أحوال الكفار يوم القيامة
الحلقة: الحادية والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020
تختلِفُ أحوال الناسِ في ذلك اليوم اختلافاً بيناً، وسنتحدّث بإذن الله تعالى عن الكفّار وغيرهم، فالذي يتأمل في نصوص الكتاب والسنة التي تحدِّثنا عن مشاهد القيامة، يرى الأهوالَ العِظام، والمصائب الكبار، التي تنزل بالكفرة المجرمين في ذلك اليوم العظيم .
فمن تلك الأحوال :
1 ـ ذلتهم وهوانهم وحسرتهم ويأسهم:
فمن هـذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ﴾ [يونس: 27] .
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ *أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ *أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ *﴾ [الزمر: 55 ـ 59] .وقال تعالى: ﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا *يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ *وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ *وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ *﴾ [المعارج: 10 ـ 14] .
2 ـ اسودادُ وجوههم وتغيُّرُها:
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ *﴾ [آل عمران: 106] وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ *﴾ [الزمر: 60] .
3 ـ إحباط أعمال الكفار:
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ *﴾ [النور: 39] وقال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا*﴾ [الفرقان: 23] وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ *﴾ [إبراهيم: 18] .
4 ـ فضيحتهم أمام الخلائق:
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *﴾ [هود: 18] .
5 ـ تخاصمُ الكفرةِ في الموقف:
قال تعالى: ﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ *﴾ [الزخرف: 67] .
ومن صور هـذا التخاصم :
أ ـ تخاصم العابدين والمعبودين:
في ذلك اليوم الرهيب يجمعُ اللهُ المشركين، ثم يأمرُهم أن ينادوا شركاءَهم، فينكروا أن يكونَ لهم شركاءُ، قال تعالى: ﴿كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ *﴾ [فصلت: 47 ـ 48] وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا *فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا *﴾ [الفرقان:17 ـ 19] .
ب ـ تخاصمم الأتباع مع القادة المضلين:
قال تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ *قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ *قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ *وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ *فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ *فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ *﴾ [الصافات: 27 ـ 32] .
ج ـ تخاصم الضعفاء مع السادة والملوك:
قال تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ *﴾ [إبراهيم: 21] .
د ـ تخاصم الكافر وقرينه:
قال تعالى: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ *قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ *﴾ [ق: 27 ـ 28] هو الشيطان الذي وُكِّلَ به أي يقولُ عن الإنسانِ الذي قد وافَى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾: أي بل كان هو في نفسِه ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾، قابلاً للباطل، معانداً للحق .
فإذا سمع الكافِرُ هـذا من قرينه تحسَّرَ وتندّم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ *وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ *حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ *﴾ [الزخرف: 36 ـ 38] .
هـ - تخاصم المرء مع أعضاءه:
ويبلغُ الأمرُ أشدَّهُ، والمخاصمةُ ذروتَها ، عندما يخاصِمُ المرءُ أعضاءَه، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *﴾ [فصلت: 19 22] .
6 ـ مقتهم لأنفسهم:
والمقتُ أشدُّ البغضِ، فتصل كراهيتهم لأنفسهم في ذلك اليوم أقصاها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ *﴾ [غافر: 10] .
7 ـ صفة حشر الكفّار إلى النار:
أ ـ حشرهم وهم عطاش:
قال تعالى: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا *﴾ [مريم: 86] يعني عطاشاً، تكادُ تنقطِعُ رقابهم من العطش، وفي قوله: إشعارُ ﴿وَنَسُوقُ﴾، كأنّهم نَعَمٌ عطاشٌ تساقُ إلى الماءِ.
ب ـ حشرهم عمياً صماً بكماً:
قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا *﴾ [الإسراء: 97] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا *﴾ [طـه: 124 ـ 125] .
ج ـ يحشرون إلى جهنم على وجوههم:
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً *﴾ [الفرقان: 34] .
د ـ حشرهم مع شياطينهم وهم جاثون على الركب:
قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا *﴾ [مريم: 68] قال القرطبي: أي ولنحشرنَّ الشياطين قرناءهم، قيل: يحشر كلُّ كافرٍ مع شيطانٍ في سلسلةٍ، كما قال تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *﴾ [الصافات: 22] والواو في ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ يجوز أن تكونَ للعطف، وبمعنى (مع ) وهي بمعنى ( مع ) أوقع، والمعنى أنّهم يحشرون مع قرناءهم من الشياطين الذين أغَوَوْهم، يقِرنون كلَّ كافرٍ مع شيطانٍ في سلسلةٍ .
وهـذا الجثيُّ مصاحِبٌ لهم في كل حال، ففي الموقف يومَ يُحْشَرُ الناسُ إلى أرض الحساب تجثو كلُّ الأمم، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ *وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *﴾ [الجاثية: 27 ـ 28]. وفي النار كذلك، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا *ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا *﴾ [مريم: 71 ـ 72] .
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf