الثلاثاء

1446-07-07

|

2025-1-7

ولاية الشرطة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)

الحلقة السادسة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441 ه/ يناير 2020م

عندما تولى علي رضي الله عنه أمر الخلافة؛ كانت وظيفة الشرطة إحدى الوظائف المهمّة المعروفة في الدولة ، والقصص والاثار التي تحدثت عن دور الشرطة في عهد علي رضي الله عنه كثيرة؛ منها:
ما رواه أصبغ بن نباتة: أن شاباً شكا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفراً، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر ، فعادوا ولم يعد أبي ، فسألتهم عنه ، فقالوا: مات ، فسألتهم عن ماله: فقالوا: ما ترك شيئاً ، وكان معه مال كثير ، وترافعنا إلى شريح ، فاستحلفهم وخلّى سبيلهم ، فدعا علي بالشرطة ، فوكّل بكل رجل رجلين ، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم يدنو من بعض ، ولا يمكنوا أحداً يكلمهم ، ودعا كاتبه ، ودعا أحدهم ، فقال: أخبرني عن أب هذا الفتى ، أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟ وسأله عمَّن غسله ودفنه ، ومن تولّى الصلاة عليه ، وأين دفن ، ونحو ذلك ، والكاتب يكتب ، فكبّر عليّ ، وكبّر الحاضرون والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنّوا أن صاحبهم قد أقر عليهم ، ثم دعا اخر بعد أن غيَّب الأول عن مجلسه ، فسأله كما سأل صاحبه ، ثم الاخر كذلك ، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضدِّ ما أخبر به صاحبه ، ثم أمر بردِّ الأول فقال: يا عدو الله ، قد عرفت عنادك وكذبك بما سمعت من أصحابك ، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق ، ثم أمر به إلى السجن ، وكبّر وكبّر معه الحاضرون ، فلما أبصر القوم الحال لم يشكوا أن صاحبهم أقر عليهم فدعا اخر منهم ، فهدَّده ، فقال: يا أمير المؤمنين ، والله لقد كنت كارهاً لما صنعوا ، ثم دعا الجميع فأقرّوا بالقصة ، واستدعى الذي في السجن وقيل له: قد أقرّ أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق ، فأقرّ بكل ما أقرّ به القوم ، فأغرمهم المال ، وأقاد منهم القتيل. فهذه القصة تحوي معاني ودلالات كثيرة تفيد المحققين ، وتدل في الوقت نفسه على وجود السجن ، ورجال الشرطة.
هذا وقد بنى أمير المؤمنين سجناً في الكوفة سمّاه «نافعاً» لم يكن مستوثق البناء، فكان المسجونون يخرجون منه ، فهدمه وبنى بدلاً منه سجناً اخر سمّاه مخيّساً، وقد أجرى على أهل السجون ما يقوتهم من طعامهم وأدمهم وكسوتهم في الشتاء والصيف.
وكان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أصحاب شرطة؛ منهم: أبو الهياج الأسدي ، وقيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي ، ومالك بن خبيب اليربوعي، والأصبغ بن نباتة المشاجعي، وسعيد بن سارية بن مرة الخزاعي. وكان من ضمن الوظيفة الاجتماعية للشرطة: مساعدة المحتاج ، وإغاثة الملهوف ، وإرشاد التائه ، وإطعام المساكين ، وتقديم العون ، وإظهار الرفق، وغير ذلك من المساعدات الإنسانية التي يراد بها وجه الله تعالى.
ومن هنا يظهر لنا: أن الأمن في العصر الراشدي كان يقوم بدور حضاري في تقديم خدمات عامة للمجتمع ، ولم يقتصر دوره فقط على الجانب الأمني وإن كان للجانب الأمني الأهمية الكبرى.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022