السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

"الإيمان بالقدر بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله تعالى" ..

مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة السابعة والعشرون

 

الأسباب والتوكل:

التوكل على الله سبحانه ـ وتعالى ـ لا يمنع من الأخذ بالأسباب فالمؤمن يتخذ الأسباب من باب الإيمان بالله وطاعته فيما يأمر به من اتخاذها، ولكنه لا يجعل الأسباب هي التي تنشيء النتائج فيتوكل عليها (1)، فالتوكل: هو قطع النظر في الأسباب بعد تهيئة الأسباب، كما قال صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل (2).

ففي جانب الأسباب يقول الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ" (النساء: 71). وقال تعالى: "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال: 60)، وقال تعالى: "فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ" (الجمعة: 10).

وفي جانب التوكل، قال تعالى: "وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران: 122). وقال تعالى: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ" (آل عمران: 159). وقال تعالى: "وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (المائدة: 23).

ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة إلى ضرورة الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، كما نبه صلى الله عليه وسلم على عدم تعارضها، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماساً، وتعود بطاناً (3). في هذا الحديث الشريف حث على التوكل مع الإشارة إلى أهمية الأخذ بالأسباب، حيث أثبت الغدو والرواح للطير مع ضمان الله تعالى الرزق لها (4).

إن العمل بسنة الأخذ بالأسباب من صميم تحقيق العبودية لله تعالى، وهو الأمر الذي خلق له العبيد، وأرسلت به الرسل، وأنزلت لأجله الكتب، وبه قامت السماوات والأرض، وله وجدت الجنة والنار، فالقيام بالأسباب المأمور بها محض العبودية (5).

إن القرآن الكريم أرشدنا إلى الأخذ بالأسباب وأرشدنا ألا نعتمد عليها وحدها وإنما نتوكل على الله مع الأخذ بها، وعلى المسلم أن يتقي في باب الأسباب أمرين:

الأمر الأول: الاعتماد عليها، والتوكل عليها، والثقة بها ورجاؤها وخوفها، فهذا شرك يرقُّ ويغلظ وبين ذلك.

الأمر الثاني: ترك ما أمر الله به من الأسباب، وهذا أيضاً قد يكون كفراً وظلما وبين ذلك، بل على العبد أن يفعل ما أمره الله به من الأمر، ويتوكل على الله توكل من يعتقد أن الأمر كله بمشيئة الله، سبق بها علمه، وحكمه، وأن السبب لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يقضي ولا يحكم، ولا يحصل للعبد ما لا تسبق له به المشيئة الإلهية ولا يصرف عنه ما سبق به الحكم والعلم، فيأتي بالأسباب إتيان ما لا يرى النجاة والفرج والوصول إلا بها، ويتوكل على الله توكل من يرى أنها لا تنجيه ولا تحصل له فلاحاً ولا توصله إلى المقصود، فيجرد عزمه للقيام بها حرصاً واجتهاداً، ويفرغ قلبه من الاعتماد عليها والركون إليها تجريداً للتوكل واعتماداً على الله وحده (6) . وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح، حيث يقول: "أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" (7) . فأمره بالحرص على الأسباب والاستعانة بالمسبب ونهاه عن العجز وهو نوعان:

ــ النوع الأول: تقصير في الأسباب وعدم الحرص عليها.

ــ النوع الثاني: وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها.

فالدين كله ظاهره وباطنه وشرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية (8).

---------------------------------------------

مراجع الحلقة السابعة والعشرون:

(1) التمكين للأمة الإسلامية ص 252.

(2) صحيح ابن حبان (2/ 510) .

(3) سنن الترمذي (4 / 573) رقم 2344 حسن صحيح.

(4) التمكين للأمة الإسلامية ص 252.

(5) مدارك السالكين لابن القيم (2 / 130).

(6) المصدر نفسه (3 / 501).

(7) مسلم، ك القدر، باب الأمر بالقوة (4 / 2052) رقم 2664.

(8) في ظلال القرآن (2 / 919).

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022