من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
(سورة الطلاق)
الحلقة الثالثة والأربعون
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
جمادى الأولى 1442 هــ/ ديسمبر 2020
* تسمية السورة:
اسمها الغالب: «سورة الطَّلاق»، وهو المتداول في كتب التفسير، والسنن.
وتُسمَّى: «سورة النِّساء الصغرى». أما «سورة النِّساء الطُّولَى» فهي المستفتحة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [النساء: 1].
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وأبيِّ بن كعب رضي الله عنهما: أنهما كانا يسمِّيانها: «سورة النساء القصرى»، يعني: القصيرة.
* عدد آياتها: اثنتا عشرة آية وقيل: إحدى عشرة آية، وقيل: ثلاث عشرة آية.
* وهي مدنية إجماعًا.
* {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }:
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ }: الخطاب موجَّه له صلى الله عليه وسلم، إلا أن المقصود الأمة كلها؛ ولهذا لم يقل: «إذا طلقت»، وإنما قال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ }.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه الطلاق المفارق إلا مرة واحدة؛ وهي قصة ابنة الجَوْن التي استعاذت منه صلى الله عليه وسلم، فقال: «لقد عُذتِ بعظيم، الحَقِي بأهلك»؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الطلاق، وقد جاء في حديث: «أبغضُ الحلال إلى الله تعالى الطلاقُ». والصواب إرساله، ويغني عنه ما في «صحيح مسلم»، أن الشيطان يبعث سراياه، وأقربهم إليه هو مَن يقول له: ما زلتُ به حتى فرَّقت بينه وبين امرأته.
فالطلاق كسر لنفس المرأة، وتفريق للزوجية، وشتات للأولاد، وهدم للبيوت، ومدخل من مداخل الفساد إن لم يقع موقعه الصحيح، والفتنة للرجل والمرأة بسبب الحرمان من الإشباع بعد أن تعوَّدا عليه، وكسر بعض الحواجز التي كانت تحول بين الإنسان وبين المعصية؛ ولهذا فالطلاق مكروه لغير حاجة، وقد يكون محرَّمًا أو جائزًا أو واجبًا بحسب الحال.
{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: في قُبل عدتهن، فـ«اللام» هنا لام التوقيت، كما في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } [الإسراء: 78]، أي: طلقوهنَّ الطلاق الذي تبدأ بعده العدة مباشرةً.
والعدة هي: المدة التي تقضيها المرأة بعد الطلاق ممنوعة فيها من الزواج.
وهذا يقتضي أَلَّا تطلَّق الزوجة إلا وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه، فهذا طلاق السنة؛ حتى تكون مستقبلة لعدتها مباشرة.
والحامل تُطَلَّق في أي وقت؛ لأن عدتها تبدأ فور الطلاق.
والطلاق البدعي هو: أن يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه.
وثمة طلاق لا يوصف بأنه بدعي ولا سني؛ وهو طلاق الصغيرة والآيسة التي لا تحيض، ومَن لم يدخل بها زوجها بعد.
{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ }: من الإحصاء؛ وهو: الضبط والإتقان، فلا تزيد ولا تنقص؛ لأن النقص ضرر على الزوج، والزيادة ضرر على المرأة.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ }: أمر بالتقوى، وكرَّر الأمر في السورة كثيرًا؛ لأن أعظم ما يحجز الإنسان عن المضارة والإساءة هو الخوف من الله تعالى؛ ولهذا قال: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } أي: النساء المطلقات، فالمطلقة الرجعية التي يحق للزوج أن يراجعها دون إذنها ولا إذن وليها؛ فلها ما للزوجات من حقوق إلا المبيت؛ لأنها ما زالت زوجة، وإنما أضاف البيت لهن في قوله: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ }؛ لأن لها حق الانتفاع بالسكنى فيه، فلا يجوز للرجل أن يطردها من البيت كما يقع كثيرًا.
{وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي: حتى لو وجدت إحداهن بعض المضايقة في البيت فعليها أن تبقى في منزلها.
والبقاء له مقاصد عظيمة: منها: أنه ربما رأى الزوج منها ما يدعوه إلى مواقعتها، فيحصل بذلك رجعتها.
ومنها: أنه قد يكون لها أولاد منه فيحتاجون إلى رعايتها، وإذا خرجت من البيت قد لا تجد مكانًا يؤويها، وربما استشرفتها العيون ووقعت لها حالات من المضايقة والابتزاز.
والفاحشة التي تسوِّغ خروجهن هي الفعل الشنيع، والغالب أن الفاحشة إذا جاءت معرَّفة بـ(ال) فالمقصود بها: الزنى ونحوه، كما قال: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِين } [الأعراف: 80]، وكما قال تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ } [النساء: 15]، أما إذا جاءت نكرة وبدون إضافة، كما هنا، وكما في قوله: {يَانِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ } [الأحزاب: 30]، فالمقصود بها: الفعل الشنيع أو السيِّئ، وليس خصوص الزنى، كما في قوله: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } [الأعراف: 28]، وكما في آية الطلاق هذه، على أنه قد نصَّ بعض الصحابة والتابعين والمفسرين أن المقصود هنا: الزنى، وهو قول الحسن وعطاء وغيرهما.
وقال آخرون: المقصود أن تكون سليطة اللسان على أهله، فتفحش في القول وتسب وتخوض في عرضه وعرض محارمه، كأمه وأخواته، أو أن تكون ناشزًا ترفض حقه، فإذا وُجد شيء من ذلك، فإن المصلحة حينئذ متعينة في إخراج هذه المرأة من بيت الزوجية إلى بيت آخر، وهذا مروي عن أُبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ }: والحدود جمع: حدٍّ؛ وهو الشيء الفاصل بين الحلال والحرام، والحق والباطل، فهذه حدود الله فيما يتعلق بعقد الزوجية من الإمساك والطلاق، وبقاء المعتدة في بيتها لا يجوز العبث بها.
{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }: فالذي يخرج المرأة من بيتها قد ظلم نفسه قبل أن يظلمها، بتحميلها آثام ظلم الآخرين، {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }، وهذا ليس خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي لغة جارية عند العرب في مناسبات كثيرة، أي: لا تدري بعد الطلاق أن يُحدث الله تعالى أمرًا، فيقلب البغضَ إلى محبة، {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال: 24].
وقيل: إن الآية تحتمل معنى أن يراجعها زوجها، وذلك في الطلاق الرجعي فتكون مراجعتها هي الأمر الذي أحدثه الله سبحانه.
ويمكن أن يكون سبب الطلاق هو عدم وجود الأولاد؛ فربما تحمل المرأة أو تنجب، وقد يكون سبب الطلاق الفقر وثقل النفقة، فيُحدث الله أمرًا من السَّعة والغنى، وهذا يفتح آفاق المستقبل ويُدرِّب على نظرة التفاؤل، والمقصود: أمرًا طيبًا حسنًا، خلاف ما كان في السابق.
وهو تلقين من الله الذي بيده المقادير أن نتربَّى على التفاؤل ونظرة الإشراق والأمل.
وكم أمــرٍ تُســـاءُ به صباحًا * وتأتيك المَـسَرَّةُ بالعَـشِي
إذا ضاقت بك الأحوالُ يومًا * فثِقْ بالواحــد الأحــد العلي
* {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: قاربت أن تنتهي عدة المطلقة؛ وهي ثلاثة قروء، كما قال سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [البقرة: 228]. والقروء جمع: قرء، قيل: هو الطهر، فتعتد المرأة ثلاثة أطهار بعد طلاقها، فإذا خرجت من الطهر الثالث فقد خرجت من العدة.
وقيل هو: الحيض، فإذا طلقها في الطهر الذي لم يجامعها فيه بدأت العدة بعد الحيضة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة واغتسلت خرجت من العدة، وإذا كانت غير ذات قروء فسيأتي حكمها.
وليس المقصود: انتهاء العدة؛ لأنها إذا انتهت لا يجوز للزوج أن يراجعها؛ بل المقصود: شارفن على نهاية العدة، فله الخيار بين أن يمسكها بمراجعتها أو يترك ذلك فتبين منه، بخلاف المعنى الوارد في قوله سبحانه: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29]، أي: انتهى منه وخرج، ولذا عبَّر هنا ببلوغ الأجل، وعبَّر في قصة موسى بقضاء الأجل.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }: وغالبًا ما يظن الرجل أن المرأة هي المخطئة، وتعتقد المرأة أن الرجل هو المخطئ، ولذا يجد المصلح صعوبةً في إقناع كل من الطرفين أن يغض الطرف عن أخطاء الآخر، ويحاول تصحيح أخطائه هو، فالزوج يلوم الزوجة، والمرأة تلوم الرجل، وبهذا لا يمكن تحقيق الإصلاح.
والله تعالى يعالج المشكلة بتربية حكيمة تحقق الخير للأزواج المتشاكسين بقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }، والخطاب هنا للرجل بأن يُحسن إليها فلا يعاتبها ولا يوبِّخها ولا يزجرها ولا يقصِّر معها، و«المعروف» نكرة يشمل كل خير، كالنفقة وحسن المعاملة وأداء الحقوق.
{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }، والفراق بمجرده مؤلم، وهو مما تتألم له النفوس، فإذا كان ولا بد فليكن بمعروف دون تعيير ولا فضح ولا تشهير، ومن كرم الرجل أن يُظهر ألمه على فراق زوجته ولا يذكرها إلا بخير، وقد أخذ الشافعي هذا المعنى فقال:
وعاشر بمعروف وسامح مَن اعتدى * ودافـــع، ولكن {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }: ظاهر الآية: وجوب الإشهاد على الرجعة، والإشهاد على الطلاق، وبهذا قال كثير من الفقهاء ونُسب إلى بعض الصحابة، وهذا هو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وإذا وقع الطلاق أو وقعت الرجعة بدون إشهاد صحَّ، وعليه أن يُشهد حتى لا يقع تجاحد أو احتكام، وحتى لا تدَّعي المرأة على زوجها أنها قد خرجت من عدتها، وقد يتوفَّى أحدهما فيقع التردد هل يرثه الآخر أم لا؟ فالإشهاد يقطع دابر التنازع.
وهذا مما يخاطب به ولاة الأمر والقضاة المسؤولون عن مثل هذه القضايا؛ أن يكون ثمة نظام منضبط لتوثيق الرجعة والطلاق وبالشهود، وأن يُشدَّد في هذا الأمر، فكثيرًا ما يذهب بعض الرجال إلى المحكمة لاستخراج صك الطلاق فيجعل تاريخ الطلاق متقدِّمًا أو متأخِّرًا عن الواقع والمرأة لا تعلم، وقد يسافر بها ويعاشرها دون أن يخبرها بوقوع طلاقه.
{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ }: معتدلة واضحة لا لبس فيها، ولا مجاملة لأحد، وأن تكون لله، وذلك بضبط الشهادة خوفًا من الله لا من أجل الزوج أو الزوجة أو القرابة.
{ذَلِكُمْ } إشارة إلى الوصايا والأوامر والتوجيهات، {يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }، فقرن السياق بين الأحكام التشريعية التي هي قوانين واضحة، وبين الوعظ والتذكير وغرس التقوى في النفوس، والقانون إذا وجد وحده لم يلتزم به الناس؛ فإن المجتمعات تنحرف، ولا بد من وازع الدين والخلق.
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }: وهذا حافز على التقوى، ولهذه الآية معنى خاص مباشر؛ وهو تقوى الله في شأن الطلاق، بأن يوقعه كما أمر الله، فيطلِّق طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه عند تأكد الحاجة إلى الطلاق من غير طيش ولا تسرع ولا قصد إضرار، وهو يحسب أن الطلاق خير للمرأة وخير له من بقاء عصمة الزوجية، فمَن امتثل حكم الشرع في أمر الطلاق فقد جعل الله له مخرجًا في ذلك بأن يمكنه مراجعتها؛ لأنه لم يطلقها إلا واحدة، ولا تتطلَّب الرجعة إلا أن يتلفظ بها ويشهد على ذلك عدلين، بخلاف مَن لم يتق الله فطلَّق ثلاثًا جميعًا، أو طلَّقها في حيض، أو في طُهر جامعها فيه، أو على غير السنة مما أوجد عنده نقصًا في التقوى، ومما يدل على تسرعه وكثرة إيقاعه للطلاق لأتفه الأسباب، فهذا يصعب عليه المخرج، وقد لا يجد مفتيًا يخرجه من ضائقته بعد ندمه.
وثمة معنى عامٌ في الآية؛ وهو أن مَن يتق الله في سائر أموره يجعل الله له مخرجًا وفرجًا من كل ضيق، سواء أكان ذلك في شأن أسري أو اقتصادي أو سواهما.
والآية تلهم المصلحين أن يحرصوا على تحقيق الرضا والتوافق الاجتماعي، وإذا استطاعوا أن يصنعوا السعادة في بيوتهم فسيجدون أنهم أصبحوا أكثر نجاحًا في حياتهم وأكثر توفيقًا في تجارتهم؛ بل وأكثر طاعة لربهم، ومن هنا فإن من أعظم مهمات المستشار والمصلح الاجتماعي السعي في إيجاد السكن والاستقرار في البيوت.
* {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }:
غالب معاناة الناس هي من نقص المال، أو قلة ذات اليد أو الدَّين، وبعض الأزواج يتغيَّر على زوجته بسبب الضائقة المالية، ويصبح متبرِّمًا متلوِّمًا غضوبًا كثير النقد والتأفُّف.
و{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي: من جهة لم تخطر على باله، وهو داخل فيما يسميه بعضهم: بالتفكير خارج الصندوق، فقد يرزقه الله القناعة، وهي كنز، وهي خير ما يُرزقه المرء، فيتصرف في ماله بطريقة راشدة من غير إسراف ولا تقتير، وقد تكون المرأة سببًا للرزق؛ إما لقرابتها الأغنياء، أو لحسن مشورتها، أو لغير ذلك.
وهذه الحقيقة يجب أن يسلِّم لها المسلم من غير تردد ولا شك، وأن يحسن ثقته بالله حتى يتحقَّق له موعوده، ولا يترك الأسباب منتظرًا الفرج من الله من غير عمل ولا بذل سبب، فإن العمل وبذل الجهد والسبب هو من تقوى الله، على أن يكون في يدي الله أوثق منه فيما يده.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: