الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

أحوال عصاة الموحدين يوم القيامة

الحلقة:الثانية والعشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020


وهم المؤمنون الذي خلطوا عملاً صالحاً واخر سيئاً، فأتوا بشعائر الإسلام وأركانه، ولكنّهم وقعوا ببعض المعاصي .وقد ذكر الله تعالى عذاب أولـئك العصاة، وجاء ذكرُ بعضِهم على لسانِ رسولِ اللهِ (ﷺ): من ذلك
1 ـ الذين لا يؤدون الزكاة:
الزكاةُ من فروضِ الإسلام الكبرى، وهي حقُّ المال، فمن لم يؤدِّ زكاته، عُذِّب بها في ذلك اليوم العظيم، وقد أخبرتِ النصوصُ أنَّ عذابهم على وجهين :
الوجه الأول: يمثَّلُ لصاحبِ المال مالُه ثعباناً أقرعَ له زبيبتانِ، فيطوِّقُ عنقه، ويأخذُ بلهزمتي صاحبه، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَّرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *﴾ [آل عمران: 180] وهـذا الطوقُ عبارةٌ عن ثعبانٍ في رقابهم، كما فسّرها بذلك النبيُّ (ﷺ)، فقد قال: « مَنْ اتاهُ اللهُ مالاً، فلم يؤدِّ زكاتَهُ مُثِّلَ له مالُه يومَ القيامةِ شجاعاً أقرعَ، له زبيبتانِ، يطوَّقه يومَ القيامةِ، ثم يأخذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ ( يعني شدقيه) ثم يقولُ: أنا مالُك، أنا كنْزُكَ، ثم تلا ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾» .
الوجه الثاني: إن كان المُمْتَنَعُ عن تأديةِ زكاته ذهباً أو فضةً، فإنَّها تصفَّحُ صفائحَ، ثم تكوَى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم، فيحيطُ به الألمُ مِنْ كلِّ مكانٍ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ *﴾ [التوبة: 34 ـ 35] وقد فسّر رسولُ الله (ﷺ) هـذه الآية، فعن أي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): « ما مِنْ صاحبِ ذهبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدي مِنْها حَقَّها إلا إذا كان يومُ القيامةِ صُفِّحَتْ له صفائحَ من نارٍ، فأُحمي عليها في نارِ جهنَّم، فيُكوَى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلّما بردتْ أُعيدتْ له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقْضَى بينَ العباد، فيرى سبيلَه إمّا إلى جنةٍ وإمّا إلى النارِ ».
2 ـ ذنوبُ لا يكلِّمُ الله أصحابَها ولا يزكّيهم:
وقد رتب الله تعالى على كثير من الذنوب هـذا العقاب فمنها :
أ ـ كتمان العلم: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ *﴾ [البقرة: 174 ـ 175] فمن كتم من علماءِ هـذه الأمة شيئاً من العلم إرضاءً لحاكمٍ، أو تحقيقاً لمصلحةٍ شخصيةٍ، أو طلباً لعَرضٍ دنيوي، كان مشابهاً لأحبارِ ورهبانِ اليهود والنصارى في كتمهم صفاتِ الرسول (ﷺ)، فكان جزاؤهم هـذا الجزاء .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ سُئِلَ عن علمٍ عَلِمَه ثم كَتَمَهُ أُلْجِمَ يومَ القيامةِ بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ » .ب ـ الاستهانة بعهد الله وميثاقه: قال تعالى: ﴿يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *﴾ [آل عمران: 77] وهي ليست خاصّةً باليهود، كما توهَّم بعضُهم، وتدلُّ على ذلك أحاديثُ كثيرةٌ، فقد قال رسول الله (ﷺ): « ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ كانَ له فضلُ ماءٍ بالطريقِ فمنعه ابنَ السبيلِ، ورجلٌ بايعَ إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإنْ أعطاهُ منها رَضِيَ، وإنْ لم يُعْطاه منها سَخِطَ، ورجلٌ أقامَ سلعته بعدَ العَصْرِ، فقال: واللهِ الذي لا إلـه غيرُه لقد أُعطيتُ بها كذا وكذا، فصدّقه رجلٌ، ثم قرأ هـذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ » .
3 ـ الغلول:
هو الأخذُ من الغنيمة على وجهِ الخفيةِ دونَ علمِ أحدٍ، وهو ذنبٌ يخفي تحته شيئاً من الطمع والأثرة، وقد توعّدَ الله تبارك وتعالى الغالَّ بالفضيحةِ يومَ القيامة على رؤوس الأشهاد قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ*﴾ [آل عمران: 161] . أي يأتي به حاملاً على ظهره ورقبته، معذَّباً بحمله وثقله، ومرعوباً بصوته، وموبَّخاً بإظهارِ خيانته على رؤوس الأشهاد .
وقد فسر الرسول (ﷺ) هـذا الإتيان للغلول يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قام فينا النبيُّ (ﷺ)، فذكر الغلولَ، فعظّمه وعظّم أمره قال: « لا ألفينَ أحدَكم يومَ القيامةِ على رقبتِهِ شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبتِهِ فرسٌ له حَمْحَمَةٌ، يقول: يا رسولَ اللهِ أَغِثْني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئاً، وقد أبلغتُكَ، وعلى رقبتِهِ بعيرٌ له رُغاءٌ، يقول: يا رسولَ اللهِ أغثني، فأقولُ: لا أَمْلِكُ شيئاً وقد أبلغتُكَ، وعلى رقبتِهِ صامتٌ، فيقول: يا رسولَ اللهِ أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئاً قد أبلغتُكَ، أو على رقبتِهِ رقاعٌ تخفقُ فيقول: يا رسولَ اللهِ أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئاَ قد أبلغتُكَ » .
4 ـ المتكبرون:
قال رسول الله (ﷺ): « يُحْشَرُ المتكبّرونَ أمثالَ الذَّرِّ يومَ القيامةِ، وفي صورِ الرِّجَالِ، يغشاهُم الذُّلُّ مِنْ كلِّ مكانٍ » . والذَّرُّ صغارُ النمل، وصغارُ النمل لا يَعْبَأُ به الناسُ، فيطؤونه بأرجلهم وهم لا يشعرون .
وكما يبغضُ الله المتكبرين يبغض أسماءهم التي كانوا يطلقونها على أنفسهم استكباراً واستعلاءً، تصبحُ هـذه الأسماءُ التي كانوا يفرحون عند سماعها أنكرَ الأسماء وأخبثَها، وأغيظَها على الله قال رسول الله (ﷺ): « أخنعُ اسمٍ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ، رجلٌ تسمّى مَلِكَ الأملاك » وزاد مسلم في رواية: « لا مَالِكَ إلا الله عزّ وجل » . قال القاضي عياض: أخنعُ: معناه أذلُّ الأسماءِ صَغَاراً . وقال ابن بطّال: وإذا كان الاسمُ أذلَّ الأسماءِ، كان من تسمّى به أشدَّ ذلاً .
5 ـ الأثرياء المنعّمون:
الذين يركنون إلى الدنيا، ويطمئنون إليها، ويكثرون من التمتع بنعيمها، يضيّق عليهم يوم القيامة، وإنّ أصحاب المال الكثير والمتاع الدنيوي الواسع، يكونون أقلَّ الناس أجراً يوم القيامة، ما لم يكونوا بذلوا أموالهم في سبل الخيرات، قال رسول الله (ﷺ): « إنّ المكثرينَ هم المقلّونَ يوم القيامة، إلاّ مَنْ أعطاهُ اللهُ خيراً، فنفحَ فيهِ بيمينِه وشمالِه، وبينَ يديه ومِنْ ورائه، وعَمِلَ فيه خَيْراً» .6 ـ فضيحة الغادر:
قال رسول الله (ﷺ): « إذا جمعَ اللهُ الأوّلين والآخرين يومَ القيامةِ، يرفعُ لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فقيل: هـذه غدرةُ فلانِ بن فلانٍ»، وقال رسول الله (ﷺ): « لكلِّ غادرٍ لواءٌ يومَ القيامةِ يُرْفَعُ له بقدر غَدْرِه، ألا ولا غادرَ أعظمُ غَدْراً من أميرِ عامةٍ »، وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرتُه كذلك، لأنّ ضرره يتعدّى إلى خَلْقٍ كثيرٍ، ولأنَّ الحاكمَ أو الوالي يملِكُ القوَّة والسلطانَ فلا حاجةَ به إلى الغَدْر.
والغادر: الذي يواعِدُ على أمر لا يفي به، واللواء: الرايةُ العظيمةُ لا يمسكها إلا صاحبُ جيشِ الحقِّ، أو صاحب دعوةِ الجيشِ، ويكونُ الناسُ تبعاً له، فالغادر تُرْفَعُ له رايةٌ تُسجّل عليها غدرتُه، فيُفْضَحُ بذلك يوم القيامة، وتجعل هـذه الراية عند مؤخرته .
7 ـ غاصب الأرض:
قال النبيُّ (ﷺ): « من أخذَ شيئاً من الأرضٌ بغيرِ حَقِّهِ خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سَبْعِ أرضينَ » .
8 ـ ذو الوجهين:
شَرُّ الناسِ يومَ القيامةِ المتلوِّنُ الذي لا يثبتُ على حالٍ واحدةٍ، وموقفٍ واحدٍ، يأتي هـؤلاء بوجهٍ، وهـؤلاءِ بوجهٍ، قال رسول الله(ﷺ): «تَجِدُوْنَ شَرَّ الناسِ يومَ القيامةِ ذا الوجهينِ، الذي يأتي هـؤلاءِ بوجهٍ، وهـؤلاءِ بوجهٍ» .
9 ـ الحاكم الذي يحتجِبُ عن رعيته:
قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ وَلاّه الله شيئاً من أمورِ المسلمينَ، فاحتجبَ دون حاجتهم وخَلّتِهم وفقرِهم، احتجبَ الله دون حاجتِه وخَلّته وفقرِه يوم القيامةِ » .
10 ـ الذي يسأل وله ما يغنيه:
قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ سألَ وله ما يغنيه، جاءت مسألتُه يومَ القيامةِ خُدُوْشاً أو خُمُوْشاً أو كُدَوحاً في وجهه» .
11 ـ من كذب في حُلُمه:
قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لم يَرَهُ، كُلِّفَ أن يَعْقِدَ بين شَعِيْرَتَيْنِ، ولن يفعلَ، ومن استمعَ إلى حديثِ قومٍ وَهُمْ له كارهون، صُبَّ في أُذُنهِ الانُكُ يومَ القيامةِ، ومن صَوّرَ صورةً عُذِّبَ أو كلّف أنْ يَنْفُخَ فيها الروحَ وليس بنافخٍ » .

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022