تأثير الدعاء بالقدر في قصص الأنبياء ..
مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة السابعة والثلاثون
وردت آيات كثيرة جداً، ذكر الله فيها ما وقع لأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين من المحن والبلايا والشدائد العظام، فاستغاثوا بربهم وتضرعوا له، وابتهلوا إليه، فاستجاب الله لهم، وكشف عنهم تلك المحن، بعد دعائهم، وقد حكى الله لنا ألفاظ دعواتهم وصيغ إبتهالاتهم لنقتدي بها، ونأخذ العبر والدروس، ومن تلك الدروس التي نأخذها تأثير الدعاء وفائدته العظيمة في جلب المنافع ودفع المضار، وأنه سمة العبودية، وأنه الغذاء الروحي لاسيما عند نزول الشدائد المدلهمة (1).
ومن ذلك
أ ـ ما حكى الله لنا عن نوح عليه السلام مما يدل على تأثير الدعاء:
قال تعالى: "وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ" (الصافات : 75) ، ما أصرحها في تأثير الدعاء وأوضحها وأبينها من حجة قاطعة، وما أبلغها من برهان ساطع، ومثلها قوله تعالى في قصة نوح أيضاً: "وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ" (الأنبياء : 76 ـ 77) .
ب ـ دعاء أيوب عليه السلام :
ـ قال تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ" (الأنبياء : 83 ـ 84).
تدل الآيتان على المقصود من عدة أوجه، منها العطف بالفاء السببية في الموضعين: فاستجبنا، فكشفنا، ودلالة فاستجبنا وكشفنا اللغوية ودلالة السياق هذه الدلالات الواضحة على تأثير الدعاء (2).
ج ـ دعاء يونس عليه السلام :
قال تعالى: "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ" (الأنبياء: 87 ـ 88).
فدلتّ الآيتان على أن الدعاء هو السبب في نجاته من عدة أوجه، منها إلغاء السببية، ومنها كلمتا: استجبنا ونجينا كما دلت على أن هذا ليس خاصاً به بل المؤمنون عامة إذا وقعوا في شدة واستغاثوا بربهم فهو ينجيهم، كما دلت أيضاً على أنه لولا الدعاء لما نجا من هذا الكرب العظيم ولبقي في بطن الحوت، وقد صرحت بذلك آية أخرى قال تعالى: "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (الصافات : 143 ـ 144) . فكلمة لولا في مثل هذا الموضع تدل على امتناع الجملة الثانية لوجود الأولى (3)، وهذا صريح قاطع في أن الدعاء هو السبب في نجاته ولو لم يحصل الدعاء لما نجا ولبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة (4).
د ـ دعاء زكريا عليه السلام:
قال تعالى:"وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء: 89 ـ 90) .
ففي هذا ترتيب للاستجابة على النداء، كما أن فيه تعليلاً للاستجابة بكونهم مسارعين في الخيرات، وداعين الله رغبة ورهبة (5).
ه ـ في قصة موسى وهارون في استغاثتهما بالله:
قال تعالى:"وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا" (يونس: 88 ـ 89).
فصرحت الآيتان بإجابة دعوتهما واستغاثتهما بالله تعالى وأن ذلك عقب ابتهالهما إلى الله تعالى فدل هذا على ترتيب الإجابة على الدعاء ترتب المسبب على السبب (6) وفي قوله تعالى في قصة تضرع موسى وابتهاله إلى الله قال تعالى:"قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي" إلى أن أجابه الله بقوله: "قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى" (طه: 25 ـ 36) ، ما أوضحها في الدلالة على تأثير الدعاء في الإجابة (7) !.
و ـ دعاء المؤمنين من الأمم السابقة:
ـ قال تعالى: "وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ" (البقرة، آية: 249 ـ 250) . وقال أيضاً:"وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: 147 ـ 148).
---------------------------------------------
مراجع الحلقة السابعة والثلاثون:
(1) الدعاء ومنزلته من العقيدة (1 / 360) .
(2) المصدر نفسه (1 / 362) .
(3) الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/ 362) .
(4) المصدر نفسه (1/ 362) .
(5) المصدر نفسه (1/ 363) .
(6) المصدر نفسه (1/ 364) .
(7) المصدر نفسه (1/ 364) .
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: