خبيب في مكة (3)
الحلقة الواحدة والأربعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / نوفمبر 2021
خبيب أمام المشنقة:
لقد خرج خُبيب رضي الله عنه إلى القتل، فكان منه موقفين:
أولًا: قصيدة يرتجلها وكأنه يقدم إلى عرس واحتفال:
لَقَدْ أَجْمَعَ الأحْـزَابُ حَوْلِي وَألَّبُوا * قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمعُوا كُــلَّ مَـجْـمَــعِ
وَكُلُّهُــمْ مُـبْـدِي الْعَدَاوَةَ جَـاهِــدٌ * عَـليَّ لأنِّــي فِــي وَثَـــاقٍ مُــضَـيَّعِ
وَقَدْ قَـرَّبُــوا أبْـنَـاءَهُمْ وَنِسَـاءَهُـمْ * وَقُــرِّبْتُ مِــنْ جِــذْعٍ طَــوِيلٍ مُمَنَّعِ
إلَى اللهِ أشْكُو غُرْبَتـي بَـعْـدَ كُرْبَتِي * وَمَا أرْصَدَ الأحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي
فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي * فَقَدْ بَضَّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَـاسَ مَطْمَعِي
وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَـهُ * وَقَـدْ ذَرَفَــتْ عَيْنَــايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ
وَمَا بِي حِذَارُ الْـمَوْتِ إنِّي لَمَيِّــتٌ * وَإنَّ إلَى رَبِّــي إيــابِي وَمَــرْجِـعِــي
وَلَسْتُ أبَالِي حِـينَ أُقْتَلُ مُـسْـلِـمًا * عَلَى أيِّ شِقٍّ كَـانَ فِي اللهِ مَـضْـجَـعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلـــهِ وَإنْ يَشــأْ * يُــبَــارِكْ عَلَى أَوْصَـالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعــدُوِّ تَــخَــشُّــعًا * وَلَا جَــزَعًا إنِّــي إلَى اللهِ مَــرْجِـعِـي
بهذه القوة وبهذا الوضوح يتكلم ويخاطب حتى كتب هذه القصيدة وحفظها قوم كافرون، ثم هم بعد يؤمنون ويتحدثون عنها.
ثانيًا: يستأذنهم ليصلِّي ركعتين، فيأذنون له، فيستقبل القبلة ويصلِّي ركعتين.
إن رباطة الجأش وقوة القلب إنما توجد عند أولئك الذين قرروا أن يربطوا قلوبهم بالله جل وتعالى: «تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ». فيقوم ويصلِّي ركعتين، والعجب كل العجب أنه حين صلَّى ركعتين خففهما ولم يطل في صلاته، ثم أقبل عليهم يعطيهم درسًا في عزة الإيمان وقوته: «والله لولا أن تظنوا أني إنما أطلت خوفًا من الموت لأطلت».
هذه المعاني العظيمة، وهذه الممارسات العملية التي تربَّى عليها المؤمنون الأولون هي ما نحتاجه اليوم، وهي ما يحتاجه المسلم حتى يعرف حقيقة دينه وعظمته، والأخلاقيات التي تربى عليها المؤمنون الأولون هي ما نحتاجه اليوم أيضًا حتى نقدم بها الإسلام لغير المسلمين، والذين يظن الكثير منهم أن الإسلام دين العنف والدموية والقتل والانتقام، لكن لو قدمنا لهم نماذج السيرة النبوية وتصرفات المسلمين الأولين التي هي خير تعبير عن حقيقة هذا الدين، لأحدثت عندهم نقلة هائلة غير متوقعة.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7