الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

(من فضائل إبراهيم عليه السلام)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 291

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ مايو 2023م


1. الإمامة:
امتنَّ الله سبحانه على رسوله إبراهيم- عليه السَّلام -، فجعله إماماً للناس به يقتدون ويهتدون، وذلك لبلوغه الذروة في الفضل والشرف، ولحيازته من مكارم الأخلاق وجميل الصفات ما يجعله أهلاً لذلك، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} ]البقرة:124[.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره: إنما أراد جلّ ثناؤه بقوله لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}: إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي، فتتقدمهم أنت ويتبعون هديك، ويستنّون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك ووحيي إليك. (1)
2. الاجتباء والاصطفاء:
قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام بأنه {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]النحل:121[، واجتباء الله العبد هو تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصّل له منه أنواع من النعم، بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من الصدّيقين والشهداء، فالله سبحانه هو الذي اختار إبراهيم عليه السلام لهذا الفضل العظيم وأكرمه بهذا الخير العميم وهداه إلى صراط التوحيد الخالص القويم.(2)
وقال عنه كذلك: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ]البقرة:130[، وقد يكون الاصطفاء بإيجاده تعالى إياه مصفّى من الشوائب الموجودة في غيره،(3) وهو الذي جعله في الآخرة من الصالحين، وهكذا نرى أن الاجتباء والاصطفاء لفظان لمعنيين كتشابهين ووصفان لرجتين متقاربتين، نالهما إبراهيم عليه السلام بمَنّ الله وكرمه.(4)
3. الرُّشد:
قال تعالى عن خليله عليه السلام: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ]الأنبياء:51[، وفي هذا ثناء عظيم على رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالله تبارك وتعالى آتاه رشده أي هداه إلى التوحيد منذ أن كان صغيراً، وكان جل جلاله عالماً به وبأنه أهل لذلك الإيتاء.
وفي هذه الآية الكريمة ردّ على لروايات الإسرائيلية الكثيرة عن دخول إبراهيم عليه السلام السّرب وهو رضيع، وعن نظره إلى الكواكب والتبصّر فيها والاعتقاد بأنها أرباب له، فإن هذا يتنافى حتى مع الفطرة التي فطر الله بها الناس العاديين عليها والتي يشير إليها قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ .(5)
4. النبوّة في ذريته:
ذكر الله تعالى أنه جعل في نسل إبراهيم - عليه السّلام - النبوة والكتاب، فقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ]العنكبوت:27[، وهذا تشريف كبير من الله تعالى لعبده ورسوله إبراهيم أن يحصر النبوة والكتاب في ذريته، فلا يكون بعده نبيّ إلا من نسله، فهو أبو الأنبياء وهو من أوليّ العزم.(6)
5. اتخاذ مقامه مصلّى:
كرّم الله خليله إبراهيم - عليه السّلام - فأمر نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين برسالته أن يتخذوا من مقامه مصلّى، قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ]البقرة:125[.(7)
6. وليّ النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم:
الوليّ: هو الصديق والمحبّ والنصير، وإبراهيم هو أقرب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخفى ما في هذا من فضل ومزية لإبراهيم، فَهُما - على الرغم من البعد الزماني بينهما- قريبان في المحبة، وقريبان في منزلتهما عند الله، قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} ]آل عمران:68[.(8 )
7. اللين والرحمة:
اتّصف خليل الله فيما اتّصف به من صفات الكمال باللين في الله والرحمة لخلق الله، وقد ضرب رسولنا صلّى الله عليه وسلّم المثل بإبراهيم - عليه السلام - في اللين والرحمة، روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟" فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك، فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم ناراً، قال: فقال له العباس: قطعت رحمك. قال فدخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- فقال: "إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم: 36]، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة: 118]، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: { رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ } [يونس: 88].(9)
من هذا الحديث نعلم أن اللين في غير تراخٍ، والرفق في غير ضعف، كانا من صفات خليل الله الرحمان عليه السلام حنى إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم ضرب به المثل في هاتين الصّفتين والمتتبع لسيرة إبراهيم عليه السلام يجد هذه الصفة واضحة فيها كما مرّ معنا في أكثر من موضع.(10)


مراجع الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائتين:
(1) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (3/18).
(2) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص236.
(3) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص283.
(4) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص237.
(5) صحيح البخاري، رقم (1358).
(6) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص238.
(7) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص239.
(8) المرجع السابق، الأميري، ص241.
(9) مسند أحمد، رقم (3632)، وإسناده ضعيف لانقطاعه.
(10) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص243.


يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي
http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022