الصديق في ميادين الجهاد (2)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة :السابعة
أولا: في غزوة بني النَّضير، وبني المصطلق، وفي الخندق، وبني قريظة:
أـ بنو النضير:
خرج النبيُّ (ﷺ) إلى بني النَّضير يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أميَّة من بني عامرٍ على وجه الخطأ؛ لأنَّ عَمْراً لم يعلم بالعهد الذي بين بني عامرٍ وبين النبيِّ (ﷺ)، وكان بين بني النَّضير، وبني عامرٍ حلفٌ، وعهدٌ، فلمّا أتاهم النبيُّ (ﷺ) قالوا: نعم يا أبا القاسم! نعينك على ما أحببت، ثمَّ خلا بعضهم ببعضٍ، فقالوا: إنَّكم لن تجدوا الرَّجل على مثل حاله هذه، ورسول الله (ﷺ) إلى جنب جدار من بيوتهم قاعدٌ. قالوا: فمن يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرةً، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله (ﷺ) في نفرٍ من أصحابه، فيهم أبو بكرٍ، وعمر، وعلي، فأتى رسولَ الله (ﷺ) الخبرُ من السَّماء بما أراد القوم، فقام، وخرج إلى المدينة، فلمّا استلبث النبيَّ أصحابُه قاموا في طلبه، فرأوا رجلاً مقبلاً من المدينة، فسألوه عنه فقال: رأيته
داخلاً المدينة. فأقبل أصحاب النبيِّ (ﷺ) حتّى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.
فبعث النبيُّ (ﷺ) محمَّد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهلُ النِّفاق يحرضونهم على المقام، ويعدونهم بالنَّصر، فقويت نفوسهم، وحمي حيي بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله (ﷺ): أنَّه لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهد، فعند ذلك أمر رسول الله (ﷺ) الناس بالخروج إليهم، فحاصروهم خمس عشرة ليلةً، فتحصَّنوا في الحصون، فأمر رسول الله (ﷺ) بقطع النَّخيل، والتَّحريق، ثمَّ أجلاهم على أنَّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة، فنزلت سورة الحشر.
ب ـ بنو المصطلق:
أراد بنو المصطلق أن يغزوا المدينة، فخرج لهم رسول الله في أصحابه، فلمّا انتهى إليهم؛ فدفع راية المهاجرين إلى أبي بكرٍ الصدِّيق، ويقال: إلى عمَّار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. ثمَّ أمر عمر بن الخطاب فنادى في الناس: أن قولوا: لا إله إلا الله؛ تمنعوا بها أنفسكم، وأموالكم. فأبوا، فتراموا بالنَّبل، ثمَّ أمر رسول الله (ﷺ) المسلمين، فحملوا حملة رجلٍ واحدٍ، فما أُفلت منهم رجلٌ واحدٌ، وقُتل منهم عشرةٌ، وأُسر ستائرهم، ولم يقتل من المسلمين سوى رجلٍ واحدٍ.
ج ـ في الخندق، وبني قريظة:
كان الصِّدِّيق في الغزوتين مرافقاً للنَّبيِّ (ﷺ)، وكان يوم الخندق يحمل التُّراب في ثيابه، وساهم مع الصحابة للإسراع في إنجاز حفر الخندق في زمنٍ قياسيٍّ، ممَّا جعل فكرة الخندق تصيب هدفها في مواجهة المشركين.
ثانيا: في الحديبية:
خرج رسول الله (ﷺ) في ذي القعدة سنة ستٍّ من الهجرة يريد زيارة البيت الحرام في كوكبة من الصَّحابة عددها أربع عشرة مئةً، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه، وليُعلِّم الناسَ: أنَّه إنما خرج زائراً لتعظيم بيت الله الحرام، فبعث النبيُّ (ﷺ) عيناً له من خزاعة، فعاد بالخبر: أنَّ أهل مكة جمعوا جموعهم لصدِّه عن الكعبة، فقال: «أشيروا عليَّ أيها الناس». فقال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: يراسل الله! خرجت عامراً لهذا البيت، لا تريد حربه، أو قتل أحدٍ، فتوجَّه له فمن صدَّنا عنه؛ قاتلناه، قال: «امضوا على اسم الله». وقد ثارت ثائرة قريش، وحلفوا ألا يدخل الرسول (ﷺ) مكَّة عنوةً، ثمَّ قامت المفاوضات بين أهل مكة ورسول الله (ﷺ)، وقد عزم النبيُّ (ﷺ) على إجابة أهل مكَّة على طلبهم، إن أرادوا شيئاً فيه صلة رحم.
أـ في المفاوضات:
جاءت وفود قريش لمفاوضة النبيِّ (ﷺ)، وكان أول من أتى بُديل بن ورقاء من خزاعة، فلمّا علم بمقصد النبيِّ (ﷺ) والمسلمين؛ رجع إلى أهل مكَّة، ثمَّ جاء مكرز ابن حفصٍ، ثمَّ الحليس بن علقمة، ثمَّ عروة بن مسعودٍ الثَّقفيُّ، فدار هذا الحوار بين النبيِّ (ﷺ) وعروة بن مسعودٍ الثقفيِّ، واشترك في هذا الحوار أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وبعض أصحابه.
قال عروة: يا محمد! أجمعت أوباش الناس، ثمَّ جئت بهم إلى بيضتك، لتفضضها بهم؟ إنَّها قريش؛ قد خرجت معها العوذ، والمطافيل ـ أي: خرجت رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً ـ قد لبسوا جلود النُّمور يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوةً، وايم الله! لكأنِّي بهؤلاء ـ يقصد أصحاب النبيِّ (ﷺ) ـ قد انكشفوا عنك!!
فقال أبو بكر: امتص بظراللاّت ـ وهي صنمُ ثقيف ـ أنحن نفرُّ عنه، وندعه ؟ فقال: مَنْ ذا ؟ قالوا: أبو بكرٍ . قال: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها؛ لأجبتك . وكان الصِّدِّيق قد أحسن إليه قبل ذلك، فرعى حرمته، ولم يجاوبه عن هذه الكلمة. ولهذا قال مَنْ قال من العلماء: إنَّ هذا يدلُّ على جواز التَّصريح باسم العورة للحاجة، والمصلحة، وليس من الفُحش المنهيِّ عنه.
لقد حاول عروة بن مسعود أن يشنَّ حرباً نفسيَّةً على المسلمين حتى يهزمهم معنوياً، ولذلك لوَّح بقوَّة المشركين العسكرية، معتمداً على المبالغة في تصوير الموقف بأنَّه سيؤول لصالح قريشٍ لا محالة، وحاول أن يوقع الفتنة، والإرباك في صفوف المسلمين، وذلك حينما حاول
إضعاف الثِّقة بين القائد وجنوده، عندما قال للنبيِّ (ﷺ): أجمعت أوباشاً من الناس خليقاً أن يفرُّوا ويدعوك، وكان ردُّ الصدِّيق صارماً، ومؤثِّراً في معنويات عروة، ونفسيَّته، فقد كان موقف الصِّدِّيق في غاية العزة الإيمانيَّة، التي قال الله فيها: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [آل عمران: 139].
ب ـ موقفه من الصُّلح:
ولمّا توصَّل المشركون مع رسول الله (ﷺ) إلى الصُّلح بقيادة سهيل بن عمرٍو؛ أصغى الصدِّيق إلى ما وافق عليه رسول الله (ﷺ) من طلب المشركين، رغم ما قد يظهر للمرء أن في هذا الصُّلح بعض التَّجاوز، أو الإجحاف بالمسلمين، وسار على هدي النبيِّ (ﷺ)؛ ليقينه بأنَّ النبيَّ لا ينطق عن الهوى، وأنَّه فعل ذلك لشيءٍ أطلعه الله عليه.
وقد ذكر المؤرخون: أنَّ عمر بن الخطاب أتى رسول الله (ﷺ) معلناً معارضته لهذه الاتِّفاقية، وقال لرسول الله (ﷺ): ألستَ برسول الله ؟ قال: « بلى » . قال: أولسنا بالمسلمين ؟ قال: « بلى » . قال: أولسوا بالمشركين ؟ قال: « بلى » . قال: فعلامَ نُعطي الدَّنيَّة في ديننا ؟ قال: « إنِّي رسول الله، ولست أعصيه ». وفي رواية: « أنا عبد الله، ورسولُه، لن أخالف أمره، ولن يُضَيِّعَني ». قلت: أوليس كنت تحدِّثنا أنَّا سنأتي البيت، فنطوف به؟ قال: «بلى! فأخبرتك أنَّا نأتيه هذا العام؟». قلت: لا، قال: «فإنك اتيه، ومطوِّف به». قال عمر: فأتيت أبا بكرٍ، فقلت له: يا أبا بكر! أليس برسول الله؟ قال: بلى! قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى! قال: أولسوا بالمشركين؟ قال: بلى! قال: فعلام نعطي الدَّنيَّة في ديننا؟ فقال أبو بكرٍ ـ ناصحاً الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة ـ: الزمْ غرزه، فإنِّي أشهد: أنَّه رسول الله، وأنَّ الحقَّ ما أمر به، ولن يخالف أمر الله، ولن يضيِّعَه الله، وكان جواب الصِّدِّيق مثل جواب رسول الله (ﷺ)، ولم يكن أبو بكر يسمع جواب النبي (ﷺ)، فكان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أكمل موافقةً لله، وللنبيِّ (ﷺ) من عمر، مع أنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ مُحَدَّثٌ، ولكن مرتبة الصِّدِّيق فوق مرتبة المُحَدَّث؛ لأنَّ الصدِّيق يتلقى عن الرسول المعصوم كلَّ ما يقوله، ويفعله.
وقد تحدَّث الصدِّيق فيما بعد عن هذا الفتح العظيم، الذي تمَّ في الحديبية، فقال: ما كان فتحٌ أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكنَّ الناس يومئذٍ قَصُرَ رأيهم عمّا كان بين محمَّدٍ وربِّه، والعباد يَعْجَلون، والله لا يعجل كعجلة العباد حتّى يبلغ الأمور ما أراد، لقد نظرت إلى سُهيل بن عمرو في حَجَّة الوداع قائماً عند المنحر يُقرِّب إلى رسولِ الله (ﷺ) بَدَنَةً، ورسول الله (ﷺ) ينحرها بيده، ودعا الحلاَّق فحلق رأسه، وأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينه، وأذكر إباءه أن يُقِرَّ يوم الحديبية بأن يكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) ويأبى أن يكتب: محمَّد رسول الله (ﷺ)، فحمدتُ اللهَ؛ الذي هداه للإسلام.
لقد كان الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أسَدَّ الصَّحابة رأياً، وأكملَهم عقلاً.
ثالثا: في غزوة خيبر، وسرية نجدٍ، وبني فزارة:
ضرب رسول الله (ﷺ) حصاراً على خيبر، واستعدَّ لقتالهم، فكان أوَّلَ قائدٍ يرسله (ﷺ) أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، ثمَّ رجع، ولم يكن فتح، وقد جهد، ثمَّ بعث عمر، فقاتل، ثمَّ رجع، ولم يكن فتح، ثمَّ قال: «لأعطينَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه». فكان علي بن أبي طالبٍ ـ رضي الله عنه ـ. وأشار بعض أصحاب النبيِّ (ﷺ) بقطع النَّخيل حتّى يثخن في اليهود، ورضي النبيُّ (ﷺ) بذلك، فأسرع المسلمون في قطعه، فذهب الصِّدِّيق إلى النبيِّ (ﷺ) وأشار عليه بعدم قطع النَّخيل لما في ذلك من الخسارة للمسلمين سواءٌ فتحت خيبر عنوةً، أو صلحاً، فقبل النبيُّ (ﷺ) مشورة الصدِّيق، ونادى بالمسلمين بالكفِّ عن قطع النَّخيل، فرفعوا أيديهم.
ب ـ في نجد:
أخرج ابن سعد عن إياس بن سلمة، قال: بعث رسول الله (ﷺ) أبا بكرٍ إلى نجدٍ، وأمَّره علينا، فبيتنا ناساً من هوازن، فقتلتُ بيدي سبعةَ أهل أبياتٍ، وكان شعارنا: أمِتْ أمِتْ.
ج ـ في بني فزارة:
روى الإمام أحمد من طريق إياس بن سلمة عن أبيه، حدَّثني أبي، قال: خرجنا مع أبي بكرٍ ابن أبي قحافة، وأمَّره النبيُّ (ﷺ) علينا، فغزونا بني فزارة، فلمّا دنونا من الماء؛ أمرنا أبو بكرٍ فعرَّسنا، فلمّا صلَّينا الصُّبح؛ أمرنا أبو بكرٍ فشننَّا الغارة، فقتلنا على الماء مَنْ مرَّ قِبَلنا، قال سلمة: ثمَّ نظرت إلى عنقٍ من الناس فيه الذُّريَّة والنِّساء نحو الجبل، فرميت بسهم، فوقع بينهم وبين الجبل . قال: فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكرٍ حتّى أتيته على الماء، وفيهم امرأة عليها قشع من أدم، ومعها ابنةٌ لها من أحسن العرب، قال: فنفَّلني أبو بكر، فما كشفت لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم بتُّ فلم أكشف لها ثوباً، قال: فلقيني رسول الله (ﷺ) في السُّوق فقال: « يا سلمة! هب لي المرأة». قال: فقلت والله يراسل الله! لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوباً! قال: فسكت رسول الله، وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله في السُّوق، فقال لي: «يا سلمة! هب لي المرأة». قال: فقلت: والله يراسل الله! ما كشفت لها ثوباً، وهي لك يراسل الله! قال: فبعث بها رسول الله إلى أهل مكَّة، وفي أيديهم أسارى من المسلمين، ففداهم رسول الله بتلك المرأة.
رابعا: في عمرة القضاء، وفي ذات السلاسل:
أـ في عمرة القضاء:
كان الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ ضمن المسلمين الذين ذهبوا مع رسول الله (ﷺ) ليعمروا عمرة القضاء مكان عمرتهم التي صدَّهم المشركون عنها.
ب ـ في سريَّة ذات السَّلاسل:
قال رافع بن عمرو الطائي ـ رضي الله عنه ـ: بعث رسول الله (ﷺ) عمرو بن العاص على جيش ذات السَّلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر، وعمر، رضي الله عنهما، وسَرَاةَأصحابه، فانطلقوا حتى نزلوا جبل طيّ، فقال عمرو: انظروا إلى رجلٍ دليلٍ بالطريق، فقالوا: ما نعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنَّه كان رَبيلاً في الجاهلية . قال رافع: فلمّا قضينا غَزَاتنا، وانتهيت إلى المكان الذي كنّا خرجنا منه، توسَّمت أبا بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وكانت له عباءةٌ فدكيه، فإذا ركب خَلَّها عليه بخلالٍ، وإذا نزل بسطها فأتيته، فقلت: يا صاحب الخلال! إنِّي توسمك من بين أصحابك، فاءتني بشيءٍ إذا حفظتُه كنت مثلكم، ولا تطوِّلْ عليَّ فأنسى. فقال: تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمَّداً عبده ورسوله، وتقيم الصَّلوات الخمس، وتؤتي زكاة مالك إن كان لك مال، وتحجُّ البيت، وتصوم رمضان: هل حفظت؟ قلت: نعم، قال: وأخرى لا تُؤَمَّرَنَّ على اثنين. قلت: وهل تكون الإمرة إلا فيكم أهل المَدَر.
فقال: يوشك أن تفشو حتى تبلغك، ومن هو دونك.
إنَّ الله عزَّ وجل لما بعث نبيَّه (ﷺ) دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله، فهداه الله، ومنهم من أكرهه السيف، فكلُّهم عواد الله، وجيران الله، وخَفَارةُ الله . إنَّ الرَّجل إذا كان أميراً، فتظالم الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعضٍ؛ انتقم الله منه، إنَّ الرَّجل منكم لتؤخذ شاة جاره فيظلُّ ناتئ عضلته غضباً لجاره، والله من وراء جاره.
ففي هذه النَّصيحة دروسٌ وعبرٌ لأبناء المسلمين يقدِّمها الصَّحابيُّ الجليل أبو بكرٍ الصِّدِّيق؛ الذي تربَّى على الإسلام، وعلى يد رسول الله (ﷺ) من أهمِّها:
1ـ أهميَّة العبادات: الصلاة: لأنَّها عماد الدين، والزَّكاة، والصَّوم، والحجّ.
2ـ عدم طلب الإمارة (ولا تكوننَّ أميراً) تماماً كما أوصى رسول الله (ﷺ) أبا ذرٍّ الغفاريَّ: « وإنها أمانةٌ، وإنَّها يوم القيامة خزيٌ، وندامةٌ، إلا من أخذها بحقِّها ». ولذلك فإنَّ أبا بكرٍ هو الفاهم الواعي لكلام حبيبه محمَّد (ﷺ). جاء في رواية: وأنَّه مَنْ يكح أميراً؛ فإنَّه أطول الناس حساباً، وأغلظهم عذاباً، ومن لا يكن أميراً؛ فإنَّه من أيسر الناس حساباً، وأهونهم عذاباً، فهذا فهمُ الصدِّيق لمقام الإمارة .
3ـ إنَّ الله حرَّم الظلم على نفسه، ونهى عباده أن يتظالموا، أن يظلم بعضهم بعضاً؛ لأنَّ
الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، كما نهى عن ظلم المؤمنين: « من اذى لي وليّاً؛ فقد اذنته بالحرب ». وهم جيران الله، وهم عواد الله، والله أحقُّ أن يغضب لجيرانه.
4ـ على عهد الصَّدر الأوَّل كان أمراء الأمَّة خيارُها، وجاء وقت فُشُوِّ أمرها (الإمارة) وكثرت حتى نالها مَنْ ليس لها بأهلٍ، إنَّ هذه الإمارة ليسيرةٌ، وقد أوشكت أن تفشو حتى ينالها من ليس لها بأهلٍ.
5ـ وفي غزوة ذات السَّلاسل ظهر موقفٌ متميِّزٌ للصِّدِّيق في احترام الأمراء ممّا يثبت: أنَّ أبا بكرٍ كان صاحب نَفْسٍ تنطوي على قوَّةٍ هائلةٍ، وقدرةٍ متميِّزةٍ في بناء الرِّجال، وتقديرهم، واحترامهم، فعن عبد الله بن بريدة، قال: بعث رسول الله (ﷺ) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فلمّا انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا ناراً، فغضب عمر، وهمَّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره: أنَّ الرسول (ﷺ) لم يستعمله عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر رضي الله عنه.
للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي