سادة أهل الجنة
الحلقة: الخامسة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
1 ـ الأنبياء والرسل:
سيّدُ أهلِ الجنّةِ هو محمد رسول الله (ﷺ)، ثم إخوانُه من الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ *إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ *﴾ [ص: 45 ـ 50] وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ *وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *﴾ [الأنعام: 82 ـ 90] .
فوصفهم الله بالهداية والصلاح والاجتباء والإحسانِ وبيَّن في اياتٍ كثيرةٍ أنَّ المحسنَ جزاؤه الجنة ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *﴾ [يونس: 26] وهـذا معلومٌ من الدين بالضرورة، بل العقلُ يدلُّ على ذلك، فإنَّ الله تعالى لا يرسِلُ مبلّغاً عنه إلا وهو في الغاية القصوى من الكمال البشري خَلقاً وخُلقاً، وديناً وصلاحاً، وما كان الله ليعذِّبَ مَنْ دلَّ الناسَ عليه.
2 ـ سادات الصحابة:
الجنّةُ درجاتٌ ومراتبُ، وأهلها متفاوتون في درجاتهم، وأعلى الدرجات فيها سادةُ أهل الجنة، فسيّدُ كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لقوله(ﷺ): «أبو بكرٍ وعمرُ سيدا كهولِ أهل الجنة من الأولينَ والآخرينَ» وسيدا شباب أهل الجنة الحسنُ والحسينُ، لقوله (ﷺ): «الحسنُ والحسينُ سيدا شباب أهل الجنة»[(824)]، ونصَّ الرسول (ﷺ) على أنَّ عشرةً من أصحابه في الجنة، فقد قال: «أبو بكر في الجنة، وعُمرُ في الجنة، وعُثمانُ في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحةُ في الجنة، والزبيرُ في الجنة، وعبدُ الرحمـن بن عوف في الجنة، وسعدُ بن أبي وقاص في الجنة، وسعيدُ بنُ زيدٍ في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة » وإسنادُه صحيح .
وقد نصَّ الرسول (ﷺ) على مجموعةٍ أخرى من الصحابة في الجنة منهم:
جعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب: قال رسول الله (ﷺ): «دخلتُ الجنّةَ البارحةَ، فنظرتُ فيها، فإذا جعفرُ يطيرُ مع الملائكةِ، وإذا حمزةُ متكىءٌ على سريرٍ»، وقد صحَّ أنَّ الرسول (ﷺ) قال: «سيّدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلبِ».
عبد الله بن سَلام: قال رسول الله (ﷺ): «عبدُ اللهِ بن سَلامٍ عاشِرُ عشرةِ في الجنّة».
زيد بن حارثة: قال رسول الله (ﷺ): «دخلتُ الجنَّة، فاستقبلتني جاريةٌ شابةٌ، فقلتُ: لِمَنْ أنتِ ؟ قالت: لزيدِ بنِ حارثة ».
زيد بن عمرو بن نُفَيْلٍ: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): « دخلتُ الجنَّة فرأيتُ لزيدِ بنِ عمروِ بن نُفَيْلٍ درجتين » .
حارثة بن النعمان: قال رسول الله (ﷺ): «دخلتُ الجنَّة، فسمعتُ فيها قراءةً، فقلتُ: مَنْ هـذا؟ قالوا: حارثةُ بنُ النعمان، كذلكم البرُّ، كذلكم البرُّ» .
بلال بن أبي رباح: قال رسولُ الله (ﷺ): «دخلتُ الجنّةَ، فسمعتُ خشفةً بين يدي، قلتُ: ما هـذه الخشفةُ ؟ فقيل: هـذا بلالٌ يمشي أمامَك » .
3 ـ سيدات نساء أهل الجنة:
مريمُ بنتُ عمران هي سيدةُ النساءِ الأُولى، وأفضلُ النساءِ على الإطلاق، فقد روى الطبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ على شرطِ مسلم عن جابرٍ قال: قال رسولُ اللهِ(ﷺ): «سيداتُ نساءِ أهلِ الجنّةِ بعدَ مريمَ ابنةَ عمرانَ، فاطمةُ، وخديجةُ، واسيةُ امرأةُ فرعون»، فهـؤلاء الأربعةُ نماذجُ رائعةٌ للنساء الكاملات الصالحات.
فمريم ابنة عمران أثنى عليها ربُّها في قوله: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: 12] وكونُها أفضلُ النساءِ على الإطلاق صرّح به القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ *﴾ [آل عمران: 42] .
وخديجةُ التي آمنت بالرسول (ﷺ) من غير تردُّدٍ، وثبتته، واسته بنفسِه ومالها، قد بشّرها ربُّها في حياتِها بقَصْرٍ في الجنّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ، فقد روى البخاريُّ في (صحيحه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريلُ النبيَّ (ﷺ) فقال: «يا رسولَ اللهِ، هـذه خديجةُ قد أتتْ مَعَها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أتتْكَ فاقرأ عليها السلامَ من ربِّها ومني، وبشّرها ببيتٍ في الجنّةِ من قصبٍ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبٌ».
وآسيةُ امرأة فرعون، هانَ عليها مُلْكُ الدنيا ونعيمُها، فكفرت بفرعون وألوهيته، فعذّبها زوجها، فصبرت حتى خرجتْ روحُها إلى بارئها، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي﴾ [التحريم: 11] .
وفاطمة الزهراء ابنة الرسول (ﷺ) الصابرةُ المحتسبَةُ التقية الورعة فرعُ الشجرة الطاهرة، وتربيةُ معلم البشرية .
وأمهاتُ المؤمنين أيضاً من سيّدات الجنة، لأنهنّ مع النبيِّ (ﷺ) في الجنة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *﴾ [الأحزاب: 28 ـ 29] .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُمِرَ رسولُ اللهِ (ﷺ) بتخيير أزواجِهِ بدأَ بي، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لَكِ أمراً فلا عليكِ أنْ لا تَعْجَلِي حتّى تستأمري أبويكِ» قالت: قد علمَ أنَّ أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقِهِ قالت: ثم قال: إن الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *﴾ [الأحزاب: 28 29] قالت: فقلتُ: في أيِّ هـذا أستأمرُ أبويَّ، فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة، قالت: ثم فعل أزواجُ رسولِ اللهِ مثل ما فعلتُ.
وقال رسول الله (ﷺ): « المرأةُ لاخرِ أزواجِها في الآخرة » . وفي رواية: «جمعَ بينَهما في الجنة »، وعليه فتكون زوجاته عليه الصلاة والسلام معه في الجنة، ولا يلزمُ مِنْ هـذا أن يكنَّ معه في نفس الدرجة، لأنّه قد ثبت أنَّ النبيَّ(ﷺ) في منزلة الوسيلة التي لا تنبغي إلاّ لرجلٍ واحدٍ، ولـكنهنّ قريباتٌ منه (ﷺ)، ولا يلزم من هـذا أيضاً أن تكون أمهات المؤمنين خيرٌ من كلِّ أصحابِ رسولِ اللهِ (ﷺ) بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وقد تواترت الأحاديثُ على أفضليةِ أبي بكر على جميعِ الصحابةِ بما فيهم أمهات المؤمنين، وقد تواتر عن أمير المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خيرُ هـذه الأمةِ بعدَ نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي