فتوحات الجبهة المصريَّة في عهد عثمان بن عفان
الحلقة الثامنة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م
أولاً : ردع المتمرِّدين في الإسكندريَّة :
كبُر على الرُّوم خروج الإسكندريَّة من أيديهم ، وظلُّوا يتحيَّنون الفرص لإعادتها إلى حوزتهم ، فراحوا يحرِّضون مَنْ بالإسكندريَّة من الرُّوم على التمرُّد ، والخروج على سلطان المسلمين ، ذلك لأنَّ الرُّوم كانوا يعتقدون : أنَّهم لا يستطيعون الاستقرار في بلادهم بعد خروج الإسكندرية من ملكهم، وصادف تحريض الرُّوم لأهل الإسكندرية هوىً في نفوس سكَّانها ، فاستجابوا للدَّعوة ، وكتبوا إلى قسطنطين بن هرقل يخبرونه بقلَّة عدد المسلمين ، ويصفون له ما يعيش فيه الرُّوم بالإسكندريَّة من الذُّلِّ والهوان، وكان عثمان رضي الله عنه قد عزل عمرو بن العاص رضي الله عنه عن مصر ، وولَّى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي السَّرح ، وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصيُّ قائد قوات الرُّوم إلى الإسكندرية لإعادتها ، وتخليصها من يد المسلمين ، ومعه قوَّاتٌ هائلةٌ يحملهم في ثلاثمئة مركبٍ مشحونةٍ بكلِّ ما يلزم هذه القوَّات من السِّلاح ، والعتاد.
علم أهل مصر بأنَّ قوات الرُّوم قد وصلت إلى الإسكندريَّة ، فكتبوا إلى عثمان يلتمسون إعادة عمرو بن العاص ليواجه القوَّات الغازية ، فإنه أعرف بحربهم ، وله هيبةٌ في نفوسهم ، فاستجاب الخليفة لطلب المصريِّين ، وأبقى ابن العاص أميراً على مصر، ونهب منويل وجيشه الإسكندرية ، وغادروها بعد أن تركوها قاعاً صفصفاً ليعيثوا فيما حولها من القرى ظلماً وفساداً ، وأمهلهم عمرو بن العاص ليمعنوا في الإفساد ، وليشعر المصريُّون بالفرق الهائل بين حكَّامهم من المسلمين ، وحكَّامهم من الرُّوم ، ولتمتلأ قلوب المصريِّين على الرُّوم حقداً ، وغضباً ، فلا يكون لهم من حبِّهم والعطف عليهم أدنى حظٍّ ، وخرج منويل بجيشه من الإسكندريَّة، يقصد مصر السُّفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحدٌ ، وتخوَّف بعض أصحابه ، وعمرو كان له رأيٌ آخر ، فقد كان يرى أن يتركهم يقصدونه ، ولا شكَّ أنَّهم سينهبون أموال المصريين ، وسيرتكبون من الحماقات في حقِّهم ما يملأ قلوبهم حقداً عليهم ، وغضباً منهم ، فإذا نهض المسلمون لمواجهتهم عاونهم المصريُّون على التخلُّص منهم ، وحدَّد عمرو سياسته هذه بقوله : دعهم يسيروا إليَّ ، فإنَّهم يصيبون مَنْ مرُّوا به ، فيُخزي بعضهم ببعضٍ.
وقد صدق حدس عمرو ، وأمعن الرُّوم في إفسادهم ، ونهبهم وسلبهم ، وضجَّ المصريُّون من فعلهم،وأخذوا يتطلَّعون إلى مَنْ يخلِّصهم من شرِّ هؤلاء الغزاة المفسدين.
وصل منويل إلى نقيوس ، واستعدَّ عمرو للقائه ، وعبَّأ جنده ، وسار بهم نحو عدوِّه الشَّرس ، وتقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر النِّيل ، واستبسل الفريقان أيَّما استبسالٍ ، وصبر كلُّ فريق صبراً أمام خصمه ممَّا زاد الحرب ضراوةً ، واشتعالاً ، ودفع بالقائد عمرو إلى أن يمعن في صفوف العدوِّ ، ويقدِّم فرسه بين فرسانهم ، ويشهر سيفه بين سيوفهم ، ويقطع به هامات الرِّجال ، وأعناق الأبطال ، وأصاب فرسه سهمٌ فقتله ، فترجَّل عمرو ، وانضم إلى صفوف المشاة ، ورآه المسلمون فأقبلوا على الحرب بقلوبٍ كقلوب الأسود ، لا يهابون ، ولا يخافون قعقعة السُّيوف، وأمام ضربات المسلمين وهنت عزائم الرُّوم وخارت قواهم ، فانهزموا أمام الأبطال الّذين يريدون إحدى الحسنيين ، وقصد الرُّوم في فرارهم الإسكندريَّة لعلَّهم يجدون في حصونها المنيعة وأسوارها الشَّاهقة ما يواري عنهم شبح الموت الّذي يلاحقهم.
وخرج المصريُّون بعد أن رأوا هزيمة الرُّوم يصلحون للمسلمين ما أفسده العدو الهارب من الطُّرق ، ويقيمون لهم ما دمَّره من الجسور ، وأظهر المصريُّون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدوِّ الّذي انتهك حرماتهم ، واعتدى على أموالهم، وممتلكاتهم ، وقدَّموا للمسلمين ما ينقصهم من السِّلاح والمؤونة.
ولما وصل عمرو إلى الإسكندريَّة ضرب عليها الحصار ، ونصب عليها المجانيق وظلَّ يضرب أسوار الإسكندريَّة حتى أوهنها ، وألحَّ عليها بالضَّرب ، حتى ضعف أهلها ، وتصدَّعت أسوارها ، وفتحت المدينة الحصينة أبوابها ، ودخل المسلمون الإسكندريَّة ، وأعملوا سيوفهم في الرُّوم يقتلون المقاتلين ، ويأسرون النِّساء والذُّرِّية ، وهرب من نجا من الموت لاجئين إلى السُّفن ليفرُّوا بها عائدين من حيث أتوا ، وكان منويل في عداد القتلى ، ولم يكفَّ المسلمون عن القتل ، والسَّبي حتَّى أمر عمرو بذلك لما توسَّط المسلمون المدينة ، ولمَّا لم يكن هناك من يقاوم أو يتصدَّى لهم، ولمَّا فرغ المسلمون أمر عمرو ببناء مسجدٍ في المكان الّذي أوقف فيه القتال ، وسمَّاه مسجد الرَّحمة، وعادت إلى العاصمة العتيدة طمأنينتها ، وعادت السَّكينة إلى قلوب المصريِّين فيها ، فرجع إليها من كان قد فرَّ منها أمام الزَّحف الرُّوميِّ الرَّهيب ، وعاد بنيامين بطريق القبط إلى الإسكندريَّة بعد أن فرَّ مع الفارِّين ، وأخذ يرجو عمراً ألا يسيء معاملة القبط ؛ لأنَّهم لم ينقضوا عهدهم ، ولم يتخلَّوا عن واجبهم ، ورجاه كذلك ألا يعقد صلحاً مع الرُّوم ، وأن يدفنه إذا مات في كنيسة يحنس.
وجاء المصريُّون من كلِّ حدبٍ وَصَوْبٍ ، إلى عمرو يشكرونه على تخليصهم من ظلم الرُّوم ، ويطلبون منه إعادة ما نهبوا من أموالهم ، ودوابِّهم معلنين ولاءهم، وطاعتهم ، فقالوا : إنَّ الروم قد أخذوا دوابَّنا ، وأموالنا ، ولم نخالف نحن عليكم ، وكنَّا على الطَّاعة ، فطلب منهم عمرو أن يقيموا البيِّنة على ما ادَّعوا ، وَمَنْ أقام بيِّنة ، وعرف ماله بعينه ؛ ردَّه عليه ، وهدم عمرو سور الإسكندرية وكان ذلك سنة 25 هـ ، وأصبحت الإسكندرية آمنةً من جهاتها كلِّها رغم هدم سورها ، فقد كان شرقيُّها في قبضة المسلمين ، وكذلك جنوبها ، وأما غربيها فقد أمَّنه عمرو بن العاص بفتح برقة ، وزويلة ، وطرابلس الغرب وصالح أهل هذه البلاد على الجزية، فكانوا يدفعونها طائعين ، وأمَّا شمالها فكان في قبضة الرُّوم ، وقد تلقَّنوا درساً على يد المسلمين لم يترك لهم فرصةً للتَّفكير في العودة ، وحتَّى لو فكَّروا في العودة ، فهيهات أن يدخلوها وليس لهم فيها نصيرٌ ، ولا معينٌ ! وقوَّات المسلمين تراقب البحر بكلِّ يقظةٍ ، واهتمامٍ.
ثانياً : فتح بلاد النُّوبة :
كان عمرو بن العاص قد شرع في فتح بلاد النُّوبة بإذنٍ من الخليفة عمر ، فوجد حرباً لم يتدرَّب عليها المسلمون، وهي الرَّمي بالنِّبال في أعين المحاربين، حتَّى فقدوا مئةً وخمسين عيناً في أوَّل معركةٍ، ولهذا قبل الجيش الصُّلح، ولكن عمرو ابن العاص رفض ذلك للوصول إلى شروطٍ أفضل، وعندما تولَّى ابن سعد ولاية مصر غزا النُّوبة في عام إحدى وثلاثين هجريَّة ، فقاتله الأساود من أهل النُّوبة قتالاً شديداً، فأصيبت يومئذٍ عيونٌ كثيرةٌ من المسلمين ، فقال شاعرهم :
لَمْ تَرَ عَيْنٌ مِثْلَ يَوْمِ دُمْقُلَة وَالْخَيْلُ تَعْدُو بالدُّرُوعِ مُثْقَلة فسأل أهل النُّوبة عبد الله بن سعدٍ المهادنة ، فهادنهم الهدنة ، وبقيت إلى ستة قرونٍ، وعقد لهم عقداً يضمن لهم استقلال بلادهم ويحقِّق للمسلمين الاطمئنان إلى حدودهم الجنوبيَّة ، ويفتح النُّوبة للتِّجارة والحصول على عدد من الرَّقيق في خدمة الدَّولة الإسلاميَّة ، وقد اختلط المسلمون بالنُّوبة ، والبجَّة ، واعتنق كثيرٌ منهم الإسلام.
ثالثاً : فتح إفريقية :
كان من مقاصد عمرو بن العاص رضي الله عنه لبرقة ، وطرابلس ، وبقيَّة مناطق ليبيا ، فتح البلاد ، وإزالة الطَّاغوت الرُّوماني عن قلوب العباد ، حتَّى تتَّضح لهم السُّبل، وتفترق لهم الطُّرق، وتصبح حرية الاختيار في متناول تلك الشُّعوب ، وبعد تلك الحملة المباركة الّتي كانت سبباً في دخول ذلك النُّور إلى تلك المناطق المظلمة بعبادة الأصنام ، والتقرُّب إليها بالقرابين ، واتِّخاذ الأنداد ، والأرباب من البشر من دونه سبحانه وتعالى ، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد . وعن حملة عبد الله بن سعد على إفريقية، يقول الدَّكتور صالح مصطفى: «وفي سنة 26هـ/ 646م عُزل عمرو بن العاص رضي الله عنه عن ولاية مصر ، واستعمل عليها عبد الله ابن سعدٍ رضي الله عنه وكان عبد الله بن سعدٍ يبعث جرائد الخيل كما كانوا يفعلون أيَّام عمرو بن العاص ، فيصيبون من أطراف إفريقية ، ويغنمون » ، وكانت جرائد الخيل تقصد إفريقية ـ تونس ـ تمهيداً لفتحها ، ومعرفة وضعها ، فكان حال هذه الجرائد أشبه ما يكون بكتائب الاستطلاع الّتي تعتبر مقدِّمة الجيش ، وعيونه.
فلمَّا اجتمعت عند عبد الله بن سعدٍ معلوماتٌ كافيةٌ عن إفريقية من ناحية مداخلها، ومخارجها ، وقوَّتها ، وعتادها ، وموقعها الجغرافيِّ الاستراتيجيِّ ؛ كتب حينئذ إلى الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفَّان يخبره بهذه المعلومات المهمَّة عن إفريقية، يستأذن بناء على تلك المعلومات بفتحها ، فكان له ما طلب .
يقول الدُّكتور صالح مصطفى : « ولمَّا استأذن عبد الله بن سعدٍ الخليفة عثمان ابن عفَّان في غزو إفريقية ؛ جمع الصَّحابة ، واستشارهم في ذلك ، فأشاروا عليه بفتحها ؛ إلا أبا الأعور سعيد بن زيدٍ، الّذي خالفه متمسِّكاً برأي عمر بن الخطَّاب في ألا يغزو إفريقية أحدٌ من المسلمين، ولمَّا أجمع الصَّحابة على ذلك ؛ دعا عثمان للجهاد ، واستعدَّت المدينة عاصمة الخلافة الإسلاميَّة لجمع المتطوِّعين ، وتجهيزهم، وترحيلهم إلى مصر ، لغزو إفريقية تحت قيادة عبد الله بن سعدٍ ، وقد ظهر الاهتمام بأمر تلك الغزوة جليّاً ، فهذا يتَّضح من الّذين خرجوا إليها من كبار الصَّحابة، ومن خيار شباب آل البيت، وأبناء المهاجرين الأوائل، وكذلك الأنصار، فقد خرج في تلك الغزوة: الحسن، والحسين، وابن عباسٍ، وابن جعفرٍ، وغيرهم.
هذا وقد خرج من قبيلة مهرة وحدها في غزوة عبد الله بن سعدٍ ستُّمئة رجلٍ ، وَمِنْ غنث سبعمئة رجلٍ ، ومن ميدعان سبعمئة رجل ، وعندما بات الاستعداد تامّاً؛ خطب عثمان فيهم ، ورغَّبهم في الجهاد ، وقال لهم : لقد استعملت عليكم الحارث بن الحكم إلى أن تقدموا على عبد الله بن سعدٍ ، فيكون الأمر إليه ، وأستودعكم الله .
ويقال : إن عثمان رضي الله عنه قد أعان في هذه الغزوة بألف بعيرٍ يحمل عليها ضعفاء النَّاس ، وعندما وصل هذا الجيش إلى مصر ، انضمَّ إلى جيش عبد الله بن سعدٍ، وتقدَّم من الفسطاط تحت قيادة عبد الله ذلك الجيش الّذي يقدَّر بعشرين ألفاً ، يخترق الحدود المصريَّة اللِّيبية ، وعندما وصلوا إلى برقة ، انضمَّ إليهم عقبة ابن نافع الفهريُّ ، ومن معه من المسلمين ، ولم يواجه الجيش الإسلاميُّ أيَّة صعوبةٍ أثناء سيرهم في برقة ، وذلك لأنَّها ظلَّت وفيَّةً لما عاهدت المسلمين عليه من الشُّروط زمن عمرو بن العاص ، حتَّى إنَّه لم يكن يدخلها جابي الخراج ، وإنَّما كانت تبعث بخراجها إلى مصر في الوقت المناسب ، وممَّا يؤكد بقاء برقة على عهدها لعمرو بن العاص ما ذكر : أنَّه سُمعَ يقول : قعدت مقعدي هذا ، وما لأحدٍ من قبط مصر عليَّ عهدٌ إلا أهل أنطابلس، فإنَّ لهم عهداً يوفَّى لهم به ، كما أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: ولولا ما لي بالحجاز ؛ لنزلت برقة ، فما أعلم منزلاً أسلم ، ولا أعزل منها.
وهكذا انطلقت هذه الحملة المباركة نحو إفريقية ، وكان ذلك بعد انضمام قوَّات عقبة بن نافع إليها ، إلا أنَّ عبد الله بن سعدٍ قائد الحملة ما فتئ يرسل الطَّلائع ، والعيون في جميع الاتجاهات لاستكشاف الطُّرق ، وتأمينها ، ورصد تحرُّكات العدوِّ وضبطها ، تحسباً لأيِّ كمينٍ ، أو مباغتةٍ تطرأ على حين غفلةٍ ، فكان من نتائج تلك الطَّلائع الاستطلاعية أن تمَّ رصد مجموعات من السُّفن الحربيَّة تابعة للإمبراطورية الرُّومانية ، حيث كانت هذه السُّفن الحربيَّة قد رست في ساحل ليبيا البحري بالقرب من مدينة طرابلس ، فما هي إلا برهةٌ من الزَّمن حتى كان ما تحمله هذه السُّفن غنيمةً للمسلمين ، وقد أسروا أكثر من مئة من أصحابها ، وتعتبر هذه أوَّل غينمةٍ ذات قيمةٍ أصابها المسلمون في طريقهم لفتح إفريقية. وواصل عبد الله ابن سعدٍ السَّير إلى إفريقية ، وبثَّ طلائعه ، وعيونه في كلِّ ناحيةٍ ، حتَّى وصل جيشه إلى مدينة سبيطلة بأمانٍ ، وهناك التقى الجمعان ، جيش المسلمين بقيادة عبد الله بن سعدٍ ، وجيش جرجير حاكم إفريقية ، وكان تعداد جيشه يبلغ حوالي مئة وعشرين ألفاً .
وكان بين القائدَين اتِّصالاتٌ مستمرةٌ ، ورسائل متبادلةٌ ، فحواها عرض الدَّعوة الإسلامية على جرجير، ودعوته للدُّخول في الإسلام، ويستسلم لأمر الله سبحانه، أو أن يدفع الجزية، ويبقى على دينه خاضعاً لسيادة الإسلام، ولكنَّ كلَّ تلك العروض رفضها، وأصرَّ، واستكبر هو وجنوده؛ وضاق الأمر بالمسلمين فنشبت المعركة بين الجمعين ، وحمي الوطيس بينهما لعدَّة أيَّامٍ، حتَّى وصل مددٌ بقيادة عبد الله بن الزُّبير، وكانت نهاية هذا المستكبر الطَّاغي جرجير على يديه.
ولمَّا رأى الرُّوم الّذين بالسَّاحل ما حل بجرجير ، وأهل سبيطلة ؛ غارت أنفسهم، وتجمَّعوا ، وكاتب بعضهم بعضاً في حرب عبد الله بن سعدٍ إيَّاهم ، فخافوه، وراسلوه، وجعلوا له جعلاً على أن يرتحل بجيشه ، وألا يعترضوه بشيءٍ ، ووجَّهوا إليه ثلاثمئة قنطارٍ من الذَّهب في بعض الرِّوايات ، وفي البعض الاخر مئة قنطارٍ ، جزيةً في كلِّ سنةٍ على أن يكفَّ عنهم ، ويخرج من بلادهم ، فقبل ذلك منهم ، وقبض المال ، وكان في شرط صلحهم أنَّ ما أصاب المسلمون قبل الصُّلح فهو لهم، وما أصابوه بعد الصُّلح ردَّه عليهم ، وانصرف راجعاً إلى مصر بعد أن أقام بإفريقية سنةً وثلاثة أشهر، أو سنةً وشهراً في روايةٍ أخرى.
وعندما وصل عبد الله بن سعدٍ إلى طرابلس ؛ وافته المراكب ، فحمل فيها أثقال جيشه ، وقصد هو وأصحابه مصر سالمين ، ووجَّه إلى عثمان بن عفَّان رضي الله عنه الأموال الّتي معه من الخمس وغيره ، ومن المرجَّح أن تكون السُّفن الّتي وافته في طرابلس من السُّفن الّتي غنمها المسلمون في سورية، والإسكندريَّة، إذ يذكر إرشيبالد: أنَّه قد سهَّل على العرب بفضل استيلائهم على دور الصِّناعة البيزنطية في الإسكندرية وسورية سليمةً أن تكون لديهم سفنٌ حربيَّةٌ، إما حاضرةٌ، وإمَّا سهلة الإنشاء، بيد أنَّ هناك رواياتٍ تنصُّ على عودة عبد الله بن سعدٍ لإفريقية بعد وصوله إلى مصر، وذلك حين نقض أهلها العهد، وكان ذلك في سنة ثلاثٍ وثلاثين، فانتصر عليهم وقام بتثبيت دعائم النِّظام الإسلاميِّ هناك ، وأقرَّ أهلها على الإسلام، أو الجزية.
يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf