من أحاديث الرسول (ﷺ) في عثمان بن عفان رضي الله عنه
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة السابعة
فيما ورد في فضائله مع غيره :
1ـ افتح له وبشره بالجنَّة على بلوى تصيبه :
عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت مع النَّبيِّ (ﷺ) في حائطٍ من حيطان المدينة ، فجاء رجل ، فاستفتح ، فقال النَّبيُّ (ﷺ) : « افتح له ، وبشِّره بالجنَّة » . ففتحت له ؛ فإذا هو أبو بكر ، فبشَّرته بما قال رسول الله ، فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح ، فقال النبي (ﷺ) : « افتح له وبشره بالجنة » . ففتحت له ؛ فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النَّبيُّ (ﷺ) ، فحمد الله . ثمَّ استفتح رجلٌ ، فقال لي : « افتح له وبشِّره بالجنَّة على بلوى تصيبه » . فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله (ﷺ)، فحمد الله، ثمَّ قال : الله المستعان.
هذا الحديث تضمَّن فضيلة هؤلاء الثَّلاثة المذكورين ، وهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ؛ وأنَّهم من أهل الجنَّة ، كما تضمَّن فضيلةً لأبي موسى . وفيه دلالة على جواز الثَّناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه الإعجاب ونحوه . وفيه معجزةٌ ظاهرةٌ للنَّبيِّ (ﷺ) لإخباره بقصَّة عثمان ، والبلوى ، وأنَّ الثَّلاثة يستمرُّون على الإيمان ، والهدى.
2ـ اسكن أُحُد فليس عليك إلا نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان :
عن أنسٍ رضي الله عنه قال : صعد النَّبيُّ (ﷺ) أحداً ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فَرَجَف ، فقال : « اسكن أحد ـ أظنُّه ضربه برجله ـ فليس عليك إلا نبيٌّ ، وصدِّيقٌ ، وشهيدان ».
3ـ اهدأ فما عليك إلا نبيٌّ ، أو صديقٌ ، أو شهيدٌ :
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله (ﷺ) كان على حراء ، وأبو بكر، وعمر ، وعثمان ، وعليٌّ ، وطلحة ، والزُّبير ، فتحرَّكت الصَّخرة ، فقال رسول الله (ﷺ) : « اهدأ فما عليك إلا نبيٌّ ، أو صدِّيقٌ ، أو شهيدٌ » .
4ـ حياء عثمان رضي الله عنه :
عن يحيى بن سعيد بن العاص : أنَّ سعيد بن العاص أخبره : أنَّ عائشة زوج النَّبيِّ (ﷺ) وعثمان حدَّثاه : أنَّ أبا بكر استأذن على رسول الله (ﷺ) وهو مضطجعٌ على فراشه لابسٌ مِرْطَ عائشة ، فأذن لأبي بكرٍ ؛ وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ، ثمَّ انصرف ، ثم استأذن عمر ، فأذن له ، وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته، ثمَّ انصرف ، قال عثمان : ثم استأذنت عليه ، فجلس ، وقال لعائشة : « اجمعي عليك ثيابك » . فقضيت إليه حاجتي ، ثمَّ انصرفت ، فقالت عائشة : يا رسول الله ! ما لي لم أرَكَ فزعت لأبي بكرٍ ، وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان ؟ ! قال رسول الله (ﷺ) : « إن عثمان رجلٌ حَييٌّ ، وإنِّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال ألا يبلغ إليَّ في حاجته » .
5ـ استحياء الملائكة من عثمان :
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة قالت: كان رسول الله (ﷺ) مضطجعاً في بيتي، كاشفاً عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدَّث، ثمَّ استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدَّث، ثمَّ استأذن عثمان، فجلس رسول الله (ﷺ) وسوَّى ثيابه. قال محمد ـ أحد رواة الحديث ـ ولا أقول ذلك في يومٍ واحدٍ ـ فدخل فتحدَّث، فلمَّا خرج؛ قالت عائشة: دخل أبوبكر ، فلم تَهْتَشَّ له ، ولم تُبَالِهِ ، ثمَّ دخل عمر ، فلم تَهْتَشَّ له ، ولم تُبالِهِ ، ثمَّ دخل عثمان، فجلستَ، وسوَّيت ثيابك! فقال: «ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟!».
قال المناوي : مقام عثمان مقام الحياء ، والحياء فرعٌ يتولَّد من إجلال من يشاهده، ويعظِّم قدره، مع نقصٍ يجده في النَّفس، فكأنَّه غلب عليه إجلال الحقِّ تعالى، ورأى نفسه بعين النَّقص، والتقصير ، وهما من جليل خصال العباد المقرَّبين ، فَعَلَتْ رتبة عثمان كذلك ، فاستحيت منه خلاصة الله من خلقه، كما أنَّ من أحبَّ الله؛ أحبَّ أولياءه، ومن خاف الله؛ خاف منه كلُّ شيءٍ.
6ـ أصدقها حياءً عثمان :
عن أنس بن مالكٍ ، قال : قال رسول الله (ﷺ) : « أرحم أمَّتي أبو بكرٍ ، وأشدُّها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان ، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقرأها لكتاب الله أبيٌّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ، ولكلِّ أمة أمينٌ ، وأمين هذه الأمَّة أبو عبيدة بن الجراح ».
إخبار رسول الله عن الفتنة الّتي يُقتل فيها عثمان :
1ـ من نجا من ثلاثٍ فقد نجا :
عن عبد الله بن حوالة : أنَّ رسول الله (ﷺ) قال : « من نجا من ثلاثٍ ؛ فقد نجا ـ ثلاث مرَّات ـ : موتي ، والدَّجال ، وقتل خليفة مصطبرٍ بالحقِّ ، معطيه ».
ومعلوم : أنَّ الخليفة الّذي قتل مصطبراً بالحقِّ هو عثمان ، فالقرائن تدلُّ على أنَّ الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن عفَّان رضي الله عنه وفي الحديث ـ والله أعلم ـ لفتةٌ عظيمةٌ إلى أهمِّيَّة السَّلامة من الخوض في هذه الفتنة حسِّياً، ومعنوياً، أمَّا حسِّياً فذلك يكون في زمن الفتنة، من تحريضٍ ، وتأليبٍ ، وقتلٍ ، وغير ذلك ، وأمَّا معنوياً فبعد الفتنة من خوض فيها بالباطل، وكلامٍ فيها بغير حقٍّ، وبهذا يكون الحديث عامَّاً للأمَّة، وليس خاصّاً بمن أدرك الفتنة.
2ـ يقتل فيها هذا المقنَّع يومئذٍ :
عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله (ﷺ) فتنةً ، فمرَّ رجلٌ ، فقال : « يقتل فيها هذا المقنَّع يومئذٍ مظلوماً » ، قال : فنظرت ، فإذا هو عثمان بن عفَّان.
3ـ هذا يومئذٍ على الهدى :
عن كعب بن عجرة ، قال : ذكر رسول الله فتنةً ، فقربها ، فمرَّ رجلٌ مقنِّعٌ رأسه ، فقال رسول الله (ﷺ) : « هذا يومئذٍ على الهدى » . فوثبتُ ، فأخذت بضبعي عثمان ، ثم استقبلت رسول الله (ﷺ) فقلت : هذا ؟ قال : « هذا » .
4ـ تهيج فتنةٌ كالصَّياصي ، فهذا ومن معه على الحقِّ :
عن مرَّة البهزيِّ، قال: كنت عند رسول الله (ﷺ)، وقال بهز ـ من رواة الحديثـ: قال رسول الله (ﷺ) : « تهيج فتنةٌ كالصَّياصي ، فهذا ومن معه على الحقِّ » . قال: فذهبت ، فأخذت بمجامع ثوبه ، فإذا هو عثمان بن عفَّان رضي الله عنه.
5ـ هذا يومئذٍ وأصحابه على الحقِّ ، والهدى :
عن أبي الأشعث قال: قامت خطباء بإيلياء في إمارة معاوية رضي الله عنه فتكلَّموا، وكان آخر من تكلَّم مرَّة بن كعب ، فقال : لولا حديثٌ سمعته من رسول الله (ﷺ) ؛ ما قمت ، سمعت رسول الله (ﷺ) يذكر فتنةً ، فقرَّبها ، فمرَّ رجلٌ مقنَّعٌ ، فقال: « هذا يومئذٍ وأصحابه على الحقِّ ، والهدى » . فقلت : هذا يا رسول الله ؟ ! وأقبلت بوجهه إليه ، فقال : « هذا » فإذا هو عثمان رضي الله عنه.
6ـ عليكم بالأمين وأصحابه :
عن أبي حبيبة : أنَّه دخل الدَّار وعثمان محصورٌ فيها ، وأنَّه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام ، فأذن له ، فقام ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثمَّ قال : إنِّي سمعت رسول الله يقول : « إنكم تلقون بعدي فتنةً ، واختلافاً ـ أو قال ـ : اختلافاً ، وفتنة » . فقال له قائلٌ من النَّاس : فمن لنا يا رسول الله ؟ ! قال : « عليكم بالأمين وأصحابه » وهو يشير إلى عثمان بذلك.
7ـ فإن أرادك المنافقون على خلعه ؛ فلا تخلعه :
عن عبد الله بن عامرٍ ، عن النُّعمان بن بشير ، عن عائشة ، قالت : أرسل رسول الله (ﷺ) إلى عثمان ، فأقبل عليه رسول الله (ﷺ) ، فلمَّا رأينا رسول الله (ﷺ) أقبلت إحدانا على الأخرى ، فكان من اخر كلامه كلمة أن ضرب بين منكبيه، وقال : « يا عثمان ! إن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ عسى أن يلبسك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتَّى تلقاني » ثلاثاً .
8 ـ إنَّ رسول الله (ﷺ) عهد إليَّ عهداً ، وإنِّي صابرٌ نفسي عليه :
عن أبي سهلة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله (ﷺ) : « ادعوا لي بعض أصحابي » . قلت : أبو بكر ؟ قال : « لا » قالت : قلت : عثمان ؟ قال : « نعم ! » فلمَّا جاء ؛ قال : تنحَّيْ ، فجعل يُسَارُّه، ولون عثمان يتغيَّر ، فلمَّا كان يوم الدَّار، وحُصِرَ؛ قلنا: يا أمير المؤمنين ! ألا تقاتل ؟ قال : لا ! إنَّ رسول الله (ﷺ) عهد إلي عهداً ، وإنِّي صابرٌ نفسي عليه.
وهذا الحديث يبيِّن شدَّة محبَّة رسول الله لعثمان رضي الله عنه ، وحرصه على مصالح الأمَّة بعده ، فقد أخبره بأشياء تتعلَّق بهذه الفتنة الّتي ستنتهي بقتله ، وحرص عليه الصَّلاة والسَّلام على سرِّيَّتها ، حتَّى إنَّه لم يصل إلينا منها إلا ما صرح به عثمان رضي الله عنه أثناء الفتنة لمَّا قيل له : ألا تقاتل ؟ فقد قال : لا ، إنَّ رسول الله عهد إليَّ عهداً ، وإنِّي صابرٌ عليه.
ويظهر من قوله هذا: أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) قد أرشده إلى الموقف الصَّحيح، عند اشتعال الفتنة، وذلك أخذاً منه (ﷺ) بحجز الفتنة أن تنطلق. وفي بعض الرِّوايات زيادةٌ تكشف عن بعض مكنون هذه المسارَّة ، فقد جاء فيها : أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) قال له : « وإن سألوك أن تنخلع من قميص قمصك الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فلا تفعل ». ومضمون هذا العهد الّذي ذكره عثمان رضي الله عنه يتعلَّق بالفتنة ، والوصيَّة بالصَّبر فيها وعدم الخلع ، وإن كان يفهم من هذه الأحاديث بأنَّه سيكون خليفةً يوماً ما . ويبدو : أنَّ هناك وصايا ، وإرشادات تتعلَّق بهذه الفتنة ، انفرد بمعرفتها عثمان رضي الله عنه ، وذلك محافظةً من النَّبيِّ (ﷺ) على السِّرِّيَّة فيها ، وممَّا يبين ذلك : أنَّه أمر عائشة رضي الله عنها بالانصراف عندما أراد الإسرار بها لعثمان رضي الله عنه ، كما أنَّه أسرَّ إليه إسراراً، رغم خلوِّ المكان من غيرهما ، حتَّى تغيَّر لونه ، ممَّا يدلُّ على عظم المسرِّ به، وربط عائشة رضي الله عنها هذا الإسرار بالفتنة دليلٌ واضحٌ على أنَّ هذه المسارَّة كانت حول الفتنة الّتي قتل فيها ، كما أنَّ الإسرار تضمَّن توجيهات منه (ﷺ) إلى عثمان ؛ ليقف الموقف الصَّحيح عند عرض الخلع ، وأنَّ النَّبيَّ (ﷺ) لم يقتصر على الإخبار بوقوع الفتنة ، فقد أخبر بذلك علانيةً في أحاديث كثيرةٍ كما تقدَّم ، فإسراره يدلُّ على أنَّ هذا الإسرار تضمَّن أشياء أخرى زيادةً على الإخبار عن وقوعها، ورغب عليه الصَّلاة والسَّلام بالمحافظة على سرِّيَّتها لحكمةٍ اقتضت ذلك ـ الله أعلم بها ـ .
وهذا الحديث يفسِّر لنا جليّاً سبب إصرار عثمان على رفض القتال أثناء الحصار، كما يفسِّر أيضاً سبب رفضه للتَّنازل عن الخلافة وخلعها عندما عرض القوم عليه ذلك، وهما موقفان طالما تساءل الباحثون والمؤرِّخون عن السَّبب الّذي أدَّى عثمان إليهما ، واستشكلوهما.
وحادث فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من ضمن حوادث كثيرةٍ أخبر رسول الله في حياته بأنَّها ستقع بالغيب ، فإنَّ علم الغيب صفةٌ من صفات الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ، ليست لأحدٍ من خلقه ، وإنما ذلك علمٌ أطلعه الله عليه ، وأمره أن يبيِّنه للنَّاس، قال تعالى : {قُلْ لاَ} [ الأعراف: 188 ].
يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf