الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

الدعاء والقدر ...

مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة السادسة والثلاثون

 

الدعاء مثل سائر الأسباب، كالتوكل والصدقة ... سبب لجلب المنافع ودفع المضار (1)، ثم الدعاء ـ مع ثبوت كونه سبباً ـ داخل في القضاء، ولا يخرج عن القضاء، فإن الدعاء من جملة ما سبق به القضاء، لأن الله سبحانه أحاط بكل شئ علماً، وقدر كل شئ تقديراً، ولا يمكن أن يخرج شئ عن قضائه، فلهذا الدعاء نفسه داخل القضاء، إذا قدر الدعاء وأنه سبب لكذا فلا بد أن يدعو الرجل وأن يتسبب ذلك فيما جعله الله سبباً.

فالدعاء سبب لجلب النفع، كما أنه سبب لدفع البلاء، فإذا أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، وليس شئ من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب.

ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء والذكر، والاستغفار والتوبة، والاحسان بالصدقة والعتاقة، فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه، كما في الحديث: "إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان (2)"، وهذا كما لو جاء عدو فإنه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد له، وإذا هجم البرد يدفع بإتخاذ الدفء، فكذلك الأعمال الصالحة والدعاء (3). ويدل على دفاع العدو بالدعاء مع الجهاد قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "هل تنصرون إلا بضعفائكم"، ولفظ النسائي: "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم (4) ".

والحاصل إن من جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاء داخل تحت القضاء وليس خارجاً عنه (5).

ودلالات القرآن الكريم على ذلك كثيرة: قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60). وقال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: 186). وقال تعالى: "وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ" (النساء: 32).

إن الله سبحانه وتعالى نهى في هذه الآية عن الحسد، وتمني زوال نعمة الغير، وأمر بسؤاله من فضله فدل على أنه بسبب السؤال يعطي مثلما أعطى لذلك الذي فضله، وربما يعطي أكثر، فلو كان الدعاء والسؤال لا أثر له في إعطاء السائل ما تمناه وسأله، لزم أنه لا فائدة في الأمر به في هذا المقام، وهذا يخالف ما يقتضيه سياق الآية (6).

وقد وردت آيات كثيرة جداً، ذكر الله فيها ما وقع لأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين من المحن والبلايا والشدائد العظام، فاستغاثوا بربهم وتضرعوا له، وابتهلوا إليه، فاستجاب الله لهم، وكشف عنهم تلك المحن، بعد دعائهم، وقد حكى الله لنا ألفاظ دعواتهم وصيغ ابتهالاتهم لنقتدي بها، ونأخذ العبر والدروس، ومن تلك الدروس التي نأخذها تأثير الدعاء وفائدته العظيمة في جلب المنافع ودفع المضار، وأنه سمة العبودية، وأنه الغذاء الروحي لاسيما عند نزول الشدائد المدلهمة (7).

---------------------------------------------

مراجع الحلقة السادسة والثلاثون:

(1) الفتاوى (10 / 550).

(2) صحيح الجامع، للألباني رقم 7616.

(3) الدعاء ومنزلته من العقيدة، جيلان العروسي (1 / 356).

(4) البخاري رقم 2896، النسائي (6 / 37).

(5) الدعاء ومنزلته من العقيدة (1 / 357).

(6) االمصدر نفسه (1 / 359).

(7) الدعاء ومنزلته من العقيدة (1 / 360).

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022