ، وتنفي أية صورة من صور الضيق والحرج ، وفي القران الكريم والسنة المطهرة نصوص كثيرة تنفي كل أنواع الحرج التي لا يطيقها الإنسان أو يشق عليه احتمالها ، ومن أدلة التيسير.
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة : 185]. وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا *} [النساء : 28]. وقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *} [الشرح : 5 ـ 6]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا *} [الطلاق : 4]. وقال تعالى: {آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا *} [الطلاق : 7].
* ومن أدلة رفع الحرج:
من أقوى الأدلة في الدلالة على رفع الحرج قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج : 78] ، أي ما كلفكم ما لا تطيقون ، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً.
وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور : 61].
وفي هذه الاياتِ دلالةٌ ظاهرةٌ على رفع الحرج عن هذه الأمة ، وأنّ الله لم يجعل في التشريع حرجاً ، وبعض هذه الايات وإن كانت خاصة في أحكام معينة ولكننا نجدُ التعليل عاماً ، فكأنّ التخفيف ورفع الحرج في هذه الأحكام والفروض بإعادة الشيء إلى أصله ، وهو رفع الحرج عن هذه الأمة ، فكل شيء يؤدي إلى الحرج لسبب خاص أو عام فهو معفو عنه ، رجوعاً إلى الأصل والقاعدة.
ومن أدلة عدم التكليف بما يضاد الوسع والطاقة:
قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة : 286].
وقال سبحانه: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة : 286].
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [الاعراف : 42].
هذه الأدلة يظهر من خلالها الإسلام في صورته الوضيئة المشرقة وفي طابعه الكريم السهل ، وفي جوهره الذي ينبذ الغلو والتعسير والتنطع ، والذي يحبذ التيسير والتسهيل تمشياً مع فطرة الإنسان ، التي تضيق بالعنت والإحراج.
 
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022