الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

الخليفة أبو بكر الصديق وإدارة الشؤون الداخلية ... من ملامح نظام الخلافة الراشدة:

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة السادسة عشر

أولا:القضاء في عهد الصِّدِّيق:
يعتبر عهد الصِّدِّيق بداية العهد الرَّاشدي الذي تتجلَّى أهميته بصلته بالعهد النبويِّ، وقربه منه، فكان العهد الراشديُّ عامَّةً، والجانب القضائي خاصَّةً امتداداً للقضاء في العهد النبويِّ، مع المحافظة الكاملة والتامَّة على جميع ما ثبت في العهد النبويِّ، وتطبيقه بحذافيره، وتنفيذه بنصه، ومعناه، وتظهر أهمية العهد الراشدي في القضاء بأمرين أساسيين:
_ المحافظة على نصوص العهد النبويِّ في القضاء، والتقيُّد بما جاء فيه، والسَّير في ركابه، والاستمرار في الالتزام به.
_ وضع التَّنظيمات القضائيّة الجديدة لترسيخ دعائم الدولة الإسلامية الواسعة، ومواجهة المستجدَّات المتنوِّعة.
كان أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، ولم تُفصل ولاية القضاء عن الولاية العامَّة في عهده، ولم يكن للقضاء ولايةٌ خاصَّة مستقلةٌ، كما كان الأمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الناس على مقربةٍ من النبوَّة، يأخذون أنفسهم بهدي الإسلام، وتقوم حياتهم على شريعته، وقلَّما توجد بينهم خصومةٌ تذكر، ففي المدينة عهد أبو بكر إلى عمر بالقضاء، ليستعين به في بعض الأقضية، ولكن هذا لم يعط لعمر صفة الاستقلال بالقضاء، وأقرَّ أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ معظم القضاة، والولاة الذين عيَّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرُّوا على ممارسة القضاء، والولاية، أو أحدهما في عهده، وسوف نأتي على ذكر الولاة، وأعمالهم بإذن الله تعالى .
وأمّا مصادر القضاء في عهد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ هي:
1ـ القران الكريم.
2ـ السُّنَّة النبوية، ويندرج فيها قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3ـ الإجماع، باستشارة أهل العلم، والفتوى.
4ـ الاجتهاد، والرأي، وذلك عند عدم وجود ما يحكم به من كتابٍ، أو سنَّةٍ، أو إجماعٍ.
فكان أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ إذا ورد عليه حكمٌ؛ نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به؛ قضى، فإن لم يجد في كتاب الله، نظر في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وجد فيها ما يقضي به، قضى به، فإن أعياه ذلك؛ سأل الناس: هل علمتم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بقضاءٍ، فربَّما قام إليه القوم، فيقولون: قضى فيه بكذا، أو بكذا، فيأخذ بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول عندئذٍ: الحمد الله الذي جعل فينا مَنْ يحفظ عن نبيِّنا، وإن أعياه ذلك؛ دعا رؤوس المسلمين، وعلماءهم، فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به، ويظهر: أنَّ الصديق يرى الشورى ملزمةً إذا اجتمع رأي أهل الشورى على أمر، إذ لا يجوز للإمام مخالفتُهم
وهذا ما حكي عنه في القضاء، فإنَّه كان إذا اجتمع رأي المستشارين على الأمر؛ قضى به، وهذا ما أمر به عمرو بن العاص عندما أرسل إليه خالد بن الوليد مدداً، حيث قال له: شاورهم، ولا تخالفهم.
وكان رضي الله عنه يتثبَّت في قبول الأخبار، فعن قبيصة بن ذؤيب: أنَّ الجدَّة جاءت إلى أبي بكرٍ تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله تعالى شيئاً، وما علمت: أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذكر لك شيئاً، ثمَّ سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعطيها السُّدس، فقال أبو بكرٍ: هل معك أحد؟ فشهد ابن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ.
وكان يرى أنَّ القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي، إلا إذا كان معه شاهدٌ اخر يعزِّز هذا العلم، فقد روي عن أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: لو رأيت رجلاً على حدٍّ، لم أعاقبه حتى تقوم البيِّنة عليه، أو يكون معي شاهدٌ اخر.
وهذه بعض الأقضية التي صدرت في عهد أبي بكرٍ رضي الله عنه:
1 قضية قصاص:
قال عليُّ بن ماجدة السَّهميُّ: قاتلت رجلاً، فقطعت بعض أذنه، فقدم أبو بكرٍ حاجَّاً، فرُفع شأنُنا إليه، فقال لعمر: انظر هل بلغ أن يقتصَّ منه، قال: نعم، عليَّ بالحجَّام، فلمّا ذكر الحجام، قال أبو بكرٍ: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: « إنِّي وهبت لخالتي غُلاماً، أرجو أن يبارك لها فيه، وإنِّي نهيتُها أن تجعله حجَّاماً، أو قصَّاباً، أو صانعاً».
2ـ نفقة الوالد على الولد:
عن قيس بن حازمٍ قال: حضرت أبا بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ فقال له رجل: يا خليفة رسول الله! هذا يريد أن يأخذ مالي كلَّه، ويجتاحه، فقال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: إنَّما لك من ماله ما يكفيك، فقال: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)! أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أنت ومالك لأبيك؟» فقال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: ارض بما رضي الله به. ورواه غيره عن المنذر بن زياد، وقال فيه: إنَّما يعني بذلك النَّفقة.
3ـ الدِّفاع المشروع:
عن أبي مليكة عن جدِّه: أنَّ رجلاً عضَّ يد رجلٍ فأنْدَرَ ثنيته (قلع سنه) فأهدرها أبو بكرٍ.
4ـ الحكم بالجلد:
روى الإمام مالكٌ عن نافعٍ: أن صفيَّة بنت أبي عبيد أخبرته: أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق أُتِيَ برجلٍ قد وقع على جاريةٍ بكرٍ، فأحبلها، ثمَّ اعترف على نفسه بالزِّنى، ولم يكن أحصن، فأمر به أبو بكرٍ، فجلد الحدَّ، ثم نُفي إلى فدك، وفي رواية: بأنَّه لم يجلد الجارية، ولم ينفها، لأنَّها استكرهت، ثمَّ زوَّجها إيّاه أبو بكرٍ، وأدخله عليها.
5ـ الحضانة للأم ما لم تتزوَّج:
طلَّق عمر بن الخطاب امرأته الأنصاريَّة ـ أم ابنه عاصم ـ فلقيها تحمله بِمُحَسِّر، ولقيه قد فُطم، ومشى، فأخذ بيديه لينتزعه منها، ونازعها إيّاه حتى أوجع الغلام، وبكى، وقال: أنا أحقُّ بابني منك . فاختصها إلى أبي بكرٍ، فقضى لها به، وقال: ريحها، وحِجرُها، وفرشها خيرٌ له منك حتى يشبَّ، ويختار لنفسه. وفي روايةٍ: هي أعطف، وألطف، وأرحم، وأحنُّ، وأرأف، وهي أحقُّ بولدها ما لم تتزوَّج.
هذه بعض الأقضية، والأحكام التي حدثت في عهد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ هذا وقد تميَّز القضاء في عهد الصِّدِّيق بعدَّة أمورٍ منها:
أـ كان القضاء في عهد الصِّدِّيق امتداداً لصورة القضاء في العهد النبويِّ، بالالتزام به، والتأسيس بمنهجه، وانتشار التربية الدِّينيَّة، والارتباط بالإيمان والعقيدة، والاعتماد على الوازع الدِّيني، والبساطة في سير الدَّعوى، واختصار الإجراءات القضائية، وقلة الدَّعاوى والخصومات.
ب ـ أصبحت الأحكام القضائيَّة في عصر الصِّدِّيق موئل الباحثين، ومحطَّ الأنظار للفقهاء، وصارت الأحكام القضائيَّة مصدراً للأحكام الشرعيَّة، والاجتهادات القضائيَّة، والآراء الفقهيَّة في مختلف العصور.
ج ـ مارس الصِّدِّيق، وبعض ولاته النَّظر في المنازعات، وتولَّى القضاء بجانب الولاية.
د ـ ساهمت فترة الصِّدِّيق في ظهور مصادر جديدة للقضاء في العهد الراشدي، وصارت مصادر الأحكام القضائيّة هي: القران الكريم، والسُّنَّة الشريفة، والإجماع، والقياس، والسَّوابق القضائيَّة، والرأي الاجتهاديُّ مع المشورة.
هـ كانت ادأب القضاء مرعيَّةً في حماية الضَّعيف، ونصرة المظلوم، والمساواة بين الخصوم، وإقامة الحقِّ، والشَّرع على جميع الناس، ولو كان الحكم على الخليفة، أو الأمير، أو الوالي، وكان القاضي في الغالب يتولَّى تنفيذ الأحكام؛ إن لم ينفذها الأطراف طوعاً، واختياراً، وكان التنفيذ عقب صدور الحكم فوراً.
ثانيا:الولاية على البلدان:
كان أبو بكرٍ يستعمل الولاة في البلدان المختلفة، ويعهد إليهم بالولاية العامَّة في الإدارة، والحكم، والإمامة، وجباية الصَّدقات، وسائر أنواع الولايات، وكان ينظر إلى حسن اختيار الرَّسول للأمراء، والولاة على البلدان، فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا نجده قد أقرَّ جميعَ عمّال الرسول الذين توفي الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحداً منهم إلا ليعينه في مكانٍ اخر أكثر أهميَّةً من موقعه الأوَّل، وجرضاه، كما حدث لعمرو بن العاص، وكانت مسؤوليّات الولاة في عهد أبي بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ بالدَّرجة الأولى امتداداً لصلاحياتهم في عصر الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، خصوصاً الولاة الذين سبق تعيينهم أيّام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويمكن تلخيص أهم مسؤوليات الولاة في عصر أبي بكرٍ، وهي:
أـ إقامة الصلاة، وإمامة الناس، وهي المهمَّة الرئيسيَّة لدى الولاة؛ نظراً لما تحمله من معانٍ دينيَّة ودنيويَّة، سياسيَّة واجتماعيّة، حيث الولاة يؤممون الناس، وعلى وجه الخصوص في صلاة الجمعة، والأمراء دائماً كانت تُوكَل إليهم الصلاة، سواءٌ كانوا أمراء على البلدان، أم أمراء على الأجناد.
ب ـ الجهاد كان يقوم به أمراء الأجناد في بلاد الفتح، فكانوا يتولَّون أموره، وما فيه من مهامَّ مختلفةٍ بأنفسهم، أو ينيبون غيرهم في بعض المهامّ، كتقسيم الغنائم، أو المحافظة على الأسرى، أو غير ذلك، وكذلك ما يتبع هذا الجهاد من مهامَّ أخرى، كمفاوضة الأعداء، وعقود المصالحة معهم، وغيرها، ويتساوى في المهمّات الجهاديَّة أمراء الأجناد في الشام، والعراق، وكذلك الأمراء في البلاد التي حدثت فيها الردَّة، كاليمن، والبحرين، وعمان، ونجد، نظراً لوجود تشابهٍ في العمليات الجهاديَّة مع اختلاف الأسباب الموجِّهة لهذه العمليات .
ج ـ إدارة شؤون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة، والعمّال عليها من قبل الأمراء أنفسهم، وبإقرارٍ من الخليفة أبي بكرٍ، أو تعيينٍ من أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ عن طريق هؤلاء العمّال.
د ـ أخذ البيعة للخليفة، فقد قام الولاة في اليمن، وفي مكَّة، والطّائف، وغيرها بأخذ البيعة لأبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ من أهل البلاد التي كانوا يتولَّون عليها.
هـ كانت هناك أمورٌ ماليَّة توكل إلى الولاة، أو إلى من يساعدهم ممَّن يعيِّنهم الخليفة، أو الوالي لأخذ الزَّكاة من الأغنياء، وتوزيعها على الفقراء، أو أخذ الجزية من غير المسلمين، وصرفها في محلِّها الشَّرعيِّ، وهي امتدادٌ لما قام به ولاة الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الخصوص.
و ـ تجديد العهود القائمة من أيّام الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث قام والي نجران بتجديد العهد الذي كان بين أهلها وبين الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) بناءً على طلب نصارى نجران.
ز ـ كانت من أهمِّ مسؤوليات الولاة إقامة الحدود، وتأمين البلاد، وهم يجتهدون رأيهم فيما لم يكن فيه نصٌّ شرعيٌّ، كما فعل المهاجر بن أبي أميَّة بالمرأتين اللتين تغنتا بذمِّ الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، وفرحتا بوفاته، وسيأتي بيان ذلك ـ بإذن الله تعالى ـ في جهاد الصِّدِّيق لأهل الردَّة.
ح ـ كان للولاة دورٌ رئيسيٌّ في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولَّون عليها، وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد، يعلِّمون الناس القران، والأحكام، وذلك عملاً بسنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتعتبر هذه المهمَّة من أعظم المهامِّ وأجلِّها في نظر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وخليفته أبي بكرٍ، وقد اشتهر عن ولاة أبي بكرٍ ذلك، حيث يتحدَّث أحد المؤرخين عن عمل زياد والي أبي بكرٍ على حضرموت فيقول: فلمّا أصبح زيادٌ غدا يقرئ الناس، كما كان يفعل قبل ذلك.
وبهذا التعليم كان للولاة دورٌ كبيرٌ في نشر الإسلام في ربوع البلاد التي يتولَّونها، وبهذا التعليم تثبت أقدام الإسلام، سواءٌ في البلاد المفتوحة الحديثة العهد بالإسلام، أو في البلاد التي كانت مسلمةً، وارتدَّت، وهي حديثة عهدٍ بالردَّة جاهلةٌ بأحكام دينها، إضافة إلى أنَّ البلاد المستقرَّة، كمكة، والطائف، والمدينة، كان بها من يقرئ الناس بأمرٍ من الولاة أو الخليفة نفسه، و من يعيِّنه الخليفة على التعليم في هذه البلدان.
وقد كان الوالي هو المسؤول مسؤوليَّةً مباشرةً عن إدارة الإقليم الذي يتولاه، وفي حالة سفر هذا الوالي، فإنه يتعيَّن عليه أن يستخلف، أو ينيب عنه من يقوم بعمله؛ حتى يعود هذا الوالي إلى عمله، ومن ذلك: أنَّ المهاجر بن أبي أميَّة عيَّنه الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) على كندة، ثمَّ أقرَّه أبو بكرٍ بعد وفاة الرسول، ولم يَصِل المهاجر إلى اليمن مباشرةً، وتأخَّر نظراً لمرضه، فأرسل إلى (زياد بن لبيد) ليقوم عنه بعمله حتى شفائه، وقدومه، وقد أقرَّ أبو بكرٍ ذلك، كذلك كان خالد أثناء ولايته للعراق ينيب عنه في الحيرة من يقوم بعمله حتى عودته .
وكان أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ يشاور الكثير من الصَّحابة قبل اختيار أحدٍ من الأمراء سواءٌ على الجند، أو على البلدان، ونجد في مقدِّمة مستشاري أبي بكرٍ في هذا الأمر عمرَ بن الخطاب، وعليَّ بنَ أبي طالب، وغيرهما، كما كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يشاور الشخص الذي يريد توليته قبل أن يعيِّنه، وعلى وجه الخصوص إذا أراد أن ينقل الشخص مِنْ ولايةٍ إلى أخرى، كما حدث حينما أراد أن ينقل عمرو بن العاص من ولايته التي ولاه عليها الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ولاية جند فلسطين، فلم يُصدِر أبو بكرٍ قراره إلا بعد أن استشاره، وأخذ منه موافقةً على ذلك، كذلك الحال بالنِّسبة للمهاجر بن أبي أميَّة؛ الذي خيَّره أبو بكرٍ بين اليمن، أو حضرموت، فاختار المهاجر اليمن، فعينه أبو بكرٍ عليها.
ومن الأمور التي سار عليها أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ أنَّه كان يعمل بسنَّة النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) في تولية بعض الناس على قومهم إذا وجد فيهم صلحاء، كالطائف وبعض القبائل، وكان أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ عندما يريد أن يعيِّن شخصاً على ولاية يكتب للشَّخص المعيَّن عهداً له على المنطقة التي ولاه عليها، كما أنَّه في كثيرٍ من الأحيان قد يحدِّد له طريقه إلى ولايته، وما يمرُّ عليه من أماكن، خصوصاً إذا كان التَّعيين مختصّاً بمنطقةٍ لم تفتح بعد، ولم تدخل ضمن سلطات الدَّولة، ويتَّضح ذلك في حروب الردَّة، وفتوح الشام، والعراق، وقام الصِّدِّيق أحياناً بضمِّ بعض الولايات إلى بعضٍ، خصوصاً بعد الانتهاء من قتال المرتدِّين؛ فقد ضمَّ أبو بكرٍ كندة إلى زياد بن لبيد البياضي، وكان والياً على حضرموت، واستمرَّ بعد ذلك والياً لحضرموت، وكندة.
وكانت معاملة أبي بكرٍ للولاة تتَّسم بالاحترام المتبادل؛ الذي لم تَشُبْه شائبة، وأمّا عن الاتِّصالات بين الولاة وبين الخليفة أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ فقد كانت تجري بصفةٍ دائمةٍ، وكانت هذه الاتِّصالات تختصُّ بمصالح الولاية، ومهامِّ العمل، فقد كان الولاة كثيراً ما يكتبون لأبي بكرٍ في مختلف شؤونهم يستشيرونه، وكان أبو بكرٍ يكتب لهم الإجابة عن استفساراتهم، أو يوجِّه لهم أوامره.
وكانت الرسل تأتي بالأخبار من الولاة سواءٌ أخبار الجهاد، أو قبل ذلك على جبهات حروب المرتدِّين، كذلك كان الولاة يبعثون بأخبار ولاياتهم من تلقاء أنفسهم، وكان الولاة يتَّصل بعضهم ببعض عن طريق الرُّسل، أو عن طريق الاتِّصال المباشر، واللقاءات، وتتمثَّل هذه اللقاءات والاتصالات بالدَّرجة الأولى بين ولاة اليمن، وحضرموت بعضهم مع بعض، وكذلك الحال بالنسبة لولاة الشام، الذين كانوا كثيراً ما يجتمعون لتدارس أمورهم العسكرية بالدرجة الأولى، وكانت كثيرٌ من مراسلات أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ تختصُّ بحثِّ الولاة على الزُّهد في الدُّنيا، وطلب الآخرة، وكانت بعض هذه النصائح تصدر على شكل كتب عامَّة رسميَّة من الخليفة نفسه إلى مختلف الولاة، وأمراء الأجناد.
هذا وقد قسِّمت الدَّولة الإسلاميَّة في عهد أبي بكرٍ إلى عدَّة ولاياتٍ، وهذه أسماء الولايات، والولاة:
أـ المدينة: عاصمة الدَّولة، وبها الخليفة أبو بكرٍ رضي الله عنه.

ب ـ مكَّة: وأميرها عتّاب بن أُسيد، وهو الذي ولاه الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، واستمرَّ مدَّة حكم أبي بكرٍ.
ج ـ الطائف: وأميرها عثمان بن أبي العاص الثَّقفي، ولاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأقرَّه أبو بكرٍ عليها.
د ـ صنعاء: وأميرها المهاجر بن أبي أميَّة، وهو الذي فتحها، ووليها بعد انتهاء أمر الردَّة.
هـ حضرموت: ووليها زياد بن لبيد.
و ـ زبيد، ورقع: ووليهما أبو موسى الأشعري.
ز ـ خولان: ووليها يعلى بن أبي أميَّة.
ح ـ الجند: وأميرها معاذ بن جبل.
ط ـ نجران: ووليها جرير بن عبد الله البجليُّ.
ي ـ جرش: ووليها عبد الله بن ثور.
ك ـ البحرين: ووليها العلاء بن الحضرميِّ.
ل ـ العراق، والشام: كان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها.
م ـ عمان: ووليها حذيفة بن محصن.
ن ـ اليمامة: ووليها سليط بن قيس.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book01(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022