خبيب في مكة (2)
الحلقة الأربعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / نوفمبر 2021
- ولا تعتدوا:
نحن اليوم أمام ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والتي وجدنا أنها عرت الكثير من الادعاءات التي تقال عن حقوق الإنسان، خصوصًا حين تنتقل الجيوش إلى دول أخرى غير دولها، فأصبح هناك عدوان، وتعذيب، وإطاحة بالإنسانية، واستخفاف بالجنس البشري، ويصاحب ذلك حملة هائلة وضخمة ومضللة من ادعاءات تتعلق بالحفاظ على حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، لكن الإسلام ينشر هذه الحقوق بطريقته الخاصة، وهذه القصة هي أبلغ تعبير يجب أن يوصل للمسلمين كما يوصل لغيرهم.
طفل صغير في حجر رجل يتهيَّأ للموت ظلمًا وعدوانًا وقهرًا، فقد أخذ بالخدعة والعهد والميثاق، ومع ذلك يقول لها: لا تخافي على طفلك، ما كنت لأقتله.
هذه تربية محمد صلى الله عليه وسلم: «أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».
أين شباب المسلمين من هذا المعنى: ألا تقتل طفلًا، ولا امرأةً ولا شيخًا ولا بريئًا- يعني: ممن لا يقاتلون- وهذا حينما تكون منهمكًا في معركة شرعية واضحة المعالم مع عدوك، فكيف إذا كانت القضية فيها لبس؟ فكيف إذا كانت القضية فيها عدوان؟ والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. ويقول سبحانه في محكم تنزيله في غير ما موضع: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8]. وفي الآية الأخرى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: 2]. مَن عصى الله فيك فحقه أن تطيع الله فيه، فلا تخن مَن خانك، ولا تظلم مَن ظلمك، ولا تغدر مَن غدر بك، ولا تهتك عرض مَن هتك عرضك.
هذه قيم وأخلاقيات حتى في الحرب يقررها الإسلام لأبنائه.
- أحب إليه من نفسه:
موقف آخر: يخرج خُبيب بن عَدي رضي الله عنه من مكة ليُقتل، فيقال له: أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: «والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي».
يعني: أُفَضِّل أن أموت على أن تصيب النبي صلى الله عليه وسلم شوكة في رجله.
إن هذا هو الإيمان والشعور بنعمة الله تعالى عليك ببعثة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].
فهو يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وأهله وماله وولده، وحتى في هذا الموقف الذي يؤمن فيه الكافر، ويعيى فيه الشاعر، ويصدق فيه الكاذب، كان تعبير خُبيب رضي الله عنه تعبيرًا عن كل الذين أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم من أعماق قلوبهم، وأدركوا عظيم أثره في حياتهم، وأنه هو القيادة النبوية التي اختارها الله تعالى لهذه الأمة، فهو حظنا من النبيين، كما نحن حظه من الأمم، ولذلك فإن حبه صلى الله عليه وسلم مغروس في أعماق أعماق القلوب، والذين لم يذوقوا طعم محبته صلى الله عليه وسلم لم يذوقوا طعم الإيمان بالله عز وجل: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي