بعض اختيارات عمر الفاروق (رضي الله عنه) الفقهية
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة الخامسة والخمسون
تحريم نكاح المتعة:
رُوِيَتْ عن عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ اثارٌ في تحريم نكاح المتعة، والتَّشديد في ذلك، واعتباره زنى يعاقب عليه بالرَّجم بالحجارة لمن أحصن، وقد ظنَّ بعض النَّاس: أن المحرِّم لنكاح المتعة هو عمر بن الخطَّاب دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزُّبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث، تمتَّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قام عمر، قال: إِنَّ الله كان يُحلُّ لرسوله ما شاء بما شاء، وإِنَّ القران قد نزل منازله، فأتمُّوا الحجَّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبِتُّوا نكاح هذه النِّساء، فلن أوتَى برجلٍ نكح امرأة إِلى أجل إِلا رجمته بالحجارة.
فهذا الأثر يفيد: أنَّ المتعة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الَّذي حرَّمها عمر بن الخطاب. والاثار الَّتي تفيد: أنَّ المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحرِّمها، وكذلك في عهد أبي بكرٍ، وإِنَّما الَّذي حرَّم المتعة بعد أن كانت حلالاً هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطَّاب ذكرت عند مسلم، ومصنَّف عبد الرزَّاق.
وفي الحقيقة: أنَّ الَّذي حرَّم المتعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الَّذين نُقل عنهم من الصَّحابة الَّذين كانوا يرون جواز نكاح المتعة لم يبلغهم النَّهي القاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك من نسب تحريم المتعة إلى عمر بن الخطَّاب دون أن يكون له سندٌ من النُّصوص الشَّرعيَّة من المتأخرين، أمثال أبي هلالٍ العسكريِّ، ورفيق العظم؛ فقد جهل أدلَّة ذلك من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والَّتي كانت سنداً للفاروق في تحريمه للمتعة، وإِليك بعض الأحاديث الَّتي وردت عن رسول الله، والَّتي تفيد: أنَّه حرم نكاح المتعة، والَّتي منها:
1ـ روى مسلمٌ بسنده عن سلمة، قال: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً، ثمَّ نهى عنها.
2ـ وروى مسلمٌ بسنده عن سبرة: أنَّه قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجلٌ إِلى امرأة من بني عامر، كأنَّها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي ؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشبَّ منه[(1540)]، فِإذا نظرت إِلى رداء صاحبي أعجبها، وإِذا نظرت إِليَّ أعجبتها، ثمَّ قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً، ثمَّ إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيءٌ من هذه النِّساء الَّتي يَتَمَتَّع، فليخلِّ سبيلها.
3ـ وروى مسلمٌ بسنده عن سبرة الجهنيِّ: أنَّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها النَّاس ! إِنِّي قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النِّساء، وإِنَّ الله قد حرَّم ذلك إِلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيءٌ فليخلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئاً.
4ـ وروى مسلمٌ بسنده عن عليِّ بن أبي طالبٍ: أنَّه سمع ابن عبَّاس يُليِّن في متعة النِّساء فقال: مهلاً يابن عباس ! فإِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإِنسيَّة.
إِنَّ الفاروق ـ رضي الله عنه ـ لم يبتدع تحريم نكاح المتعة من عند نفسه، بل كان متَّبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث حرَّمها صلى الله عليه وسلم عام الفتح في السَّنة الثَّامنة من الهجرة تحريماً مؤبَّداً، بعد أن حرَّمها في خيبر سنة ستٍّ من الهجرة، ثمَّ أحلها عام الفتح، فمكث النَّاس خمسة عشرة يوماً، وهم يستمتعون، ثمَّ حرمها صلى الله عليه وسلم إِلى يوم القيامة.
من اختيارات عمر ـ رضي الله عنه ـ الفقهيَّة:
أثَّر عمر ـ رضي الله عنه ـ في المؤسَّسة القضائية باجتهاده في مجال القصاص، والحدود، والجنايات، والتَّعزير، كما أنَّه ـ رضي الله عنه ـ ساهم في تطوير المدارس الفقهيَّة الإِسلاميَّة باجتهاداته الدَّالة على سعة اطلاعه، وغزارة علمه، وعمق فقهه، وفهمه، واستيعابه لمقاصد الشَّريعة الغراء، وله مسائل كثيرةٌ في الفقه الإسلاميِّ اختارها، ومال إِليها، وإِليك بعضها:
1ـ اختيار عمر ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ جِلْدَ الميتة يطهر بالدِّباغ إِذا كانت طاهرةً في حال الحياة.
2ـ اختيار عمر ـ رضي الله عنه ـ كراهة الصَّلاة في جلود الثَّعالب.
3ـ اختيار عمر ـ رضي الله عنه ـ لا يكره السِّواك للصَّائم بعد الزَّوال بل يستحبُّ.
4ـ اختيار عمر ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ المسح على الخفَّين، وما أشبههما مؤقتٌ بيومٍ وليلةٍ للمقيم، وثلاثة أيامٍ ولياليهنَّ للمسافر.
5ـ اختيار عمر ـ رضي الله عنه ـ ابتداء مدَّة المسح على الخفين بعد الحدث.
6ـ اختياره: أنَّ وقت الجمعة إِذا زالت الشَّمس.
7ـ اختيار عمر: أنَّ مس الذَّكر ينقض الوضوء.
8 ـ اختيار عمر: أنَّ التَّكبير في العيد من الفجر يوم عرفة إِلى العصر من اخر أيَّام التَّشريق.
9ـ اختيار أبي بكرٍ، وعمر المشي أمام الجنازة أفضل.
10ـ اختياره: تجب الزَّكاة على الصَّبيِّ، والمجنون.
11ـ اختيار عمر: القول بإِثبات خيار الفسخ، وإِنَّ لكلِّ واحدٍ الخيار ما دام في المجلس.
12ـ اختياره: لا يصحُّ السَّلم في الحيوان.
13ـ اختياره: أنَّه إذا شرط: أنَّه متى حلَّ الحقُّ، ولم يوفَّ، فالرَّهن بالدَّين، فهو مبيعٌ بالدَّين الَّذي عليك، فهو شرطٌ فاسدٌ.
14ـ اختيار عمر: إِذا وجد الغريم عين ماله عند المفلس؛ فهو أحقُّ بها.
15ـ اختيار عمر: أنَّ الجارية لا تدفع إِليها مالها بعد بلوغها حتَّى تتزوَّج، وتلد، أو تمضي عليها سنةٌ في بيت الزَّوج.
16ـ اختيار عمر: أنَّ عين الدَّابة تضمن بربع قيمتها.
17ـ اختيار عمر: أنَّ الشُّفعة لا تكون إِلا في المشاع غير المقسوم، فأمَّا الجار، فلا شفعة له.
18ـ اختياره: تجوز المساقاة في جميع الشَّجر.
19ـ اختيار أبي بكر، وعمر: جواز استئجار الأجير بكسوته.
20ـ اختياره: لا تلزم الهبة إِلا بالقبض.
21ـ اختياره: من وهب لغير ذي رحمٍ؛ فله الرُّجوع ما لم يُثَبْ عليها، ومن وهب لذي رحمٍ؛ فليس له الرُّجوع.
22ـ اختياره: أنَّ مدَّة تعريف اللُّقطة سنةٌ.
23ـ اختياره: يجوز أخذ اليسير من اللُّقطة، والانتفاع به من غير تعريفٍ.
24ـ اختيار عمر: أنَّ اللقطة إِذا عرَّفها المدَّة المعتبرة، فلم يعرف مالكها؛ صارت كسائر أمواله غنيَّاً كان، أو فقيراً.
25ـ اختيار عمر: أنَّ لقطة الحلِّ والحرم سواءٌ.
26ـ اختياره: اللَّقيط يُقَرُّ بيد مَنْ وجده؛ إِن كان أميناً.
27ـ اختياره: جواز الرُّجوع في الوصيَّة، وقال: يغيِّر الرَّجل ما شاء من وصيَّته.
28ـ اختيار عمر: أنَّ الكلالة اسمٌ للميِّت؛ الَّذي لا ولد له، ولا والد.
29ـ اختياره: أنّ الأخوات مع البنات عصبةٌ، لهنَّ ما فضل.
30ـ اختياره: إِذا كان زوجٌ، وأمٌّ، وإخوةٌ من أمٍّ وإخوةٌ من أبٍ وأمٍّ فهذه المسألة في علم المواريث اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، فيروى عن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت ـ رضي الله عنهم ـ أنهم شرَّكوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسَّوية للذَّكر مثل حظ الأنثيين، ويروى: أنَّ عمر كان أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين ! هب أنَّ أبانا كان حماراً أليست أمُّنا واحدة ! فشرَّك بينهم، وهذه المسألة تسمَّى: المشرّكة، وتسمَّى: الحمارية؛ لما تقدَّم.
31ـ اختياره: أنَّ للجدَّات وإن كثرت السُّدس، وهو قول أبي بكرٍ.
32ـ اختيار عمر: في أمٍّ، وأختٍ، وجدٍّ؛ للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجدِّ.
33ـ اختيار عمر: إِذا كان زوج، وأبوان؛ أعطي الزَّوج النصف، والأمُّ ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وإِذا كانت زوجة، وأبوان؛ أعطيت الزَّوجة الرُّبع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وهاتان المسألتان تسمَّيان بالعمريَّتين؛ لأنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ قضى فيهما بهذا.
34ـ اختيار توريث ذوي الأرحام إِذا لم يكن ذوي فرضٍ، ولا عصبة.
هذه بعض الاختيارات العمريَّة في مجال الفقه، وهي تستحقُّ البحث، والتأصيل، وإِنَّما ذكرتها من باب الإِشارة.
للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172(1).pdf