"القول بالتنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب جهل بالدين" ..
مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة الثامنة والعشرون
إن القول بالتنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب جهل بالدين، وهذا من قلة العلم بسنة الله في خلقه وأمره، فإن الله تعالى خلق المخلوقات بأسباب، وشرع للعباد أسباباً ينالون بها مغفرته ورحمته وثوابه في الدنيا والآخرة، فمن ظن أنه بمجرد توكله مع تركه ما أمره الله به من الأسباب يحصل مطلوبه، وأن المطالب لا تتوقف على الأسباب التي جعلها الله أسباباً لها فهو غالط (1).
التوازن بين مقامي التوكل والأخذ بالأسباب:
الأصل أن يستعمل العبد الأسباب التي بينها الله تعالى لعباده وأذن فيها وهو يعتقد أن المسبب هو الله سبحانه وتعالى، وما يصل إليه من المنفعة عند استعمالها بتقدير الله عز وجل، وأنه إن شاء حرم تلك المنفعة مع استعماله السبب فتكون ثقته بالله واعتماده عليه في إيصال تلك المنفعة إليه مع وجود السبب (2).
وبالتتبع لما قاله العلماء في التوازن بين المقامين نجد أن جمهورهم يقررون أن التوكل يحصل بأن يثق المؤمن بوعد الله، ويوقن بأن قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لا بد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو بإعداد السلاح وإغلاق الباب ونحو ذلك، ومع ذلك فلا يطمئن إلى الأسباب بقلبه، بل يعتقد أنها لا تجلب بذاتها نفعاً ولا تدفع ضراً، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى والكل بمشيئته، فإذا وقع من المرء ركون إلى سبب قدح في توكله (3).
فعلى مستوى السنة الفعلية ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ظاهر في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة في الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادّخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، ومع كل ذلك لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مال إلى شيء من الأسباب غفلة مقدار طرفة عين (4).
---------------------------------------------
مراجع الحلقة الثامنة والعشرون:
(1) فتاوى ابن تيمية (8 / 529 ، 530) .
(2) شعب الإيمان للبيهقي (2 / 79) .
(3) السنن الإلهية د. مجدي محمد عاشور ص 215.
(4) فتح الباري ، لابن حجر (10/ 212) .
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: