حالة الأتقياء يوم القيامة
الحلقة:الثالثة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020
1 ـ لا يخافون ولا يحزنون ولا يفزعون إذا فزع الناس يوم الفزع الأكبر:
قال تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*﴾ [الزمر: 61] وقال الله تعالى لهم تطميناً لقلوبهم: ﴿يَاعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ *﴾ [الزخرف: 68 ـ 69] . وقال تبارك وتعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *﴾ [يونس: 62 ـ 64] .
أما البشرى في الحياة الدنيا فتُطْلقُ على أمرين: على تبشير الملائكة للمحتضر بالجنّة . وتقدّم دليلُ هـذا . وتطلَقُ على الرؤيا الصالحة، فقد قال رسول الله (ﷺ): « لم يَبْقَ من النبوّةِ إلا المبشِّراتُ » قالوا: وما المبشرات ؟ قال: «الرؤيا الصالحة».
وأما البشرى في الآخرة فهي تَلقّي الملائكةِ لهم بالتثبيت لقلوبهم، وتأمينهم من الفزع الكبر، قال تعالى: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *﴾ [الأنبياء: 103] قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ *﴾ [النمل: 89] .
2 ـ بياضُ وجوههم:
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *﴾ [آل عمران: 107] قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ *ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ*﴾ [عبس: 38 ـ 39] مسفرة: قيل مشرقة، وقيل: مضيئة، وقيل: مستنيرة، وكلُّها متقاربةٌ في المعنى، والاشتقاقُ اللغوي يدل على ذلك.
3 ـ الذين يظلّهم الله في ظلّه:
قال رسول الله (ﷺ): « سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه، يومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّه: الإمَامُ العَادلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادِةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ في المساجِدِ، ورجلانِ تحابّا في اللهِ، اجتمعا عليه، وتفرّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجمالٍ فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بِصَدَقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلمَ يمينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ، ورَجُلٌ ذكر اللهَ خالياً ففاضتْ عيناه » .
والإظلالُ في ظلِّ العرشِ ليس مقصوراً على السبعة المذكورين في الحديث، فقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ تدل على أن الله يظلُّ غيرَهم، وقد جمع ابنُ حجرٍ العسقلاني الخصالَ: التي يُظِلُّ الله أصحابَها في كتاب سماه: ( معرفةُ الخصالِ: الموصلةُ إلى الظلال ) ومن هـذه الخصال: إنظارُ المعسرِ أو الوَضْعِ عنه، قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ أنظرَ مُعْسِراً أوْ وَضَعَ عَنْهُ، أظلَّه اللهُ في ظلِّه »، وقال رسول الله (ﷺ): « مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيْمِهِ، أو مَحَا عَنْهُ، كانَ في ظِلِّ العَرْشِ يومَ القيامةِ ».
4 ـ الذين يسعَوْنَ في حاجةِ إخوانهم، ويسدّون خَلتهم:
من أعظم ما يفرّج كرباتِ العبدِ في يوم القيامة سعيُ العبدِ في الدنيا في فكّ كرباتِ المكروبينَ، ومساعدةِ المحتاجينَ، والتيسيرِ على المعسرين، قال رسول الله (ﷺ): «مَنْ نفّسَ عن مُؤْمنٍ كربةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا نَفَّسَ الله عَنْهُ كُربةً مِن كُرَبِ يوم القيامةِ، ومَنْ يَسَّرَ عَنْ مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة، ومَنْ سترَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله في الدُّنيا والآخرة، واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيْهِ ».
5 ـ الذين ييسّرون على المعسرين:
قال النبي (ﷺ): « كانَ رجلٌ يدايِنُ الناسَ، فكان يقولُ لفتاه: إذا أتيتَ مُعْسِراً تجاوزْ عنه، لعلَّ الله أن يتجاوزَ عنا، قال: فلقيَ اللهَ فتجاوزَ عنه»
6 ـ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا:
العادلون يوم القيامة في مقامٍ رفيعٍ، يجلسون على منابرَ من نورٍ عن يمين الرحمـن، وكلتا يديه يمينٌ، قال رسول الله (ﷺ): « إنّ المقسطينَ عندَ اللهِ على منابرَ من نُوْرٍ، عن يمينِ الرحمنِ عزَّ وجل، وكلتا يَدَيْهِ يمينٌ، الذين يعدلون في حُكْمِهِم وأهليهم وما وَلُوا» .
7 ـ الشهداء والمرابطون: قال رسول الله (ﷺ):
« للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغْفَرُ له في أوّلِ دفعةٍ، ويرى مقعدَه من الجنَّةِ، ويُجَارُ منْ عذابِ القبرِ، وَيَأْمَنُ من الفزعِ الأكبرِ، وَيُوْضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّجُ اثنتي وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفّعُ في سبعينَ من أقربائه ».
وقال رسول الله(ﷺ): « رباطُ يومٍ خيرٌ من صيامِ دهرٍ، ومَنْ ماتَ مرابطاً في سبيلِ اللهِ أَمَنِ من الفزعِ الأكبر».
8 ـ الكاظمون الغيظ:
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ [آل عمران: 133 ـ 134] وقال رسول الله (ﷺ): « مَنْ كظمَ غيظاً، وهو يَقْدِرُ أن ينفذَهُ دعاهُ الله على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتّى يخيره في أيِّ الحورِ العينِ شاءَ » .
9 ـ عتق الرقاب المسلمة:
قال تعالى: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ *﴾ [البلد: 11 13] فمن الأعمال الكريمة التي يتمكّنُ صاحبها من اقتحامِ العقباتِ الكأداء في يوم القيامة عتقُ الرقابِ.
10 ـ فضل المؤذنين:
قال رسول الله (ﷺ): « المؤذِّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يوم القيامة »، وطولُ العنقِ جمالٌ، ثم هو مناسِبٌ لما قاموا به من عمل، حيث كانوا يبلّغون الناسَ بأصواتهم كلماتِ الأذانَ، التي تعلنُ التوحيدَ، وتدعو للصلاةِ.
11 ـ الذين يشيبون في الإسلام:
قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ شابَ شيبةً في الإسلامِ كانتْ له نوراً يومَ القيامةِ».
12 ـ فضل الوُضوء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله(ﷺ) يقول: « إنّ أمّتي يُدْعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرّاً مُحَجَّلِيْنَ من اثارِ الوُضُوْءِ»، غرّاً جمعُ أغر، أي ذو غرّةٍ، وأصلُ الغُرّةِ لمعةٌ بيضاءُ تكونُ في جبهةِ الفَرَسِ، ثم استُعملتْ في الجمالِ والشُّهرةِ وطيْبِ الذِّكْرِ، والمرادُ بها النورُ الكائن في وجوه أمة محمد (ﷺ)، وقوله ( محجلين ) من التحجيل، وهو بياضٌ يكون في ثلاثِ قوائمَ من قوائمِ الفرسِ، وأصلُه من الحِجْلِ بكسر الحاء وهو الخلخال، والمرادُ به هنا أيضاً النور، وهـذه الغرّةُ وذلك التحجيلُ تكونُ للمؤمنِ حليةٌ في يوم القيامة، ففي (صحيح مسلم).عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ): « تبلغُ الحليةُ من المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوُضوءُ » وبهـذه الحلية يعرف الرسولُ (ﷺ) أمته بين الخلائق، لا فرق بين أصحابه وغيرهم.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf