الثلاثاء

1446-07-07

|

2025-1-7

حجية قول الصحابة والخلفاء الراشدين

الحلقة الثانية والأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م

تحدث الأصوليون عن مذهب الصحابي ، وقالوا بأنه من الأدلة المختلف فيها عند الكثير منهم ، وحكى ابن القيم إجماع الأئمة الأربعة على الاحتجاج به.
إن أصحاب النبي ﷺ وخصوصاً ساداتهم تبوؤوا مكانة عالية في الفهم والإدراك؛ كما قال عنهم ابن مسعود رضي الله عنه: فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوا اثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
والشاهد من كلامه قوله: «أعمقها علماً» فهم أعمق الأمة علماً ، وأكثرهم فهماً وإدراكاً ، ونسبة علم من بعدهم إلى علمهم كنسبة فضلهم إلى فضلهم. وإذا كان هذا من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى حجة وبرهان فإنا نشير إلى بيان الأسباب التي بَوَّأهم الله بها هذه المكانة وهي:
1- تلقيهم المباشر من النبي ﷺ:
وهذا له أثره في الفهم من عدة نواح:
أ- صفاء المورد: إذ بتلقيهم من النبي ﷺ يتلقون الوحي غضاً كما أنزل ، ويسمعون كلام النبي ﷺ منه مباشرة ، فليس علمهم مشوباً بما يكدره ، بل هو محض الكتاب والسنة لم يختلط به اراء الرجال ، ولا غيره من العلوم التي فتح بابها من بعد على المسلمين كعلوم الفلسفة وغيرها.
ب- دقة الفهم؛ حيث إن معلمهم رسول الله ﷺ أفصح الناس لساناً: وأبلغهم بياناً ، وأقدرهم تفهماً ، فكيف إذا صادف ذلك اذاناً صاغية ، وقلوباً واعية ، وسليقة مواتية ، تنشد الحق ، وتتلهف لسماعه ، ولاشك أن ذلـك يجعلهم يفهمون ما يلقى إليهم فهماً دقيقاً مطابقـاً لمراد الله ورسولـه ، وهذا الأمر في غايـة الوضوح إذ الناس في حياتهـم وطلبة العلم في طلبهم يبحثون إبان تلقيهم عن أفضل العلماء علماً ، وأحسنهم تصويراً للمسائل ، وأقدرهـم تفهيمـاً ، وكم من تلميذ سطع نجمـه ، وعلا كعبه في العلم بفضل الله ثم بفضل حسن تعليم معلمـه، ونحن نعلم أن أحـداً لن يبلغ معشار ما بلغ إليه النبي ﷺ في حسن التعليم ، ولا أقل من ذلك ، وبهذا شهد معاوية بن الحكم رضي الله عنه في حسن التعليم ، حيث قال: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه.
ج- ما يحصل لهم من يقين بما سمعوا وفهموا ، فعلومهم يقينيّة: وعلوم من بعدهم يداخلها الظن في كثير من أحوالها.
د- ما يحصل لهم من اطلاع على أسباب النزول وأسباب ورود الأحاديث ومعرفة الناسخ والمنسوخ؛ مما يعينهم على فهم المراد وإدراك المقاصد.
ه- ما يحصل لهم من مشاهدة أفعال النبي ﷺ التي تفسر أقواله ، وتشرحها ، وتبين آيات القران وتوضحها ، ويوقف بها على المراد.
و- إمكانية السؤال عما أشكل عليهم ، الحصول على الجواب.
2- سليقتهم العربية: فهم يفهمون اي القران ، وأحاديث النبي ﷺ بسليقتهم، ويعرفون وجوه دلالتها على معانيها ، فلا يحتاجون إلى ما يحتاج إليه من بعدهم من دراسة قواعد اللغة وقواعد الأصول.
3- إخلاصهم لله وتقواهم: فببركة إخلاصهم نالوا العلوم الكثيرة النافعة ، في أوقات قليلة كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].
فإذا تقرر هذا فكلُّ هذه الأسباب شكلت فقهاً قوياً متماسكاً لدى أصحاب النبي ﷺ ، قال ابن القيم: بعد أن ذكر مدارك اختصوا بها - كسماعهم من النبي ﷺ وسماعهم من بعضهم ، وعلمهم بالعربية على أكمل الوجوه، قال: أما المدارك التي شاركتهم فيها من دلالات الألفاظ والأقيسـة ، فلا ريب أنهم كانوا أبـر قلوباً وأعمق علماً ، وأقل تكلفـاً ، وأقرب إلى أن يوفقوا فيهـا لما لم نوفق لـه نحن ، لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان ، وفصاحة اللسان، وسعة العلم ، وسهولة الأخذ ، وحسن الإدراك وسرعته ، وقلة المعارض أو عدمه ، وحسن المقصد ، وتقوى الرب تعالى؛ فالعربية طبيعتهـم وسليقتهم ، والمعاني الصحيحـة مركـوزة في فطرهم وعقولهم ، ولا حاجـة بهم إلى النظر في الإسنـاد وأحوال الـرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل ، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين ، بل غنوا في ذلك كله فليس في حقهم إلا أمران:
أحدهما: قال الله تعالى كذا ، وقال رسوله كذا.
والثاني: معناه كذا وكذا.
وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين ، وأحظى الأمة بهما ، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما ، وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة ، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة ، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة ، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة ، وفكرهم في كلام مصنفهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة ، إلى غير ذلك من الأمور؛ فإذا وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلَّت من السير في غيرها ، وأوهن قواهم مواصلة السير في سواها ، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب القوة.
وبما تقدم يتقرر أن أصحاب النبي ﷺ أدق فهماً وعلماً بما هيأ الله لهم من الأسباب المعينة على الفهم والعلم ، فبناء على ذلك فهم أعلم بمقاصد الشريعة ومراميها من غيرهم ، ولكون من أهم الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة: العلم بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط منها ، وهذا متوفر لدى الصحابة بلا شك على أكمل الوجوه وأحسنها. قال الشاطبي: السلف أعلم الناس بمقاصد القرآن، وقال عن الصحابة: هم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها. هذا وقد تنوعت مذاهب العلماء في حجية قول الصحابي ، وانقسمت إلى خمسة أقوال مشهورة ، وقبل أن نذكر أقوال المذاهب نحرر محل النزاع فنقول:
1- اتفق الكل على أن مذهب الصحابي في مسائل الاجتهاد لا يكون حجة على غيره من الصحابة إماماً كان أو حاكماً أو مفتياً.
2- إذا قال الصحابي قولاً ووافقه الباقون؛ فليس داخلاً في محل النزاع لكونه إجماعاً حينئذ.
3- إذا قال قولاً وانتشر ولم يخالف أحداً؛ فهذا له حكم الإجماع السكوتي.
4- اتفقوا على أن قول الصحابي ليس بحجة إذا خالفه صحابي اخر.
5- اتفقوا على أن قول الصحابي إذا رجع إلى الكتاب أو السنة أو الإجماع فإن الحجة حينئذ فيما رجع إليه.
6- اتفقوا على أن قول الصحابي إذا رجع عنه فليس بحجة ، ومحل الخلاف إذا قال الصحابي قولاً في مسألة اجتهادية تكليفية ولا ظهر له مخالف ولا موافق ، ولا ندري انتشر أم لا؟ خالف أحد أم لا؟.
واختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: إنه حجة؛ وهو قول مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية عنه ، وعليه أكثر الأصوليين والفقهاء من الحنفية ، وابن عقيل من الحنابلة، والعلائي، والخطيب البغدادي من الشافعية ، واختاره ابن القيم في إعلام الموقعين، والشاطبي في الموافقات ، وابن تيمية.
القول الثاني: إنه ليس بحجة؛ وهو قول الشافعي في أحد قوليه ، اختارها الامدي والرازي والغزالي وأحمد في رواية.
القول الثالث: إنه حجة إن كان مما لا مجال للرأي فيه فقط ، وهو قول جماعة من الأحناف.
القول الرابع: قول أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - حجة دون غيرهما.
القول الخامس: قول الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم حجة دون غيرهم.
والراجح والله أعلم هو القول الأول وأدلة الترجيح في ذلك.
أولاً: من كتاب الله تعالى:
قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
روى الحافظ ابن جرير في تفسيره لهذه الآية بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ﴾ حتى بلغ: ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ قال: وأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب ، قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا.. قال: نعم. قال: أنت سمعتها من رسول الله ﷺ قال: نعم. قال: لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، فقال أبي: تصديق هذه الآية من أول سورة الجمعة: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجمعة: 3] ، وفي سورة الحشر: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10] ، وفي الأنفال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[الأنفال: 75] ، وسبب سؤال عمر أنه كان يقرأ هذه الاية برفع الأنصار، وبعدم إلحاق الواو في الذين كما أورد ذلك ابن جرير، ثم لما تبين له من أبي بن كعب الخفض وإلحاق الواو قال: لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، يقصد المهاجرين. وهذا القول منه - رضي الله عنه - يؤيد ما ذهب إليه أصحاب القول الأول القائلين بحجية أقوال الصحابة من غير تخصيص لبعضهم ، إذ اشترك الجميع في وصف الثناء عليهم بكونهم سبقوا في كل علم وفضل وجهاد وعمل.
وهذه الاية احتج بها ابن القيم وجعلها من الأدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة، وحكي احتجاج الإمام مالك بها في هذا المعنى، وذكر أن الاية تتضمن مدح الصحابة والثناء عليهم ، واستحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين يقتدى بهم ، وتؤخذ أقوالهم ، وأنها اقتضت المدح لمن اتبعهم كلهم ، أو اتبع كل واحد منهم مالم يخالف نصاً.
ومن الأدلة: قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] ، روى ابن جرير بسنده عند تفسيره لهذه الاية عن الضحاك ، قال: هم أصحاب رسول الله ﷺ . قال ابن جرير بعد إيراده لهذا الأثر مبيناً معناه: يعني وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم، واستشهد بالآية الشاطبي حين قرر أن: سنة الصحابة - رضي الله عنهم - سنة يعمل عليها ويرجع إليها، فقال: في الآية إثبات الأفضلية على سائر الأمم ، وذلك يقتضي باستقامتهم في كل حال وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة.
وقد أفاض الإمام ابن القيم الجوزية في الاستدلال على حجية قول الصحابة بالآيات الكريمة ووجه استدلاله ، فأجاد وأفاد.
ثانياً: أما الأدلة من السنة فهي كثيرة منها:
قوله ﷺ : «خير الناس القرن الذي أنا فيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث»، فإخباره ﷺ بذلك يقتضي تقديمها في كل باب من أبواب الخير ، ولا سيما في ظفرهم بالصواب، فهم أفضل من غيرهم في كل فضيلة ، من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة ، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل ، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم من الدين بالضرورة من دين الإسلام.
وعن عبد الله بن مسعود: قال رسول الله ﷺ : «ما من نبي بعثه الله عز وجل إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره»، وقد استشهد البيهقي بهذا الحديث على أفضليتهم ومنزلتهم العالية في كل علم وعمل وقصد.
ثالثاً: الأدلة من الاثار منها:
ما روي عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أنه قال: يا معشر القراء خذوا الطريق ممن كان قبلكم ، فو الله لئن استقمتم لقد سبقتم بعيداً ، ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً. روى الخطيب بسنده عن عامر الشعبي أنه قال: ما حدثوك عن أصحاب محمد ﷺ فخذه.
رابعاً: من أقوال الأئمة والعلماء في حجية قول الصحابي:
1- قول الشافعي: ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع، إلا باتباعهما ، فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله ﷺ أو واحد منهم. وقال أيضاً: لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل ، والأصل: كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول الله ﷺ، أو إجماع الناس.
2- وقال أحمد: لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي ﷺ وأصحابه فخذ به ، ثم التابعين بعد ، الرجل فيه مخيّر.
3- وقول الإمام مالك: ومذهبه في ترجيح عمل أهل المدينة مشهور ومعلوم ، بيد أنه قد ذهب إلى أبعد من ذلك ، حين اعتبر قول الصحابة ، ولا سيما ولاة الأمر بعده محلّ احتجاج.
4- قال ابن تيمية: ومن قال من العلماء: إن قول الصحابي حجة ، فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ، ولا عرف نصاً يخالفه ، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه، كان إقراراً على القول ، فقد يقال: هذا إجماع إقراري إذا عرف أنهم أقروه ، ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل، أما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق.
5- قال الشاطبي: عند شرحه لقول النبي ﷺ : «ما أنا عليه وأصحابي»: فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنُّوه ، وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق ، وبشهادة رسول الله ﷺ لهم بذلك خصوصاً... إلى أن قالَ: فإذا كل ما سنّوه فهو سنة، من غير نظير فيه بخلاف غيرهم. وقال في الموافقات: سنة الصحابة - رضي الله عنهم - سنة يعمل عليها ويرجع إليها.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022