الإثنين

1446-06-22

|

2024-12-23

اليوم يوم بر ووفاء (4)
الحلقة الخامسة والأربعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / ديسمبر 2021

 الترويح حق للنفس: 
وهكذا كان هدي الصحابة رضي الله عنهم، وهدي المسلمين والأئمة والعلماء أن يعطوا النفس حقها من الترويح، حتى كان الشافعي رضي الله عنه يقول: كان يقال: «ليس من المروءة الوقار في البستان»؛ وإذا ذهب إلى البستان خلع عمامته ومزح وضحك، وتحدث وابتسم، ولاطف مَن حوله. فالحياة فيها كبار وصغار، وشباب ومراهقون وأطفال، ورجال ونساء، وفيها فسحة وسعة.
لقد وقع أن كان النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في حجرة عائشة رضي الله عنها في يوم عيد، وفوق رأسه جاريتان تغنيان ومعهما الدُّف بغناء العرب في الجاهلية، فدخل أبو بكر رضي الله عنه، فهم بهما وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أبَا بَكْرٍ، دَعْهُمَا؛ فَإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ».
ولما لعب الحبشة بالحِراب في المسجد قال صلى الله عليه وسلم: «الْعبوا- وفي رواية: خُذُوا- يَا بَنِي أَرْفِدَةَ، حَتَّى يَعْلَمَ الْيَهُودُ والنَّصَارَى أنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةٌ».
نعم، إن في ديننا فسحة، ويجب أن نحسن توظيف هذه الفسحة، لأن أخذ النفوس بالجد الصارم أسرع ما يكون إلى قصف الأعمال وانقطاعها، وعجز الإنسان عن المواصلة.
نعم، في ديننا فسحة، وينبغي أن نستثمر هذه الفسحة، وأن نضبطها بضوابط ديننا لئلا تتحول إلى تجاوز أو انحراف. 
 الحلال والحرام في المتعة: 
إن العبد ليعرف في كثير من الأحيان بفطرته الفرق بين الحلال والحرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ». يعني: كثير من الحلال بين وكثير من الحرام بين. وفي بعض الألفاظ: لما سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم قال: «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي القَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».
في كثير من الأحيان يعرف الإنسان من مؤشر قلبه أنه يتجه نحو الخطأ.. إغراء.. إثارة.. فتنة.. تعلق بشهوة.. استجابة للشيطان.. غفلة عن الله عز وجل، فمعنى ذلك أن الاتجاه حينئذ خطأ، وأن هذه الفسحة ليست شرعية وينبغي أن تجتنب ويبتعد عن مغبتها.
وبحسبك أن تقتصر على ما أحل الله عز وجل، وفي الحلال مندوحة عن الحرام، ولو أن الناس اكتفوا بما أحل الله تعالى لهم من ألوان الطيبات والمتع الحلال لتحقق لهم: 
أولًا: طيب الحياة وسلامتها، وصفاء النفوس والقلوب، وتجدد العزائم والهمم مرة بعد أخرى.
ثانيًا: التزام دين الله عز وجل، وتحقيق المثل العليا. 
 تعبيس أو تدنيس: 
إن من الناس مَن لا يفرق بين الجد والهزل، ولقد رأيتُ أقوامًا وهم في عيدهم أو في زواجهم، ومع ذلك تغيب البسمة عن وجوههم، ويستثقل الواحد منهم النكتة حتى لو كانت بريئة، وتجد إسراع الكثير من هؤلاء إلى تكدير هذه اللقاءات الجميلة بإشكالات ومساءلات ومخالفات، وجدل عقيم ومناقشات، وهذا أبعد ما يكون عن الفسحة، كما تجد في المقابل أقوامًا يعتقدون أن للفرح حالًا استثنائية، فيتعدون فيها ما أحل الله إلى ما حرم، ويقعون فيما يعلمون هم أن الله تعالى لا يحبه ولا يرضاه، ولو رآهم محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الحال لاستحوا وخجلوا من ذلك، فكيف والله عز وجل مطلع عليهم.
إن في ديننا فسحة، والكثيرون لم يحسنوا استخدام هذه الفسحة بشكل صحيح، فحرموا أنفسهم منها أو أساءوا استخدامها، ولقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو إمامنا وقدوتنا يفرح ويأذن بالفرح، بل يُعلم أصحابه كيف يفرحون، لقد تسابق هو وعائشة وهم في غزو، فسبقته مرة وسبقها أخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ بِتِلْكَ».
ولقد داعب صلى الله عليه وسلم زاهرًا الأسلمي وهو أعرابي كان صديقًا له واحتضنه من خلفه، وبدأ يعلن عليه بالمزاد: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟». فالتفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فطفق يلصق ظهره بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إذًا والله تجدني كاسدًا. قال: «لَكِنكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ».
وجاءته امرأة تسأل عن زوجها فقال لها: «أَهُوَ الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ؟». فكأنها خشيت وخافت، فقال لها: «إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فِي عَيْنِه بَيَاضٌ».
وجاءته أخرى تسأله أن يدعو لها بدخول الجنة فقال: «إنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ». قال: فولَّت تبكي، فقال: «أَخْبِرُوهَا أنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ؛ إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا۝ عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ [الواقعة: 35-37].
ليس من الوقار التكلف الزائد والجد الصارم، فالابتسامة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وحسن المؤانسة والمعاشرة لمن تحت يدك من زوج أو ولد أو متعلم إحسان وصدقة، ينبغي أن نلقن هؤلاء هدي الإسلام في الفرح والسرور.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم 
http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022