أسباب فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه
الحلقة الخامسة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م
ثانياً : طبيعة التَّحوُّل الاجتماعيِّ في عهد عثمان رضي الله عنه :
حدثت تغيُّراتٌ اجتماعيَّة عميقةٌ ، ظلَّت تعمل في صمتٍ ، وقوَّةٍ لا يلحظها كثيرٌ من النَّاس ، حتَّى ظهرت على ذلك الشَّكل العنيف المتفجِّر بدءاً من النِّصف الثاني من خلافة عثمان ، وبلغت قمَّة فورانها في التمرُّد الّذي أدَّى إلى استشهاد عثمان رضي الله عنه .
لمَّا توسَّعت الدَّولة الإسلاميَّة عبر حركة الفتوح ، حصل تغيُّر في تركيبة المجتمع، والاختلالات في نسيجه ؛ لأنَّ هذه الدَّولة بتوسُّعها المكانيِّ ، والبشريِّ ، ورثت ما على هذه الرُّقعة الواسعة من أجناسٍ ، وألوانٍ ، ولغاتٍ ، وثقافاتٍ ، وعاداتٍ ، ونظمٍ ، وأفكارٍ ، ومعتقداتٍ ، وفنونٍ أدبيَّةٍ ، وعمرانيَّةٍ ، ومظاهر ، وظهرت على سطح هذا النَّسيج ألوانٌ مضطربةٌ ، وخروقاتٌ غير منتظمةٍ ، ورقعٌ غير منسجمةٍ ممَّا صيَّرت المجتمع غير متجانسٍ في نسيجه التَّركيبيِّ ، وبالذَّات في الأمصار الكبرى المؤثِّرة : البصرة ، والكوفة ، والشَّام ، ومصر ، والمدينة ، ومكَّة، فقد كانت الأمصار الكبيرة ـ بمواقعها وأهمِّيَّتها ـ تدفع بجيوش الفتوح ، وتستقبلها وهي عائدةٌ ، وقد نقص عددها بالموت والقتل ، وتستقبل بدلاً عنهم أو أكثر منهم أعداداً وفيرةً من أبناء المناطق المفتوحة ، فرسٌ ، وتركٌ ، ورومٌ ، وقبطٌ، وكردٌ ، وبربرٌ ، وكان أكثرهم من الفرس، أو من النَّصارى العرب ، أو غيرهم ، أو من اليهود، وأكثر سكان هذه الأمصار الكبيرة هم ممَّن شاركوا في حركة الفتح الإسلاميِّ ، ثمَّ استقرُّوا في هذه الأمصار ، وكان أغلب هؤلاء من القبائل العربيَّة من جنوبها ، وشمالها ، وشرقها ، والّذين لم يكونوا ـ عادةً ـ من الصَّحابة ، وبمعنىً أدقَّ : ليسوا ممَّن تلقّوا التَّربية الكافية على يد رسول الله (ص) أو على أيدي الجيل الأوَّل من الصَّحابة ، إمَّا لانشغالهم بالفتوح ، أو لقلَّة الصَّحابة ، وقد حصلت تغيُّراتٌ في نسيج المجتمع البشريِّ المكوَّن من جيل السَّابقين ، وسكَّان البلاد المفتوحة ، والأعراب ، ومن سبقت لهم ردَّةٌ، واليهود ، والنَّصارى ، وفي تكوين نسيج المجتمع الثَّقافيِّ ، وفي بسطة عيش المجتمع، وفي ظهور لونٍ جديدٍ من الانحرافات ، وفي قبول الشَّائعات.
1ـ المتغيِّرات في نسيج المجتمع البشريِّ :
أ ـ لقد تكوَّن هذا النَّسيج من قطاعاتٍ عدَّةٍ ، قطاع الأسبقين ممَّن بقي من الصَّحابة، ومن الّذين نالوا قسطاً وفيراً من رعاية الصَّحابة ، ولكنَّ هذا القطاع وذاك ظلَّ يتناقص إمَّا عن طريق الموت والقتل في ميادين الفتوح ، وإمَّا عن طريق تفرُّقهم في الأمصار، ممَّا جعلهم أقلَّ القطاعات حضوراً ، وكانوا موزَّعين في البلدان المفتوحة والأمصار الكبيرة المستحدثة كالبصرة ، والكوفة ، والشَّام ، ومصر ، وبعضهم في الجزيرة العربيَّة يخرجون منها ، ثمَّ يعودون إليها مرَّة أخرى.
ب ـ سكان المناطق المفتوحة ، وكانوا يشكلون الأكثريَّة بالنسبة للقادمين إليهم مع حركة الفتوح ، فقد ظلَّ القادمون قلَّةً ، وإن كان لهم حضور فعليٌّ في إدارة البلد أو التأثير السُّلوكيِّ ، والأخلاقيِّ ، والفكريِّ ، واللُّغويِّ ، إلا أنَّهم رغم ذلك يُعتبرون قلَّةً وظلَّ هذا القطاع ـ قطاع سكَّان المناطق المفتوحة ـ مقتصراً في استقراره ـ غالباً ـ على مناطقهم ، ومع هذا فقد تنقَّل بعضهم في المناطق الأخرى من بلدان الدَّولة الإسلاميَّة ، بل استقرَّ بعضهم في الأمصار الكبيرة ، وفي عاصمة الدَّولة أيضاً ، إما على شكل ما عرف بالسَّبي ، أي : يستقرُّون تابعين لمواليهم ، وإمَّا على شكل تنقُّلٍ تجاريٍّ ، ومعرفيٍّ وإداريٍّ ، حيث لا يوجد قانون يمنعهم من ذلك ، إن لم يكونوا يلقون التَّشجيع، والدَّعم ، وقد كان الأعاجم الّذين جاؤوا من البلاد المفتوحة من أسرع النَّاس إلى الفتنة ؛ ذلكم لأنَّ أغلب الأعاجم من الأمم الموتورة ، والشُّعوب المقهورة ، فتكثر مسارعتهم للفتن لأسبابٍ كثيرةٍ ، منها :
* جهلهم ، وحداثة عهد أكثرهم بالكفر ، والمُلك ، والعزِّ الّذي كانوا عليه ، ثمَّ سُلبوه .
* قلَّة فقههم في الدِّين ، بسبب العجمة ، وغيرها .
* العصبية ، وكراهية العرب .
* أنَّ طوائف منهم دخلت الإسلام ظاهراً ، وخوفاً من السَّيف ، أو الجزية ، وأضمروا للإسلام والمسلمين الشَّرَّ ، والكيد ، فيسارعون إلى كلِّ فتنة .
* طمع أهل الأهواء فيهم للأسباب المذكورة ، وتحريضهم لهم.
ج ـ أولئك الأعراب عرفوا بأنَّهم من سكان البادية ، وهم مثل بقيَّة النَّاس منهم المسلم التَّقيُّ ، ومنهم الكافر ، والمنافق ؛ إلا أنَّهم كما قال الله عنهم : {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *} [التوبة: 97 ] . وذلك لأنَّهم أقسى قلوباً ، وأغلظ طبعاً ، وأجفى قولاً ، ولصفاتهم هذه فهم جديرون ، وأخلق بهم ألا يعلموا حدود ما أنزل الله من الشَّرائع ، والأحكام، والجهاد، فهم من أسرع النَّاس في الفتن ، ولمسارعتهم فيها له أسبابٌ ، منها:
* قلَّة فقههم في الدِّين .
* سرعة اغترار الواحد منهم بما يتعلَّمه من القرآن ، فيظنُّ : أنَّه صار عالماً بقليلٍ من العلم .
* جفاؤهم للعلماء ، وترك التَّلقِّي عنهم ، والاقتداء بهم .
* تمكُّن العصبية القبليَّة من نفوسهم .
* تغرير أهل المطامع بهم ، واستغلال سذاجتهم ، وجهلهم .
* حدَّة طباعهم ، ونفورهم من المدنيَّة ، والخلطة ، وإساءة الظنِّ بالاخرين ممَّن لا يعرفونهم ، وهذا من طباع الأعراب في كلِّ زمانٍ ، ومكانٍ .
* تشدُّدهم في الدِّين ، وتنطُّعهم بلا علمٍ ، لذلك صار غالب الخوارج من هذا الصِّنف.
وخرج من هؤلاء الأعراب رجالٌ عرفوا ( بالقرَّاء ) وقد اختلف مفهوم ( القرَّاء) هذا عن منطوقه ، فالمنطوق يقصد به جماعةٌ ممَّن تخصَّصوا بقراءة القران، إلا أنَّ المفهوم ومن خلال الواقع أنتج دلالاتٍ أخرى ، فمنهم من كان ـ على طريقة الخوارج ـ يفهمون القران بطريقتهم الخاصَّة ، ومنهم من كان زاهداً لا يفقه حقيقة ما يقرأ ، ولم يستطع التأقلم مع واقع المجتمع، وهؤلاء القرَّاء الجهلة يسارعون للفتن وذلك لأسبابٍ منها :
* الشِّدَّة في نزعة التَّديُّن عندهم مع قلَّة الفقه في الدِّين ، مما يورث غيرةً على الدين بغير علمٍ ، ولا بصيرةٍ ؛ فتجرفهم الأهواء ، والعواطف باسم الغيرة على الدِّين ، دون نظرٍ في العواقب ، ولا فقهٍ لقواعد الشَّرع ، كدرء المفاسد ، وجلب المصالح .
* الاغترار بما يحصله الواحد منهم من الايات ، والأحاديث دون فقهٍ ، ولا بصيرةٍ ، فيتوهَّم : أنَّه صار من أهل العلم ، الّذين يحلُّون ، ويعقدون في مصالح المسلمين .
* تعاليهم على العلماء والأئمَّة ، وظنُّهم : أنَّهم وصلوا درجة الاستغناء عنهم ، وعن فقههم وعلمهم ، تحت شعارٍ : هم رجالٌ ، ونحن رجالٌ .
* اتِّخاذهم رؤساء جُهَّالاً من بينهم دون العلماء والأئمَّة .
* ولأنَّ أهل الأهواء ، ورؤوس البدع ، والفتن ـ وغالبهم من الدُّهاة ـ يفزعون إلى القرَّاء ، فيغوونهم ، ويستدرجونهم ، ويستغلُّون نزعة التَّديُّن فيهم ، ويستثيرون غيرتهم بلا بصيرةٍ .
* جهلهم بقواعد الاستدلال ، وأحكام الفتن.
د ـ وفصيلٌ ، أو قطاعٌ اخر في نسيج المجتمع الإسلاميِّ ، وهو ممَّن سبقت لهم ردَّةٌ ، وكانت حياتهم في الإسلام قصيرةً ، وانتماؤهم إليه ضرورةً ، ولا ننفي أنَّ منهم من زَكا، وصلُح، وكان من الفضلاء إلا أنَّ منهم من لم يتذوَّق حلاوة الإسلام، فظلَّ ـ رغم انتسابه للإسلام ـ يعيش بعقليَّته السَّابقة ، ونفسيَّته الّتي عاشها قبل الإسلام الفعليَّة القبليَّة ، تناوشه العصبيَّات ، وكأنَّ الإسلام لم يدخل فيهم ، أو أنَّهم ظنُّوا عدم التناقض بين ما يعرفونه من إسلامٍ، وما يتعاملون به في الواقع من دوافع قبليَّةٍ.
لقد شكلت طوائف من المرتدِّين عنصراً ساهم في تهيئة أجواء الفتنة ، والمرتدُّون كانوا على عهد أبي بكرٍ، وعمر، رضي الله عنهما، ولكنَّ الشَّأي الجديد هو اختلاف سياسة عثمان رضي الله عنه عن الخليفتين قبله تجاههم ، فأبو بكر رضي الله عنه يكتب إلى عمَّاله : ألا يستعينوا بمرتدٍّ في جهاد العدوِّ ، ويؤكِّد على خالد بن الوليد ، وعياض بن غنم ألا يغزو معهم أحدٌ قد ارتدَّ حتَّى يرى رأيه فيهم ، فلم تشهد أيَّامه مرتدّاً ، ويقول الشَّعبيُّ : كان أبو بكر رضي الله عنه لا يستعين في حروبه بأحدٍ من أهل الردَّة ؛ حتَّى مات ، ولذلك كان بعض من ارتدَّ ، وحسن إسلامهم بعد ذلك ، يستحيون من مواجهة أبي بكرٍ رضي الله عنه ، فطليحة بن خويلد ـ مثلاً ـ يذهب إلى مكَّة معتمراً، وما استطاع مقابلة أبي بكر حتَّى مات، وفي خلافة عمر رضي الله عنه تخفُّ هذه السِّياسة ، تجاه المرتدِّين ، فيندب أهل الردَّة ليرمي بهم الشَّام، والعراق .
وقد كان في مسيرة جيش سعد بن أبي وقَّاص في القادسية قيس بن مكشوح المرادي ، وعمرو بن معد يكرب ، كان يحمِّس النَّاس ، ويحرِّك مشاعرهم ، وهذا كلُّه كان بعد أن أذن عمر لأهل الردَّة في الغزو ، ولكنَّ هذا التَّجاوز عن سياسة أبي بكر عند عمر يصحبه نوعٌ من الحذر ، والحيطة ، ولا ينفكُّ عن الضَّوابط ، والشُّروط المقيَّدة ، فأهل الرِّدة لا يولَّون على مئةٍ ، ولهذا اضطرَّ سعد أن يبعث قيس ابن المكشوح في سبعين رجلاً فقط ، في أثر الأعاجم ثاروا بهم في ليلة الهرير . ويأتي عثمان رضي الله عنه فيتجاوز سياسة التقييد الّتي فرضها الخليفتان قبله تجاه المرتدِّين، ويرتئي: أنَّ عامل الزَّمن ـ الّذي مضى على عهد الردَّة ـ كافٍ لأن يتخلَّص من كان قد ارتدَّ من رواسبها، ويجتهد عثمان، فيستعمل أهل الردَّة استصلاحاً لهم، فلم يصلحهم ذلك ، بل زادهم فساداً، وجعل قائلهم يتمثَّل قول القائل :
وَكُنْتُ وَعَمْراً كَالمُسَمِّنِ كَلْبَهُ فَتَخْدِشُهُ أَنْيَابُهُ وَأَظَافِرُهْ وكانت من نتائج استعمال عثمان لأهل الردَّة في الكوفة أن تبدَّل أهلها، وأصيب قائدهم عبد الرَّحمن بن ربيعة في غزوة للتُّرك ، وهو الّذي كان يقاتلهم في عهد عمر فيفرقون منه ، ويقولون : ما اجترأ علينا هذا الرَّجل إلا ومعه ملائكةٌ تمنعه من الموت ، وتظهر الاثار بشكلٍ واضحٍ في الفتنة الّتي انتهت بقتل عثمان ، وذلك حينما نجد في أسماء المتَّهمين في دم عثمان رجالاً ينتسبون إلى قبائل كانت في عداد المرتدِّين أمثال : سودان بن حمران السُّكونيِّ، وقتيرة ابن فلان السُّكونيِّ ، وحكيم بن جبلة العبديِّ.
هـ اليهود ، والنَّصارى ، وكان بعضهم ـ وهم كثيرٌ ـ قد خرج ، أو أخرج من جزيرة العرب ، فاستقرُّوا في الأمصار الكبيرة ، ومنها : الكوفة ، والبصرة ، وكان اليهود خاصَّةً ـ حسب طبعهم ـ ظلُّوا في تلك الأمصار المطلَّة على ميادين الفتوح يمارسون مهنتهم المشهورة المزدوجة ، السَّيطرة الماليَّة بوسائلهم المختلفة ، والتامر على قطع اليد الّتي تمدُّ لهم المساعدة . وسيأتي الحديث عن دور اليهود بإذن الله تعالى.
2ـ تكوينات نسيج المجتمع الثَّقافي :
فإلى جوار هذا الخليط البشريِّ كان هناك خليطٌ اخر لا يقلُّ خطره ـ إن لم يفق الخليط البشريُّ ـ ألا وهو الخليط الثَّقافيُّ ، حيث تدفَّقت الثقافات ، والأفكار ، والنُّظم، والعقائد مع تلك الأعداد البشريَّة الّتي انضمَّت إلى محتويات المجتمع الإسلاميِّ ، فصارت تشكِّل حملاً ضخماً على عاتقه ، وممَّا زاد الطِّين بلَّةً : أنَّه بالرَّغم من اندماج المسلمين في نسيج البلدان المفتوحة ، حيث عاشوا في أوساطهم، وتزوَّجوا منهم ، وتعلَّموا لغاتهم ، ولبسوا ملابسهم ، ومارسوا عاداتهم ، إلا : أنَّه بالرَّغم من ذلك ؛ فقد كان تأثيرهم في أهل البلد المفتوح محدوداً في هذه الفترة المبكِّرة ، فلم ينل أهالي هذه البلاد المفتوحة حظاً وافراً من التَّربية ، ولم تتشبَّع بروح الإسلام كما هو حال الصَّحابة من المهاجرين والأنصار ، وكذلك القبائل العربيَّة الّتي اختلطت بأهالي البلاد المفتوحة، وإذا كان الإسلام قد تمكَّن من صهر هذه القبائل المختلفة في بوتقةٍ لفترةٍ معيَّنةٍ ، إلا أنَّه ممَّا يجب أن يوضع في الحسبان: أنَّ عمليَّة التَّعليم ، والتَّربية الّتي كانت تقودها القاعدة الصُّلبة من المهاجرين ، والأنصار لم تكن قادرةً على استيعاب هذه الأفواج الكبيرة ، واحتوائها ، فالموالي لم يتخلَّصوا من كلِّ الأفكار ، والعادات الّتي كانوا عليها في جاهليتهم ، ويرجع ذلك إلى عدم التَّوازن بين حركة التوسُّع الأفقي في فتح البلدان ، وبين التوسُّع الرَّأسي في تعليم النَّاس ، وتفقيههم من كتاب الله ، وسنَّة رسوله (ص) ، على أنَّ حركة الجهاد لا بدَّ أن يصحبها ويتبعها الدُّعاة ، والمعلِّمون ليفقِّهوا النَّاس في دينهم ، حتَّى لا يختلَّ ميزان التَّربية ، وتحدث الخلخلة في الصفِّ الإسلاميِّ ، وتتوسَّع الفجوة بين الفاتحين ، وسكَّان الأراضي المفتوحة ، ممَّا يتسبب في حدوث ظواهر سلبيَّةٍ تؤثِّر في تماسك الصَّف الإسلاميِّ ، ووحدته السِّياسيَّة ، والفكريَّة ، ولم يمكن تفادي هذا الجانب السَّلبيِّ رغم وجود البذل ، والحماس في ميدان التَّعليم ، والتَّربية الإسلاميَّة ، حيث كان التَّوسُّع في الأرض سريعاً ، وواسعاً ، فقد فتحت العراق وما وراءها ، وبلاد الشَّام في سنواتٍ قليلةٍ معدودةٍ ، فلم يكن في مقدرة الطَّاقة البشريَّة في ميدان التَّربية ، والتَّعليم استيعاب الأعداد الهائلة من سكَّان تلك المناطق ، وتعليمها .
ومن أسباب ذلك : أنَّ الصَّحابة الّذين كان من المفروض أن يقوموا بهذه الأمانة قد قتل معظمهم في ميادين الجهاد ، ولم يبقَ إلا أفرادٌ قليلون متفرِّقون تجمَّع حولهم المسلمون الّذين يحبُّون أن يتعلَّموا ، فظهرت طبقة التَّابعين ، ولأنَّ معظمهم مخلصون ؛ فقد كانوا في مقدِّمة ميادين الجهاد ، فقتل أيضاً منهم مَنْ قتل ، كما لم يكن الزَّمن كافياً لترسيخ التَّعاليم الإسلاميَّة في نفوس كثيرٍ منهم ، ممَّا ساعد ، مع غيره من العوامل ـ على وجود خلخلةٍ فكريَّةٍ ، وظواهر سلبيَّةٍ دخيلةٍ على النَّهج الإسلاميِّ ، مما كان له الأثر في عدم استقرار الدَّولة ، وظهر ذلك جلياً في السَّنوات الأخيرة من عهد عثمان رضي الله عنه .
يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf