بيعة الحسن بن علي رضي الله عنهما وبطلان قضية النص على خلافة الحسن
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: العشرون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
كانت بيعة الحسن بن علي رضي الله عنهما في شهر رمضان من سنة 40هـ وذلك بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وقد اختار الناس الحسن بعد والده ولم يعين أمير المؤمنين أحداً من بعده، فعن عبد الله بن سبع قال: سمعت علياً يقول: لتخضبن هذه من هذا فما ينتظر بي الأشقى . قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير عترته ، قال: إذن تالله تقتلون بي غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا قال: لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته، قال وكيع مرة: إذا لقيته قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم ، وفي رواية: أقول: اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني وتركتك فيهم ، وبعد مقتل علي صلى عليه الحسن بن علي وكبر عليه أربع تكبيرات، ودفن بالكوفة، وكان أول ما بايعه قيس بن سعد، قال له: أبسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه، وقتال المُحلِّين، فقال له الحسن رضي الله عنه: على كتاب الله وسنة نبيه، فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط: فبايعه وسكت، وبايعه الناس ، وقد اشترط الحسن بن علي على أهل العراق عندما أرادوا بيعته فقال لهم: إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت ، وفي رواية قال لهم: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت ، وفي رواية ابن سعد: إن الحسن بن علي أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين، بايعهم على الإمرة، وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه، ويرضوا بما رضي به ، ويستفاد من الروايات السابقة ابتداء الحسن رضي الله عنه في التمهيد للصلح فور استخلافه والذي سيأتي تفصيله لاحقاً بإذن الله تعالي، ومن دراستنا لبيعة الحسن نستنبط دروساً وعبراً وفوائد منها:
بطلان قضية النص على خلافة الحسن:
عند حديثنا عن بيعة الحسن رضي الله عنه تبرز أمامنا قضية يروج لها الشيعة الإمامية بقوة ألا وهي قضية النص على خلافة الحسن رضي الله عنه من قبل والده علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا الأمر يعد من المفتريات على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حيث لم يصح النقل عنه بذلك، إن الشيعة الرافضة يعتقدون أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأنها مثلها لطف من الله عز وجل، ولا يجب أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه، بل وليس للإمام نفسه حق تعيين من يأتي بعده، وقد وضعوا على لسان أئمتهم عشرات الروايات في ذلك، منها ما نسبوه إلى الإمام محمد الباقر رحمه الله أنه قال: أترون أن هذا الأمر إلينا نجعله حيث نشاء؟ لا والله ما هو إلا عهد من رسول الله رجل فرجل مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها ، ويعتقد الشيعة الرافضة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم وهم اثنا عشر إماماً لا ينقصون ولا يزيدون وهم:
1ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه المرتضى توفي 40هـ.
2 ـ الحسن بن علي رضي الله عنه الزكي توفي 50هـ.
3 ـ الحسين بن علي سيد الشهداء توفي 61هـ رضي الله عنه.
4 ـ علي بن الحسين ـ زين العابدين ـ توفي 95هـ.
5 ـ محمد بن علي الباقر توفي 114هـ.
6 ـ جعفر بن محمد الصادق توفي 148هـ.
7 ـ موسى بن جعفر الكاظم توفي 183هـ.
8 ـ علي بن موسي الرضا توفي 203هـ.
9 ـ محمد بن علي الجواد توفي 220هـ.
10ـ علي بن محمد الهادي توفي 254هـ.
11ـ الحسن بن علي العسكري توفي 260هـ.
12ـ محمد بن الحسن المهدي توفي 256هـ.
وأساس عقيدة الوصية هو ابن سبأ وكان ينتهي بأمر الوصية عند علي رضي الله عنه ولكن جاء فيمن بعد من عممها في مجموعة من أولاده، وكانت الخلايا الشيعية الرافضية تعمل بصمت وسرية، فينفون ذلك نفياً قاطعاً، كما فعل جدهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت "عقيدة التقية" حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر الأتباع بمواقف أهل البيت الصادقة والمعلنة للناس ، إن من أخطر الأمور التي ابتدعها الشيعة الوصية وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة بعد وفاته مباشرة إلى علي رضي الله عنه، وأن من سبقه مغتصبين لحقه كما جاء في كتابهم "الكافي": من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان علياً عليه السلام ، ولكن الاستقراء التاريخي لتاريخ الخلفاء الراشدين، لا نجد للوصية ذكراً في خلافة أبي بكر ولا في عمر رضي الله عنهما، وإنما نجد بداية ظهورها في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه، عند بزوغ قرن الفتنة، وقد استنكر الصحابة هذا القول، عندما وصل إلى أسماعهم، وبينوا كذبه، ومن أشهر هؤلاء علي بن أبي طالب، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، ثم نرى هذا القول يتبلور في فكرة موجهة، وعقيدة تدعو إلى الإيمان بها والدعوة إليها، وذلك في خلافة علي رضي الله عنه، وهذه الوصية التي تدعيها الرافضة فقد أثبت علماؤهم أنها من وضع عبد الله بن سبأ كما ذكر ذلك النوبختي والكشي، وقد فصلت ذلك في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويكفي في الرد على زعمهم الباطل ما ورد بالنقل الصحيح عن عدد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم علي رضي الله عنه نفسه والأدلة كثيرة منها:
1 ـ ذكر عند عائشة أن النبي صل صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست، فانخنث، فمات، فما شعرت فكيف أوصى إلى علي ، وتصريح عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص لعلي من أعظم الأدلة على عدم الوصية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في حجرها ولو كانت هناك وصية لكانت هي أدرى الناس بها .
2 ـ وعن ابن عباس قال: إن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى في وجعه هذا، وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله، فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمنا فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها، لا يعطيناها الناس من بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي قوله رضي الله عنه شهادة للصحابة رضوان الله عليهم ـ على مدى التزامهم بتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت هناك وصية لما تخلف أحد عنه، ولما عبرت الأنصار عن رأيها في السقيفة بحرية وشجاعة وصدق: منا أمير ومنكم أمير ، ولبايعوا من عهد إليه الوصية، أو على الأقل سيذكر بعضهم، ولو كان هناك نص قبل ذلك لقال علي للعباس: كيف نسأله عن هذا الأمر فيمن يكون وهو قد أوصى لي بالخلافة، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم، فلما لم يوجد شئ من ذلك تبين ما يدعى من النص دعوى لا أساس لها من الصحة، وكل ما أوردوه من ذلك من التنصيص على علي مردود، لمخالفته هذا النص الصريح من علي رضي الله عنه، لأن كل أدلتهم السمعية إما أنها لا تدل على المدعي ـ وإما نصوص تدل على ذلك ولكنها موضوعة .
3 ـ سئل علي رضي الله عنه أخصكم رسول الله بشئ فقال: ما خصنا رسول الله بشئ لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً . قال ابن كثير: وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة من زعمهم أن رسول الله أوصى إليه بالخلافة، ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة، فإنهم كانوا أطوع لله ورسوله في حياته، وبعد وفاته من أن يفتأتوا عليهم فيقدموا غير من قدمه، ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا! ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومضادتهم لحكمه ونصه، مع ما أنزل الله من ثناء عليهم بالقرآن، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام ، قال النووي: فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة الإمامية بالوصية لعلي وغير ذلك من اختراعاتهم .
4 ـ وعن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا من هذه الإمارة شيئاً حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله .
5 ـ روى أبو بكر البيهقي بإسناده إلى شقيق ابن سلمة، قال: قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم فهذا دليل واضح من أن دعوى النص عليه رضي الله عنه إنما من اختلاق الرافضة الذين ملئت قلوبهم بالبغض والحقد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيهم علي وأهل بيته، وإنما يدعون حبهم تستراً ليتسن لهم الكيد للإسلام وأهله .
بهذه النصوص: القطعية يتضح بجلاء أن لا أصل للوصية المزعومة وأن ما اعتمد عليه الرافضة هو من وضع عبد الله بن سبأ الذي هو أول من أحدث الوصية، ثم وضعت بعد ذلك أسانيد وركبت متون نسبوها زوراً وبهتاناً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهدفهم من ذلك الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم لمخالفتهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماعهم على ذلك ومن ثم الطعن ورد ما نقلوه إلى أجيال المسلمين من قرآن وحديث ، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن رده على الحلي: وأما النص على علي فليس في شئ من كتب أهل الحديث المعتمدة، وأجمع أهل الحديث على بطلانه، حتى قال أبو محمد بن حزم، ما وجدنا قط رواية عند أحد في هذا النص المدعى إلا رواية إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو في خلق الله ، وقال في موضع آخر: فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً ولا حديثاً ولهذا كان أهل العلم بالحديث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل كما يعلمون كذب غيره من المنقولات ، وقد جاء من الغلاة فيما بعد من أحيا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي ثم عمموها على آخرين من سلالة علي والحسين في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم، والدخول إلى قلوبهم، لتحقيق أغراضهم ضد الدولة الإسلامية في ظل هذا الستار، وأول من بدأ يشيع القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين في آل البيت، شيطان الطاق الذي تلقبه الشيعة مؤمن الطاق ، وأنه حينما علم بذلك زيد بن علي رحمه الله بعث إليه ليقف على حقيقة الإشاعة، فقال له زيد: بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة؟ قال شيطان الطاق: نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، فقال: وكيف وقد كان يؤتي بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق علي من حر اللقمة، ولا يشفق علي من حر النار؟ قال شيطان الطاق: قلت له: كره أن يخبرك، فتكفر، فلا يكون له فيك شفاعة ، وهذه القصة المروية في أوثق كتب الرجال عندهم تبين أن هذه النظرية كانت سرية التداول لدرجة أنها خفيت على إمام من أئمة أهل البيت وهو الإمام زيد، وقد بين محب الدين الخطيب أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر الإمامة والتشريع وادعى العصمة لأناس مخصوصين من آل البيت ، وقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم المتوفي 179هـ ، ويبدو أن عقيدة حصر الإمامة بأناس معينين سرت في الكوفة ، بسعي مجموعة من أتباع هشام وشيطان الطاق، ففكرة حصر الأئمة بعدد معين قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن يدعي الصلة بأهل البيت ، أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم ، ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الأئمة قال في مختصر التحفة: أعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة، ولكنهم مختلفون في مقدارهم، فقال بعضهم: خمسة، وبعضهم سبعة، وبعضهم ثمانية، وبعضهم: اثنا عشر، وبعضهم ثلاثة عشر ، والغريب أن القائلين بنظرية الإمامة الإلهية انقسموا إلى عدة فرق كل فريق منهم ينقل روايات مناقضة للآخر في إمامة من يراه ثم ينسبون ذلك لعلي رضي الله عنه.وكتب الشيعة الرافضة نقلت صورة هذا التباين والتناقض سواء كانت من كتب الإسماعيلية بمسائل الإمامة للناشئ الأكبر، أو الزينة لأبي حاتم الرازي، أو من كتب الاثني عشرية مثل، المقالات والفرق للأشعري القمي، وفرق الشيعة للنبوختي، وقضية الإمامة عندهم ليست بالأمر الفرعي الذي يكون فيه الخلاف أمراً عادياً، بل هي أساس الدين وأصله المتين، ولا دين لم لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم ويلعن بعضهم بعضاً ، إما الاثنا عشرية فقد استقر قولها ـ فيما بعد ـ بحصر الإمامة في اثني عشر إماماً، ولم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم من يقول، بإمامة الاثنى عشرة ، إنما عرف الاعتقاد بإثني عشر إماماً بعد وفاة الحسن العسكري ، إن حصر الأئمة بعدد معين عقيدة فاسدة باطلة، وأمير المؤمنين علي وأولاده وأحفاده براء منها، ففي كتب الشيعة المعتمدة في نهج البلاغة، عن علي رضي الله عنه قال: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول ، وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أحببتكم ركبت لكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً ، فلو كانت إمامة علي منصوصاً عليها من الله عز وجل لما جاز لعلي بن أبي طالب تحت إي ظرف من الظروف أن يقول للناس: دعوني والتمسوا غيري ويقول أنا لكم وزيراً خير لكم مني أمير" كيف والناس تريده وجاءت تبايعه .
ويقول في النهج كلاماً أكثر صراحة وأشد وضوحاً حين يقول، إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل سمّوه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ، وقد أشار أمير المؤمنين بهذه العبارة حقائق جديرة بالإهتمام حيث جعل:
ـ الشورى للمهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيدهم الحل والعقد.
ـ اتفاقهم على شخص سبب لمرضات الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى إياهم.
ـ لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم وبغير اختيارهم.
ـ لا يرد قولهم ولا يخرج عن حكمهم إلا المبتدع الباغي المتبع غير سبيل المؤمنين، فأين هم الشيعة الأثني عشرية عن هذه التصريحات الهامة .
إن مسألة النص لا تثبت بأي وجه من الوجوه، ومسألة حصر الأئمة بعدد معين مردوده بالكتاب والسنة، كما أنه لا يقبلها العقل ومنطق الواقع، إذ بعد إنتهاء العدد المعين هل تظل الأمة بدون إمام؟ ولذلك فإن عصر الأئمة الظاهرين عند الإثني عشرية لا يتعدى قرنين ونصف إلا قليلاً وهم من ذلك الوقت إلى الآن بدون إمام بشكل فعلي وواقعي مما ترتب على وضعهم هذا فقدانهم كل ما يزعمون من مبرر ضروري أو مصلحة ضرورية من وجود إمام معصوم وهذا تناقض ظاهر، وقد اضطر الشيعة للخروج عن حصر الأئمة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة وفي هذا العصر اضطروا للخروج نهائياً عن هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدولة تتم عن طريق الانتخاب ولكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي ، وهو فعلياً غير معصوم بالاتفاق ولا عنده نص يخوِّله للإمامة وهم بهذا الأمر نسخوا فعلياً نظرية الإمامة التي شقوا بها صفوف الأمة، فأصبح الإنسان العادي حتى ولو كان من غير أهل البيت يستطيع أن يحكم ويقود بحجة أنه فقيه، وقد فصّل الأستاذ أحمد الكاتب تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه وتحدث عن أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنه والشورى وبين بوضوح أن الحسن بن علي لم يعتمد في دعوة الناس لبيعته على ذكر أي نص حوله من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من أبيه أمير المؤمنين علي، وتحدث عن إيمان الحسن بن علي بنظام الشورى وحق الأمة في انتخاب إمامها، وقد تجلى هذا الإيمان مرة أخرى عند تنازله عن الخلافة إلى معاوية واشتراطه عليه العودة إلى نظام الشورى بين المسلمين، ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول، كما تقول النظرية الإمامية، لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف، ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يبايع معاوية أو أن يدعو أصحابه وشيعته لبيعته، ولم يكن يجوز له أن يهمل الإمام الحسين ولأشار إلى ضرورة تعيينه من بعدِه ولكن الإمام الحسن لم يفعل أي شئ من ذلك وسلك مسلكاً يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى وقد ظل الشهيد الحسين رضي الله عنه ملتزماً ببيعة معاوية إلى آخر يوم من حياة الأخير، ورفض عرضاً من شيعة الكوفة بعد وفاة أمير المؤمنين الحسن بالثورة على معاوية، وذكر إن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه، ولم يدع إلى نفسه إلا بعد وفاة معاوية الذي عهد إلى ابنه يزيد بالخلافة بعده، حيث رفض الحسين البيعة له وأصرَّ على الخروج إلى العراق حيث استشهد في كربلاء عام 61هـ .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي