الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

(من خصائص إبراهيم عليه السلام وصفاته)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 288

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ مايو 2023م



إنّ خليل الله إبراهيم عليه السلام عَلمٌ من أعلام الدنيا، شخصية فذّة وقامة سامقة، تجسدت في شخصيته الكريمة صفات عظيمة وفضائل كريمة، جعله الله بها مهيئاً وأهلاً وناشطاً؛ ليضع أساس وقواعد ملة عظيمة، واضحة المعالم ومستقيمة وسمحاء، تصلح للناس جميعاً، وللأحوال كافة على مدى الدهور، فإن إبراهيم عليه السلام هو خليل الله، وهو النبيّ، والرسول، والصّديق، والمصطفى، والمجتبى، والمهدي، وأبو الأنبياء، والشاكر، والأواه، والمنيب، والحليم، والقانت، والموقن، والحنيف، وذو القلب السليم، والأمّة، والإمام، والأسوة، والصالح، وصاحب الصحف، وهو أول من بنى لله بيتاً؛ ليُعبد الله سبحانه فيه على الأرض، وهو أول من يُكسى يوم القيامة، وهو من أراه الله سبحانه ملكوت السماوات والأرض، وكل هذه الصفات ثابتة بأدلة قطعية الثبوت من كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم.(1)
ومن أهم هذه الخصائص والصفات والفضائل:
-1الإسلام:
قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} ]البقرة:130-131[.
هذا تصريح بأن دين إبراهيم - عليه السّلام - هو الإسلام، وهذا من أعظم فضائله وصفاته، كونه مُسلمٌ حقٌّ في أعلى درجات الإسلام الممكنة، حيث استسلم لله وانقاد لأمره قولاً وفعلاً وعقيدة، وفوّض أمره إليه، وإبراهيم عليه السلام كان في قمة التسليم والاستسلام لأمر خالقه، وهذا واضح في سيرته أكمل وضوح؛ فقد سلّم ولده للقربان، وجسده للنيران، وماله للضيفان، بل سلّم روحه وقلبه وكيانه للرحمن، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.(2)
2-الحنيفية:
وصف الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام بأنه حنيف في عدة مواضع من القرآن، فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]آل عمران:67[، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]النحل:120[، والحنيف هو المستقيم على إسلامه لله تعالى، المائل عن الشرك إلى دين الله.(3)
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إليك؟ قال: الحنيفية السّمِحة،(4) إنها سمحة بعقيدتها، سمحة بأحكامها، سمحة بتعاليمها، سماحة دعا إليها الله ورسوله وحبب فيها وجعلها كنه ديننا، يعني شريعة إبراهيم - عليه السّلام -؛ لأنّه تحنّف عن الإسلام ومال إلى الحق، ويتضح من هذه النقول أن إبراهيم - عليه السّلام -، قد ترك الأديان ولزم دين الإسلام، واستقام عليه، فوصفه ربه تبارك وتعالى بأنه حنيف.(5)
3-الحلم:
وصف الله تبارك وتعالى أخلاق خليله إبراهيم - عليه السّلام - فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} ]هود:75[؛ لأن الحلم خصلة يحبها الله تبارك وتعالى، وهو صفة من صفاته عزّ وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأشج عبد القيس: إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة .(6)
وقد عرّف سيد الحلماء محمد صلّى الله عليه وسلّم الرجل القوي بأنه الحليم الذي يتمالك نفسه عند سورة الغضب، لا الذي يصرع الناس ويغلبهم، فقال فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ .(7)
ثم يحدثنا القرآن الكريم بأن الحلم خلق من أخلاق النبوة فيقول في سورة التوبة عن أبي الأنبياء إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }، ويقول عنه في سورة هود: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}، فالحليم: غير العجول على الانتقام من المسيء إليه.( 8 )
4-التأوّه:
قال ابن الجوزي في الأوّاه ثمانية أقوال:
- أحدها: أنه الخاشع والدّعاء والمتضرع.
- الثاني: الدعاء.
- الثالث: الرحيم.
- الرابع: أنه الموقن.
- الخامس: أنه المؤمن.
- السادس: أنه المسبّح.
- السابع: أنه المتأوّه لذكر عذاب الله، المتضرع شفقاً وفرقاً ولزوماً طاعة ربه.
- الثامن: أنه الفقيه.
وأقرب المعاني عندي الأول والسابع؛ لأنَّ الأواه هو الذي يكثر التأوه، وهو أن يقول: أوّاه وكل كلام يدل على حُزن يقال له: التأوّه، وإبراهيم عليه السلام حين كان يدعو ربّه تعالى، ويتضرع إليه في خشية وخشوع وحين كان يسبّحه، كان يتأوه بين يديه ويرجو رحمته ويخشى عذابه.(9)
5-الإنابة:
فهي الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل، والمنيب إلى الله تعالى يهديه ربه إليه، قال سبحانه: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} ]الشورى:13[، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} ]الرعد:27[، فإبراهيم عليه السلام كان رجاعاً إلى الله دائماً مخلصاً مُخلصاً، تائباً طائعاً ولذلك استحق ثناء الله عليه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} ]هود:75[.

مراجع الحلقة الثامنة الثمانون بعد المائتين:
(1) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص243.
(2) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص245.
(3) محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، (2/270).
(4) مسند أحمد، رقم (2108)؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، رقم (881).
(5) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص245.
(6) صحيح أبي داود، رقم (5225).
(7) صحيح البخاري، رقم (6114).
(8) موسوعة أخلاق القرآن، محمد الشرباصي، دار الرائد العربي للطباعة والنشر، (1/185).
(9) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص248.
(10) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص507-508.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي
http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022