إطلالات على كتاب نهج البلاغة: تأريخ للباطل والإفتراءات
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الثالثة والعشرون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
من الكتب التي ساهمت في تشويه تاريخ الصحابة بالباطل كتاب نهج البلاغة، فهذا الكتاب مطعون في سنده ومتنه، فقد جمع بعد أمير المؤمنين بثلاثة قرون ونصف بلا سند، وقد نسبت الشيعة الرافضة تأليف نهج البلاغة إلى الشريف الرضي وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصاً فيما يوافق بدعته فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج؟ وأما المتهم ـ عند المحدثين ـ بوضع النهج فهو أخوه علي، فقد تحدث العلماء فيه فقالوا:
- قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى: وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل جمعه؟ أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم.
- وقال الذهبي في ترجمة المُرتضى أبي طالب علي بن حسين بن موسى الموسوي المتوفى سنة 436هـ: هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عنه، ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطل وفيه حق، لكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها، ولكن، أين المنصف؟ وقيل: بل جَمْعُ أخيه الشريف الرَّضي وقال أيضاً: وفي تواليفه سبُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من علم لا ينفع ، وقال أيضاً في ترجمته: وهو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة، وله مشاركة قويّة في العلوم، ومن طالع كتابه نهج البلاغة، جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، ففيه السّبُّ الصّراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة، وبنفس غيرهم ممّن بعدهم من المتأخرين، جزم بأن الكتاب أكثره باطل .
- وقال ابن تيمية: .. وأيضاً، فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب نهج البلاغة، بذلك الكلام، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق ولا هي مدح، ومن قال: إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق، فقد أخطأ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه، وكلاهما مخلوق .. وأيضاً فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام عليّ موجودة في كلام غيره، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيراً من كلام الناس فجعلوه من كلام علي، ومنه ما يُحكى عن عليّ أنه تكلَّم به، ومنه ما هو كلام حقُّ يليق به أن يتكلم به، ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره، ولهذا، يوجد في كلام "البيان والتبيين" للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير عليّ، وصاحب "نهج البلاغة" يجعله عن علي، وهذه الخطب منقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه، لكانت موجودة قبل هذا المصنَّف، منقولة عن عليّ بالأسانيد وبغيرها، فإذا عَرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيراً منها ((بل أكثرها)) لا يُعرف قبل هذا علم أن هذا كذب، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك، ومن الذي نقله عن عليّ، وما أسناده؟ وإلا فالدعوة المجردة لا يعجز عنها أحد، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبيّن صدقها من كذبها، عَلِم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن عليّ من أبعد الناس عن المنقولات، والتمييز بين صدقها وكذبها .
- وقال العلامة المقبلي: أخرج البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي. قال: وكان ابن سيرين يرى عامة ما يرون عن علي رضي الله عنه كذباً، وصدق ابن سيرين رحمه الله، فإن كل قلب سليم، وعقل غير زائغ عن الطريق القويم، ولب تدرب في مقاصد سالكي الصراط المستقيم، يشهد بكذب كثير مما في نهج البلاغة الذي صار عند الشيعة عديل كتاب الله بمجرد الهوى الذي أصاب كل عرق منهم ومفصل، وليتهم سلكوا مسلك جلاميد الناس، وأوصلوا ذلك إلى علي برواية تسوغ عند الناس، وجادلوا عن رواتها، ولكن، لم يبلغوا بها مصنفها .
ويمكن تلخيص أهم ما لاحظه القدامى والمحدثون على نهج البلاغة للتشكيك بصحة نسبته للإمام علي بما يلي:
- خلوَّه من الأسانيد التوثيقية التي تعزز نسبة الكلام إلى صاحبه متناً ورواية وسنداً.
- كثرة الخطب وطولها، لأن هذه الكثرة وهذا التطويل ممّا يتعذر حفظه وضبطه قبل عصر التدوين.
- رصد العديد من الأقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير علي رضي الله عنه، وصاحب النهج يثبتها له.
- اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما لا يليق به ولا بهما، وتنافي ما عُرف عنه من توقيره لهما بالأسانيد الصحيحة، ومن أمثلة ذلك ما جاء بخطبته المعروفة بـ"الشقشقية" التي يظهر فيها حرصه الشديد على الخلافة، رغم ما شُهر عنه من التقشّف والزهد.
- شيوع السجع فيه، إذ رأى عدد من الأدباء أن هذه الكثرة لا تتّفق مع البعد عن التكلّف الذي عُرف به عصر الإمام علي رضي الله عنه، مع أن السجع العفوي الجميل لم يكن بعيداً عن روحه ومبناه.
- الكلام المنمق الذي تظهر فيه الصناعة الأدبية التي هي من وَشْي العصر العباسي وزخرُفه، ما نجد في وصف الطاؤوس والخفّاش، والنحل والنمل، والزرع والسحاب وأمثالها.
- الصيغ الفلسفية والمقالات الكلامية التي وردت في ثناياه، والتي لم تُعرف عند المسلمين إلا في القرن الثالث الهجري، حين ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية، وهي أشبه ما تكون بكلام المناطقة والمتكلمين منه بكلام الصحابة والراشدين
إن هذا الكتاب يجب الحذر منه في الحديث عن الصحابة ومن أراد الاستفادة منه فعليه أن يعرض المسائل العقائدية وحديثه عن الصحابة والأحكام التي فيه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وافق الكتاب والسنة، فلا مانع من الاستئناس به وما خالف فلا يلتفت إليه.
لقد نقل صاحب كتاب الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي خطباً ورسائل وحوارات للحسن بن علي بن أبي طالب مع معاوية رضي الله عنه والمتعلقة بخلافته وعهده أكثرها لا يصح ، واعتمد على مصادر ضعيفة واهية، كالأغاني ونهج البلاغة وغيرها من الكتب التي لا يمكن لطالب علم يحترم الحقيقة العلمية والموضوعية والحيادية أن يعتمد عليها في البحث التاريخي الجاد الذي يراد به وجه الله تعالى.
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf