الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

(من خصائص إبراهيم عليه السلام وصفاته)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 290

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ مايو 2023م


1. سلامة القلب:
إن من صفات إبراهيم - عليه السّلام - سلامة القلب، قال الله تعالى عنه: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ]الصافات:84[ أي: أقبل إلى توحيده بقلب خالص من الشوائب، باقٍ على الفطرة، سليم عن النقائض والآفات.(1)
والسِّلْمُ والسَّلَامَةُ: هي التعرّي من الآفات الظاهرة والباطنة، قال الراغب: {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: متعرّ من الدّغل، فهذا في الباطن، والسّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم .(2)
2. عمارة البيت الحرام:
فإبراهيم عليه السلام هو الذي بني بيت الله، وأذن في الحج بحجه، وثوابه من الله عليه لا ينقطع ما دام البيت قائماً يحج الناس إليه ويعتمرون، وقد أمر الله نبيّه وأمته أن يتخذوا من مقام إبراهيم تحقيقاً للاقتداء به وإحياء آثاره.(3)
3. إكرام الضيف:
إن من أبرز صفات النُبل والمروءة إكرام الضيف، وقد حثَّ الإسلام على هذه الفضيلة، وقد اشتهر خليل الرحمن حتى صار يكنى بأبي الضيفان، وقد شرحنا الآيات المتعلقة بكرمه - فيما سبق - في سورة هود، والحجر والذاريات.(4)
4. الخُلة:
قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ]النساء:125[، والخُلة "بالضم": هي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب، وهذا الوصف صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم عليه السلام كم حب الله تعالى، وأما إطلاقه في حقّ الله سبحانه فهو على سبيل المقابلة، وقيل في خلة إبراهيم عليه السلام هي منه العداوة في الله والبغض فيه والولاية في الله والحبّ فيه، وهي من الله عزّ وجل نصرة إبراهيم عليه السلام على من يريده بسوء وتمكينه مما يحب وتصييره إماماً لمن بعده وقدوة لمن خلفه.(5)
ولا يخفى أن من هذا التفسير زيادة على المعنى اللغوي للخُلة، وأنه شرح لها بالنظر إلى نتائجها، فإبراهيم - عليه السَّلام - لما تشبع قلبه بحبِّ ربّه عزّ وجل، ولما أحبه ربّه واصطفاه، كان من نتيجة ذلك أن نصره وجعله إماماً للناس أجمعين، ولا شكَّ أن إبراهيم - عليه السَّلام - قد تخللت محبة الله تعالى قلبه، وكان صادقاً في محبته لربّه.(6)
إنَّ الله سبحانه وتعالى قد اتّخذ عبده إبراهيم خليلاً لما تحلّى به من الفضائل والشمائل، ولأنه اطّلع على قلبه الذي تشرّب حب الله وطاعته فوجده أهلاً لهذه المنزلة الرفيعة والتكريم والتعظيم، وإذا كان إبراهيم عليه السلام قد أكرمه الله بقلب "الخليل" واتخذه خليلاً، فإن هذا ليس خاصاً به، فقد شاركه في هذا الفضل نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، حيث اتخذه الله أيضاً خليلاً.(7)
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جندب رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قبْلَ أنْ يُتوفَّى بخمسِ ليالٍ خطَب النَّاسَ، فقال: أيُّها النَّاسُ إنَّه قد كان فيكم إخوةٌ وأصدقاءُ، وإنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أنْ اتَّخِذَ منكم خليلًا، ولو أنِّي اتَّخَذْتُ مِن أمَّتي خليلًا لَاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، إنَّ اللهَ اتَّخَذني خليلًا، كما اتَّخَذ إبراهيمَ خليلًا، وإنَّ مَن كان قبْلَكم اتَّخَذوا قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ، فلا تتَّخِذوا قبورَهم مساجدَ، فإنِّي أنهاكم عن ذلك.(8)
5. خيرُ البريّة:
عن أنس بن مالك قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقالَ: يا خَيْرَ البَرِيَّةِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: ذَاكَ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ .(9)
وقال العلماء: إنما قال صلّى الله عليه وسلّم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم عليه السلام لخُلته وأبوته، وإلا فنبينا صلّى الله عليه وسلّم أفضل، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "أنا سيد ولد آدم"، ولم يقصد به الافتخار، ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: "ولا فخر"، لينفي ما يتطرق إلى بعض الأفهام وقيل يحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: إبراهيم خير البريّة قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم... ولا يمتنع أنه أراد أفضل البرية الموجودين في عصره، وأطلق العبارة الموهمة للعموم لأنه أبلغ في التواضع.
ولذا، فإن إبراهيم عليه السلام، أفضل أهل زمانه بلا مُنازع، بل هو أفضل خلق الله بعد خاتم النبيين عليهم صلوات الله كما يدلُّ عليه هذا الحديث.(10)


مراجع الحلقة الثسعون بعد المائتين:
(1) محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، (14/5045).
(2) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، (1/421).
(3) جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، ابن قيم الجوزية، ص186.
(4) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص257.
(5) المرجع السابق، الأميري، ص233.
(6) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص233.
(7) المرجع نفسه، ص234.
(8) صحيح البخاري، رقم (1904)؛ صحيح مسلم، رقم (532)؛ صحيح ابن حبان، رقم (6425).
(9) صحيح مسلم، رقم (2369).
(10) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص235.


يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي
http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022