الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

واجبات الولاة في عهد عثمان بن عفان

الحلقة السابعة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م

1ـ إقامة أمور الدِّين ، ومن أبرز تلك الواجبات :
أ ـ نشر الدِّين الإسلاميِّ بين النَّاس :
حيث اختصَّ ذلك العصر بفتوحاتٍ عظيمةٍ، اقتضت من الولاة العمل على نشر الدِّين في البلاد المفتوحة مستعينين بمن معهم من الصَّحابة، وقد كان الولاة يقومون بهذه المهمَّة مع وجود مَنْ يساعدهم في بداية الفتوح في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثمَّ بدأت الأمصار تعتمد على معلِّمين، وفقهاء قدموا لهذه المهمَّة بعد التوسُّع ، وبناء الأمصار في عهد عمر ، وقد تأكَّد وجود المعلِّمين بعد ذلك خلال الفترة الأخيرة من خلافة عمر ، وخلال فترة خلافة عثمان ، وعليٍّ ، وذلك لكثرة السُّكان في الأمصار وكثرة طلاب العلم وانشغال الولاة بأمورٍ مختلفةٍ ، وتوسُّع الولايات حيث كانت تتبع الولاية الواحدة العديد من الأمصار التي كان النَّاس فيها بحاجةٍ إلى فقهاء، ومعلِّمين.
ب ـ إقامة الصَّلاة :
كان الخليفة نفسه طيلة عصر الخلفاء الرَّاشدين الأربعة هو الّذي يقيم صلاة الجمعة ، والجماعة ، والأعياد في البلد الّذي يقيم فيه ، ويخطب في النَّاس الجمعة ، والأعياد ، والمناسبات الأخرى ، وكذلك نوَّابه يقومون بهذه المهمَّة في أمصارهم ، وطيلة عهد الخلفاء الرَّاشدين كان الولاة يخطبون في النَّاس بأنفسهم ، ويؤمُّونهم في الصَّلاة.
ج ـ حفظ الدِّين وأصوله :
كان الخلفاء الرَّاشدون بعد وفاة الرَّسول (ﷺ) يشعرون بعظم الواجب الملقى عليهم في حفظ الدِّين على أصوله الصَّحيحة الّتي نزلت على رسول الله (ﷺ) ، وكانوا يعملون جاهدين في إحياء سنَّة الرَّسول ، والقضاء على البدع ، والعمل على احترام دين الله ، واحترام رسوله (ﷺ) ، وردّ كيد مَنْ يحاولون الدَّسَّ على هذا الدِّين ، وقد عمل عثمان رضي الله عنه على كتابة المصحف الشَّريف وإرسال نسخ منه إلى الأمصار ، وأمر ولاته بإحراق ما لدى النَّاس من مصاحف أخرى من قبيل المحافظة على أهمِّ أصول الدِّين ، وهو القرآن الكريم، وقد بذل ولاة عثمان جهوداً كبيرةً في محاربة السَّبئيَّة ؛ الّذين جاؤوا بأراء غريبةٍ على الإسلام ، وضيَّقوا عليهم ، وطاردوهم. وعلى العموم فإنَّ المحافظة على الدِّين ، واحترامه كان من أهمِّ الواجبات الموكلة إلى الولاة.
د ـ تخطيط وبناء المساجد :
حينما وصل الرَّسول (ﷺ) إلى قُباء ؛ قام ببناء أوَّل المساجد في الإسلام ، وبعد وصوله إلى المدينة بدأ الرَّسول بناء مسجده فيها ، وحينما كان الرَّسول يبعث بالولاة إلى البلدان كان هؤلاء الولاة يقومون ببناء المساجد فيها ، واستمرَّ الخلفاء الرَّاشدون بعد ذلك في بناء المساجد في البلدان ، والأمصار الّتي فتحها المسلمون ، وإن كان الولاة لم يقوموا بتأسيس جميع هذه المساجد ، فإنَّ لهم دوراً في إنشاء المساجد الرَّئيسيَّة في معظم البلدان التَّابعة لولاياتهم ، وخصوصاً الجوامع منها.

هـ تيسير أمور الحجِّ :
كان الولاة على البلدان في صدر الإسلام مسؤولين عن تيسير أمور الحجِّ في ولاياتهم ، وتأمين سلامة الحجَّاج منها ، فقد كان الولاة يعيِّنون الأمراء على قوافل الحجِّ ، ويحدِّدون لهم أوقات السَّفر ، حيث لا يغادر الحُجَّاج بلدانهم إلا بإذن الوالي، ولم يكتف بعض الأمراء بأمور التَّرتيب بل نجد منهم مَنْ عمل على تأمين المياه في الأماكن الّتي يسلكها الحجَّاج من ولايته ، فهذا عبد الله بن عامر بن كريز أجرى المياه في طريق حجَّاج البصرة حينما كان عاملاً عليها لعثمان بن عفَّان ، حيث أوجد المياه في الطَّريق من البصرة إلى مكَّة، وأكَّد الفقهاء بعد ذلك أن تسيير الحُجَّاج عملٌ من مهام الوالي من بلده . يقول الماورديُّ : أمَّا تسيير الحجيج ؛ فداخلةٌ في أحكام إمارته ؛ لأنَّه من جملة المعونات الّتي تنسب إليه.
و ـ إقامة الحدود الشرعية :
إنَّ إقامة الحدود على المخالفين لأوامر الله ، وسنَّة رسوله (ﷺ) واجبٌ دينيٌّ ملقى على الولاة ، وهو من أهم الأمور الموكلة إليهم ، سواءٌ منها الحدود المتعلِّقة بمن يتعرَّض لمنافع المسلمين العامَّة ، أو من يتعرَّض بالضَّرر لأقوامٍ معيَّنين، وقد قام عثمان وولاته بإقامة الحدود الشَّرعية في عهده ، رضي الله عنه .
2 ـ تأمين النَّاس في بلادهم :
المحافظة على الأمن في الولاية من أعظم الأمور الموكلة إلى الوالي ، وفي سبيل تحقيق ذلك فإنَّه يقوم بالعديد من الأمور ، أهمُّها : إقامة الحدود على العصاة ، والفسَّاق، ممَّا يحدُّ من الجرائم الّتي تهدِّد حياة النَّاس ، وممتلكاتهم ، وبالتَّالي تقل الحوادث الأمنيَّة من القتل ، أو السَّرقة ، أو قطع الطَّريق ، وما إلى ذلك ، بل الأمر أيضاً يشمل ما يلقيه النَّاس من أقوالٍ ضدَّ بعضهم البعض من قذفٍ، وغيره، فإنَّ إقامة الحدِّ فيها يمنع من الاعتداء الأدبيِّ على النَّاس في أعراضهم ، ومحارمهم، ولم يقتصر الأمر على تأمين النَّاس بعضهم من بعضٍ، بل إنَّ العمَّال وبأمرٍ من الخلفاء يعملون على تأمين رعاياهم من الحشرات ، والهوامِّ ، كالعقارب ، وغيرها، يقول البلاذريُّ : كتب عامل نصيبين إلى معاوية ؛ وهو عامل عثمان على الشَّام ، والجزيرة يشكو إليه: أنَّ جماعةً من المسلمين ممَّن معه أصيبوا بالعقارب ، فكتب إليه يأمره أن يوظِّف على أهل كلِّ حيِّزٍ من المدينة عدَّةً من العقارب مسمَّاةً في كلِّ ليلةٍ ، ففعل ، وكانوا يأتونه بها ، فيأمر بقتلها.
3ـ الجهاد في سبيل الله :
إنَّ السِّمة العامَّة لعهد الخلفاء الرَّاشدين : أنَّ الولاة هم قادة الجهاد في تلك البلدان ، كما أنَّ الولاة في عهد عثمان رضي الله عنه كان لهم دورٌ كبيرٌ في الفتوح، ومنهم عبد الله بن عامر بن كريز ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو موسى الأشعريُّ ؛ الّذين واصلوا الفتوح في المشرق ، ومثل عبد الله بن سعد بن أبي السَّرح الّذي واصل الفتوح في شمال إفريقية ، ومعاوية بن أبي سفيان الّذي واصل الفتوح في نواحي أرمينية ، وبلاد الرُّوم .
وهكذا فإنَّنا نرى : أنَّ الأمراء في عهد الخلفاء الرَّاشدين كانوا مع إدارتهم لبلادهم مجاهدين لنواحي العدوِّ ، ولم يمنعهم ذلك من القيام بأعمالهم الموكلة إليهم ، ولا شكَّ : أنَّ الجهاد كان مصحوباً بعمليَّات معيَّنةٍ ، تخدم الشُّؤون العامَّة له ، وقد تحدَّثت المصادر التَّاريخيَّة عن أهم هذه الأعمال الّتي جرت من قبل الأمراء ، منها:
أ ـ إرسال المتطوعين إلى الجهاد :
فقد كان ولاة اليمن ، والبحرين ، ومكَّة ، وعُمَان يبعثون بالمجاهدين خلال عهد أبي بكرٍ ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم .

ب ـ الدِّفاع عن الولاية ضدَّ الأعداء :
كان ولاة الشَّام يدافعون الرُّوم طيلة عهد الخلفاء الرَّاشدين ، وكذلك الحال عند ولاة العراق ؛ الّذين دافعوا الفرس حتَّى تمكَّنوا من قتل آخر ملوكهم في عصر الخليفة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه .
جـ تحصين البلاد :
كان عثمان رضي الله عنه يأمر بتحصين السَّواحل ، وشحنها ، وإقطاع القطائع لمن ينزلها من المسلمين للمساعدة في شحنها بالرِّجال.
د ـ تتبع أخبار الأعداء :
فقد قام الولاة بتتبُّع أخبار الأعداء وتوجيه الضَّربات الموجعة إليهم ، واستطاعوا أن يخترقوا صفوفهم ، ويزرعوا عيوناً تابعةً لهم .
هـ إمداد الأمصار بالخيل :
كانت الخيل ذات أهمِّيةٍ خاصَّةٍ في الجهاد ، وقد اهتمَّ المسلمون بتربيتها منذ أيَّام الرسول (ﷺ) واعتنوا بها عنايةً خاصَّةً ، وقد وضع عمر سياسةً عامَّة في الدَّولة لتوفير الخيل اللازمة للجهاد في الأمصار الإسلاميَّة حسب حاجتها، وسار عثمان رضي الله عنه على نفس السِّياسة العمريَّة في اهتمامه بالخيل ، فقد كانت هذه الخيول مجهَّزةً للدِّفاع الفوريِّ عن الدَّولة الإسلاميَّة .

و ـ تعليم الغلمان ، وإعدادهم للجهاد :
اهتمَّ الخلفاء الرَّاشدون بتربية الأولاد ، وتعليمهم ما يفيدهم في حياتهم الجهاديَّة مستقبلاً .
ز ـ متابعة دواوين الجند :
سار عثمان رضي الله عنه على نهج السِّياسة العمريَّة في اهتمامه بدواوين الجند ، وقد اهتمَّ رضي الله عنه اهتماماً خاصّاً بدواوين الأمصار ؛ لاعتقاده بأنَّ أهل الأمصار أحوج النَّاس للضَّبط ، خصوصاً القريبة من الأعداء ، وهي الأمصار الّتي تحتاج إلى الجنود باستمرار ، وقد كان الولاة على البلدان مسؤولين مباشرة عن دواوين الجند رغم وجود بعض الموظَّفين الاخرين ؛ الّذين يتولَّون مهمَّتها ، ولكن باعتبار أنَّ هؤلاء الولاة هم أمراء الحرب ؛ فقد كانت مسؤوليَّتهم عن الدَّواوين في بلدانهم كمسؤوليَّة الخليفة باعتبارهم نواباً.
ح ـ تنفيذ المعاهدات :
إنَّ الفتوح الإسلاميَّة في عهد الخلفاء الرَّاشدين صاحبتها مراسلاتٌ مع الأعداء، ومعاهداتٌ ، ومصالحاتٌ كثيرةٌ بين المسلمين وأهل البلاد المفتوحة ، وقد كان الأمراء على البلدان بصفتهم قادة الجند مسـؤولين مباشرةً عن عقد مثل هذه المصالحات ، وعن تنفيذها.
4ـ بذل الجهد في تأمين الأرزاق للنَّاس :
اتَّبع الخلفاء الرَّاشدون منذ عصر أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه طريقةً جديدةً لتوزيع الأعطيات على المسلمين من موارد بيت المال المختلفة ، وقد كانت في البداية غير محدودةٍ بأوقاتٍ معيَّنةٍ ، ولكن في عهد عمر رضي الله عنه تغيَّرت بعد وضعه للدَّواوين في الأمصار المختلفة ، حيث بدأ توزيع الأعطيات يأخذ شكلاً دوريّاً منتظماً، سار عليه عثمان رضي الله عنه ، ولم يكتف الخلفاء وولاتهم في العهد الرَّاشدي بتأمين الطَّعام ، ومراقبة الأسواق فقط ، بل إنَّ السَّكن ، وتوزيعه كان من المهامِّ الموكلة لأمراء البلدان ، كما كان الأمراء يشرفون على تقسيم البيوت في المدن المفتوحة.
5ـ تعيين العمال والموظَّفين :
كان تعيين العمال ، والموظَّفين في الوظائف التَّابعة للولاية في كثير من الأحايين من مهامِّ الوالي؛ حيث إنَّ الولاية في الغالب تتكوَّن من بلد رئيسيٍّ إضافة إلى بلدان، وأقاليم أخرى تابعةٍ للولاية، وهي بحاجةٍ إلى تنظيم أمورها، فكان الولاة يعيِّنون من قبلهم عمالاً وموظَّفين في تلك المناطق ، وفي عصر عثمان رضي الله عنه أصبح هؤلاء العمَّال التَّابعون للولاة يحكمون مناطق كبيرة ، نظراً لتوسُّع الولايات نتيجة الفتوح ، وانضمام أقاليم كبيرةٍ بأكملها إلى ولاياتٍ كانت محدَّدةً في السَّابق ، كالبصرة، والكوفة ، والشَّام ، وغيرها ، وبالتَّالي فإنَّ توزُّع العمَّال ، وإداراتهم ، وتنظيمهم كان مهمَّةً كبيرةً ، من المهامِّ الّتي يقوم بها ولاة البلدان.
6ـ رعاية أهل الذِّمَّة :
كانت رعاية أهل الذِّمَّة ، واحترام عهودهم ، والقيام بحقوقهم الشَّرعيَّة ، ومطالبتهم بما عليهم للمسلمين من واجباتٍ ، وتتبُّع أحوالهم ، وأخذ حقوقهم ممَّن يظلمهم انطلاقاً من الأوامر الشَّرعيَّة في هذا الجانب من واجبات الوالي.
7ـ مشاورة أهل الرَّأي في ولايته :سار الخلفاء على نهج الرَّسول (ﷺ) في مشاورة أهل الرَّأي من الصَّحابة ؛ حيث كانوا يعقدون مجالس لكبار الصَّحابة، يستشيرونهم في مختلف الأمور، كما كانوا يأمرون ولاتهم باستشارة أهل الرَّأي في بلادهم، وكان الولاة يطبِّقون ذلك ويعقدون مجالس للنَّاس لأخذ أرائهم.


8 ـ النظر في حاجة الولاية العمرانيَّة :
اشتهر عن الخلفاء الرَّاشدين وولاتهم عنايتهم بحاجة السُّكان في النَّواحي العمرانيَّة والزِّراعيَّة ، وفي عهد عثمان رضي الله عنه قام عبد الله بن عامر واليه على البصرة بحفر الابار ، والعيون ليس في ولاية البصرة فحسب ، بل في أماكن أخرى عديدةٍ.
9 ـ مراعاة الأحوال الاجتماعيَّة لسكَّان الولاية :
كان الولاة من منطلق تعاليم الإسلام الشَّاملة يراعون هذا الجانب بكلِّ ما فيه من تعليمات ، إلا أنَّ ولاة ذلك العصر ، وبتوجيهٍ من الخلفاء الرَّاشدين ، قاموا ببعض الأعمال الاجتماعيَّة الّتي يصعب أن يقوم بها مَنْ هُمْ في مثل منصبهم ، كما حرص الخلفاء على أن يُنزلوا النَّاس على منازلهم ، وأن يحترم الولاة أهل الشَّرف، والسَّابقة في الإسلام ، ومن ذلك ، أنَّ عامل عثمان على الكوفة كتب إليه يشكو من غلبة الأعراب ، والرَّوادف على أهل الشَّرف ، والبلاء ، والسَّابقة في الإسلام، فكتب إليه عثمان : أمَّا بعد : ففضِّل أهل السَّابقة ، والقدمة ممَّن فتح الله عليه تلك البلاد ، وليكن من نزلها بسببهم تبعاً لهم ، إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحقِّ ، وتركوا القيام به ، وقام به هؤلاء ، واحفظ لكلٍّ منزلته ، وأعطهم جميعاً بقسطهم من الحقِّ ، فإنَّ المعرفة بالنَّاس بها يصاب العدل.
10ـ أوقات عمل الوالي :اشتُهر عن الوليد بن عقبة والي عثمان على الكوفة : أنَّه لم يكن لداره بابٌ ، وأنَّه كان يستقبل النَّاس في جميع الأوقات ، وهذا يدلُّ على تمتُّع النَّاس بحرِّيَّة مراجعة الأمير من غير حرج متى ما أرادوا ذلك لحاجةٍ، فقد كان للوالي قسمٌ تابعٌ لبيته مفتوحٌ للناس متى أرادوا المجيء إليه ، مفصولٌ عن أهله ، وأولاده.

يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022