الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

من كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة

(مريم عليها السلام ودورها في تاريخ الإنسانية)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1442 ه/ ديسمبر 2020


كان لسيدة نساء العالمين الدور البارز في تفاعل الأحداث بتفاعل عواطفها وانفعالاتها حتى حققت الهدف والمغزى والعبرة التي كانت درساً مهماً في تاريخ الإنسانية، فكانت عوناً وسنداً لنبي الله عيسى عليه السلام، الذي حمل الرسالة ومضى يطوف البلاد يدعو إلى الله بالمحبة والتسامح والسلام، والمتأمل في القرآن الكريم يلحظ الآتي في سيرة مريم عليها السلام:
- ليس في القرآن الكريم سورة باسم امرأة سوى سورة مريم عليها السلام، لا آمنة أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (محمد)، ولا خديجة زوجه، ولا فاطمة ابنته.
- ذكرت مريم (34) مرة في القرآن الكريم.
- مريم مكفولة من قبل الله، قال تعالى:﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ (آل عمران: 44).
- مريم مصطفاة، مرة لإنجاب عيسى، ومرة على نساء العالمين، وهي مطهَّرةٌ من كل عيب قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 12).
- مريم عفيفة شريفة، قال تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ (التحريم: 12)، وقد شرَّف الله تعالى مريم بنت عمران تشريفاً عظيماً وتكريماً جليلاً؛ لأنها اعتصمت بالعفاف والطهر طوال حياتها، فاستحقت ذلك، وبهذا نرى أن من خضع لله تعالى رفعه، ومن كان مع الله تعالى طاعةً، كان الله معه عزّاً وكرامةً.
- مريم وابنها من آيات الله تعالى الدالَّة على قدرته العظيمة، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ (المؤمنون: 50)، لذا فإن الله تعالى تكريماً ورعايةً لهما آواهما من جهة مرتفعة من الأرض، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على أنَّ من سلك طريق الطاعة فهو في رفعة وسموّ، ومن سلك طريق المعاصي فهو في انحطاط ودنو.
- مريم من أفضل نساء العالمين، قال صلى الله عليه وسلم :"حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأسية امرأة فرعون"، وفي رواية أخرى، قال صلى الله عليه وسلم :"خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأسية امرأة فرعون".
- مريم من أفضل نساء أهل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم " أفضل نساء أهل الجنَّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون".
- مريم سيدة كاملة، قال صلى الله عليه وسلم : "كمل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء إلا: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
- مريم لم يمسَّها الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم :"كل بني آدم يطعن الشيطان في جبينه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب". وفي رواية: "كل بني آدم يمسُّه الشيطان يوم ولدته أمُّه إلا مريم وابنها".
- مريم نذر مقبول، قال تعالى: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾ (آل عمران: 37).
- مريم يأتيها رزقها رغداً في كل وقت وآن، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران: 37).
- مريم مؤيَّدة بالمعجزات: قال تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ (مريم: 24- 25).
ويكفي أن نتدبّر في الآيات التي ذكرها الله في سورة مريم وآل عمران؛ لندرك قيمة مريم البتول عليها السلام، نحن المسلمون، فدورها عظيم وأساسي وهادف في القصص القرآني، وقد منحها الله هذه المكانة ليمنحنا قصة هادفة لها بُعد إنساني وعقائدي وإعجازي مليئة بالدروس والعبر العظيمة.
فمن مريم تعلمنا أهمية النذر والطاعة لله تعالى، وأن لا نقنط من رحمة الله، ونلجأ لوجهه الكريم في السراء والضراء.
ومن مريم تعلمنا الصبر والعفة والطاعة وحمل المسؤولية والعمل والسعي لرعاية ابن حمل رسالة سماوية واجهت معه قومها ومجتمعها، فكانت خير نساء العالمين.
ومن خلال قصتها تتعلم الإنسانية كيفية مواجهة الصدمات النفسية من خلال تدبُّر قصتها التي جاءت في القرآن الكريم، وذلك باستلهام الدروس والعبر:
- كالاستسلام لقضاء الله وقدره.
- أهمية العزلة المؤقتة.
- الصبر بصدقٍ مع الله على البلاء والمصيبة.
- الخروج من دائرة الحزن، (فناداها من تحتها إلا تحزني).
- تذكُّر نعم الله تعالى وأنها لا تعدُّ ولا تحصى، (قد جعل ربك تحتك سريا).
- المحافظة على القوة وعدم الاستسلام للضعف، (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً).
- استدراك الآثار سريعاً، فللصدمات النفسية آثار ينبغي استدراكها سريعاً، أحدها جسدي ويتمثل بأعراض كثيرة منها: اضطرابات الأكل وفقدان الشهيَّة، والآخر معنوي ومنها: الحزن وفقدان السكينة والاطمئنان. وإذا تدبرنا قوله تعالى (فكلي واشربي وقري عيناً) نجد أن الله الحكيم العليم وجَّه مريم إلى علاج الأمرين: الآثار الجسدية، والآثار المعنوية، فكان لعلاج الآثار الجسدية (فكلي واشربي)، وكان العلاج للآثار المعنوية (وقري عينا) أي: لا تغتمِّي، واتركي عنك ما أحزنك وأهمك، وكوني سعيدة باصطفاء الله لك، مسرورة بما أعطاك فيما تهتمين به وتحزنين هو عين النِّعمة التي ليست لأحد غيرك من نساء العالمين.
- الاستعانة بعد الله بالصمت وتفويض الأمر إليه سبحانه وتعالى.
- اليقين بأن مع العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً، فها هي سيِّدة نساء العالمين مريم الطاهرة تباعدت عن الذِّكر حينما اعتزلت وتنحَّت للعبادة، فخلَّد الله ذكرها، وبعدما صدمت بذلك الأمر العظيم، وهو طفل بلا أب، وتمنَّت أن تنسى فلا تذكر قال تعالى: (قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً).
خلَّد الله ذكرها في كتابه، وأعلى شأنها، وبيَّن براءتها وجعلها مثالاً يحتذى، وقدوةً لنساء العالمين، ثم بعد ذلك يصبح ابنها نبيّاً رسولاً يجري الله على يديه النور والصلاح، ويؤيده بالكثير من المعجزات، ويحقق العبودية الخالصة لله، ويتعدّى لمن يشكك دعوة الله تعالى للمحبَّة والسلام والتسامح والرفق والرحمة، والحجة والبرهان والدليل.
لقد كان للسيدة مريم عليها السلام مكانة خاصَّة رفيعة في القرآن الكريم، فقد اصطفاها الله بالتطهُّر، لتقوم بأنبل وأعظم مهمة، وهي مهمة الأمومة في سياق المعجزة الإلهية، فكان لها الدور العظيم والأساسي في محور الأحداث المتعلقة بسيرة عائلتها وابنها، ورسالته التوحيدية الخالصة لله عزَّ وجل.

يمكنكم تحميل كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/626
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

https://alsalabi.com

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022