إنكار قانون السببية يؤدي إلى إبطال حقائق العلوم ..
مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة الرابعة والثلاثون.
ثبت بنص القرآن أن الأسباب الشرعية هي محل حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهي في اقتضائها لمسسبّباتها قدراً، فهذا شرع الرب وذلك قدره، وهما خلقه وأمره، والله له الخلق والأمر، ولا تبديل لخلق الله، ولا تغيير لحكمه، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها، بل يجريها على أسبابها وما خُلقتُ له، فهكذا الأسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شُرعت له، بل هذه سنته شرعاً وأمراً، وتلك سنته قضاء وقدراً، وسنته القدرية قال تعالى: "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا" (فاطر : 43) .
فالمسببات مرتبطة بأسبابها شرعاً وقدراً، ولذلك فطلبها من غير أسبابها مذموم، كما أن إنكار الأسباب لأن تكون موصلة لها بأنها أمر مردود، بل أن النتائج المترتبة على إنكار قانون النسبية كافية لهدم حقائق العلوم كلها، فإن العلوم جميعها تستند إلى هذا، القانون (1).
ونفي الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، وهو طعن في الشرع أيضاً فالله تعالى يقول: "وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" (البقرة : 164) . وقال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ" (المائدة : 16) (2).
والحاصل أنه قد ثبت بالقطع أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء ولا للفلتة العارضة: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر : 49) . وقال تعالى: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" (الفرقان : 2). وقال تعالى: "فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (انساء : 19) . وقال تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة : 216) .
والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها، ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشيء الآثار والنتائج، وإنما هي الإرادة التي تنشيء الآثار والنتائج وتهيء الظروف لتحققها، كما تنشيء الأسباب والمقدمات "لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا" (الطلاق: 1) ، "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ" (الإنسان: 30).
والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها والله هو الذي يُقدّر آثارها ونتائجها، والاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وإلى حكمته وعلمه هو وحده الملاذ الأمين، والنجاة من الوسواس والهواجس :"الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة: 268) (3).
---------------------------------------------
مراجع الحلقة الرابعة والثلاثون:
(1) السنن الإلهية د. مجدي عاشور ص 158.
(2) السنن الإلهية د. مجدي عاشور ص 158.
(3) السنن الإلهية د. مجدي عاشور ص 161.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: