خلافة أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنه
قضايا وآراء
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الحادية والعشرون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
أولا: ما يحتج به الشيعة الاثنا عشرية في أمر تحديد عدد الأئمة بما جاء في كتب السنة:
عن جابر ين سمرة قال رسول الله: يكون إثنا عشر أميراً. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم في قريش . وفي مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشرة خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها. فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش . وفي لفظ: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة ، وفي لفظ آخر: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، وعند أبي داود: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم إثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة .
وأخرجه أبو داود أيضاً من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال: وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا قال: الهرج . يتعلق الشيعة الاثني عشرية لهذا النص ويحتجون به على أهل السنة، لا لإيمانهم بما جاء في كتب السنة ، ولكن للاحتجاج عليهم بما يسلمون به، وبالتأمل في النص بكل حيدة وموضوعية نجد أن هؤلاء الاثني عشر وصفوا بأنهم يتولون الخلافة، وأن الإسلام في عهدهم يكون في عزة ومنعة، وأن الناس تجتمع عليهم ولا يزال أمر الناس ماضياً وصالحاً في عهدهم، وكل هذه الأوصاف لا تنطبق على من تدعي الاثنا عشرية فيهم الإمامة، فلم يتول الخلافة منهم إلا أمير المؤمنين علي والحسن، كما لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني عشر ـ في نظر الشيعة أنفسهم ـ بل ما زال أمر الأمة فاسداً .. ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون وأن الأئمة أنفسهم كان يتسترون في أمور دينهم بالتقية ، وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخلافة عهد تقية، كما صرح بذلك شيخهم المفيد ، فلم يستطع أن يظهر القرآن، ولا أن يحكم بجملة من أحكام الإسلام، كما صرح بذلك شيخهم الجزائري ، واضطر إلى ممالأة الصحابة ومجاراتهم على حساب الدين، كما أقرَّ بذلك شيخهم المرتضى .. فالحديث في جانب ومزاعم هؤلاء في جانب آخر، ثم أنه ليس في الحديث حصر للأئمة بهذا العدد، بل نبوة منه، بأن الإسلام لا يزال عزيزاً في عصور هؤلاء، وكان عصر الخلفاء الراشدين وبني أميه عصر عزة ومنعة ، ولهذا قال ابن تيمية: إن الإسلام وشرائعه في بني أمية أظهر وأوسع مما كان بعدهم، ثم استشهد بحديث: لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش. ثم قال: وهكذا كان، فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل من النقص ما هو باق إلى الآن. ثم شرح ذلك ، ثم أنه قال في الحديث: كلهم من قريش ، وهذا يعني أنهم لا يختصون بعلي وأولاده: ولو كانوا مختصين بعلي وأولاده لذكر ما يميزون به، ألا ترى أنه لم يقل: كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب، فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم، أو من قبيل علي لذكروا بذلك، فلما جعلهم من قريش مطلقاً علم أنهم من قريش، بل لا يختصون بقبيلة، بل بنو تيم وبنو عدي، وبنو عبد شمس، وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل ، فإذن لم يبق من الأوصاف التي تنطبق على ما يريدون إلا مجرد العدد، والعدد لا يدل على شئ .
ثانيا: مدة خلافة أمير المؤمنين الحسن ومعتقد أهل السنة في خلافته:
استمر أمير المؤمنين الحسن بن علي بعد بيعته خليفة على الحجاز واليمن والعراق وغير ذلك نحو سبعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وقيل ستة أشهر وكانت خلافته هذه المدة خلافة راشدة حقة لأن تلك المدة كانت تتمة لمدة الخلافة الراشدة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً ، فقد روي الترمذي بإسناده إلى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك ، وقد علق ابن كثير على هذا الحديث فقال: وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما ، وبذلك يكون الحسن بن علي رضي الله عنه خامس الخلفاء الراشدين وعند الإمام أحمد من حديث سفينة أيضاً بلفظ: الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك . وعند أبي داود بلفظ: خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء أو ملكه ما يشاء ، ولم يكن في الثلاثين بعده صلى الله عليه وسلم إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن وقد قرر جمع من أهل العلم عند شرحهم لقوله صلى الله عليه وسلم الخلافة في أمتي ثلاثون سنة. أن الأشهر التي تولى فيها الحسن بن علي بعد موت أبيه كانت داخلة في خلافة النبوة ومكملة لها فقد قال كل من:
1 ـ أبو بكر بن العربي رحمه الله: فنفذ الوعد الصادق في قوله صلى الله عليه وسلم ـ: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم تعود ملكاً. فكانت لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وللحسن منها ثمانية أشهر لا تزيد ولا تنقص يوماً فسبحان المحيط لا رب غيره .
2 ـ وقال القاضي عياض: رحمه الله لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي .. والمراد في حديث: الخلافة ثلاثون سنة. خلافة النبوة فقد جاء مفسراً في بعض الروايات: خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً .
3 ـ وقال الحافظ بن كثير ـ رحمه الله ـ: والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في دلائل النبوة من طريق سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً، وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي .
4 ـ وقال شارح الطحاوية: وكانت خلافة أبي بكر الصديق سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر عشر سنين ونصفاً، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر، وخلافة الحسن ستة أشهر .
5 ـ وقال المناوي: بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، قال: وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكاً .
6 ـ وقال ابن حجر الهيثمي: هو آخر الخلفاء الراشدين بنصِّ جَدِّه صلى الله عليه وسلم، ولي الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعة أهل الكوفة، فأقام بها ستة أشهر وأياماً، خليفة حق وإمام عدل وصدق تحقيقاً لما أخبر به جده الصادق المصدوق بقوله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، فإن تلك الستة الأشهر هي المكملة لتلك الثلاثين، فكانت خلافته منصوصاً عليها وقام عليها إجماع من ذكر، فلا مرية في حَقِّيتها .
إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن خلافة الحسن بن علي كانت خلافة حقة وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ستكون ثلاثين سنة
ثالثا: خطب لا تصح للحسن بعد مقتل والده:
ونورد هذا المبحث لمعرفة الباطل والتحذير منه كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وقد اخترع الشيعة الرافضة الكثير من الخطب ونسبوها كذباً وبهتاناً للحسن بن علي رضي الله عنه وإليك نماذج من ذلك منها: .. أيها الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن علي. أنا البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، والذين، افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: ((وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا)) (الشورى، آية: 22). فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت . ونسجوا خطبة لأبي الأسود الدؤلي إلى أن قالوا: .. ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه ثم قال: وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه وسليله ووشبيهه في خلقه وهديه، وإني لأرجو أن يجبر الله به ما وهي، ويسد به ما انثلم ويجمع به الشمل ويطفئ به نيران الفتنة فبايعوه ترشدوا، فبايعت الشيعة كلها وتخلف ناس ممن كان يرى رأي العثمانية وهربوا إلى معاوية ، وذكروا رسائل مطولة من الحسن إلى معاوية يدعوه لبيعته ويدلي بحجته وأحقيته وهي لا تثبت من حيث السند والمتن وإنما ذكرت في كتب الشيعة الرافضة العارية من الأسانيد الصحيحة، المتعارضة مع ما ثبت عن الحسن بن علي في خلافته ، ويكفي أن تلك المراجع تحدث فيها علماء وأهل السنة وبينوا زيفها وبطلانها وأنها ليست بحجة في مجال الاعتقاد والأحكام والعلاقة بين الصحابة الكرام، ويكفي أن النصوص السالفة الذكر من كتاب مقاتل الطالبيين والأغاني للأصفهاني ومن كتاب نهج البلاغة وقد تحدث العلماء عن الأصفهاني وكتابه وكذلك نهج البلاغة.
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf