الإثنين

1446-06-22

|

2024-12-23

من وحي الحياة الزوجية

الحلقة السابعة والأربعون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

ربيع الآخر 1443 هــ / ديسمبر 2021

- لا تحزن:

في السنة العاشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان ذلك العام يسمَّى عام الحزن، والحزن جزء من الطبيعة البشرية، فالنفوس تتألم وتعاني، وتمضها اللأواء، لكن فرج الله تعالى وفضله وعونه أقرب.

الحياة أجمل وأحلى، وحتى الحزن بالصبر والرضا يتحول إلى سرور، ويعالج القلب المريض بجرعة من الرضا واستشعار القدر والقضاء، فتحلو وتطيب الحياة مهما يكن فيها من الآلام.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما الذي أحزنك وأمضك وأدمع عينك؟ لقد اجتمع عليه في هذا العام مصيبتان: إحداهما: موت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي زوجه صلى الله عليه وسلم، بل كانت أكثر من ذلك، فقد كانت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا كبيرًا، فقد عرفها قبل النبوة وتاجر لها، فأحبت أخلاقه وكرمه وطيبته، ورغبت في الزواج منه، وهكذا كان، ثم كانت له نعم الأنيس والصديق، والمشير والمعين حتى جاءه الوحي، فكانت أول مَن آمن به.

يقول صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الجنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ». يا لله! هذه البشارة العظيمة ما أعظم وقعها وأبعد معناها.

- سفينة الزواج في أمواج المشكلات:

قد تكون الحياة في بداية الزواج مليئة بالمتعة، ولكن كلما تقدم الزمن بدأت المشكلات تتكشف، ويبدأ الزوجان في التباعد، حتى قد ينتهي الأمر بنوع من العلاقة الزوجية الرسمية التي لا حقيقة لها، فالزوجان يسيران في طريقين متوازيين لا يلتقي أحدهما مع الآخر، والمشكلة أنهما قد يتقاطعان ويتعارضان ويتعاندان فيما بينهما لكنهما لا يلتقيان، ولهذا كانت بشارة خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من القصب لا صخب فيه ولا نصب.

إن الكلمة الهادئة، والنظرة الراضية، والصبر الجميل أساس في العلاقة الزوجية بين الذكر والأنثى، والبيت مليء بالمسؤوليات، بما فيه من أطفال وأعمال، ومشكلات واختلافات، وتقلبات في الوظيفة والسكن، وفي الإقامة والسفر، والبرامج المختلفة، فما لم يكن هناك قدر من الصبر والرضا وقوة الاحتمال فإن الحياة الزوجية معرضة للزوال.

الكثيرون يتحدثون عن العلاقة الزوجية بكثير من الألم من الإخوة والأخوات، والحقيقة ضائعة؛ لأن كل طرف قد يطالب الطرف الآخر بينما لا يقوم هو بالبذل.

إنني أعتقد من واقع اطلاعي على كثير من أحوال البيوت أن الحياة الزوجية عبارة عن سفينة تحتاج إلى يقظة واعية ودائمة، وفي اللحظة التي يغفل فيها الرقيب فإن الرياح قد تميل بها ذات اليمين وذات الشمال، بل قد تغرق السفينة بمَن فيها، ونحن نحتاج إلى قدر كبير من التنازلات من الطرفين، بحيث يكون البيت لا صخب فيه ولا نصب كبيت الصديقة المؤمنة زوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة رضي الله عنها.

- علاقة تكاملية متكافئة:

إن العلاقة الزوجية لا يمكن اختصارها في علاقة جسد بجسد، فإن هذا قد يذبل مع الوقت وتنطفئ حرارته، لكن حينما تكون علاقة متكاملة علاقة عقل بعقل، يكون بينهما تفاهم عقلي، ورؤية مشتركة، وتفاهم قلبي في مشاعر الحب والحنان، والعطف والصبر، والستر، وليست العلاقة حبلًا يحاول كل طرف أن يجره إليه، فالمرأة تطالب وتعاتب، والرجل يوبِّخ وينتقد، وحينئذ يكون التفاهم ضعيفًا أو معدومًا، والضحية الحياة الزوجية ثم الأطفال بعد ذلك.

لكي تستقيم هذه الحياة وتستقر علينا أن نقتدي بالمعلم الأول صلى الله عليه وسلم، وهذه مدرسة عظيمة لو قرأناها لوجدنا العجب العجاب في تعامله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه.

إن نبينا وسيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قد علمنا كل شيء حتى علاقة الرجل بزوجه، وبين لنا أن الحياة إنما تطيب بعيدًا عن الضجيج والصخب، تطيب بالتواضع.. تطيب بالبعد عن الأنانية.. تطيب بتقدير وجهة النظر الأخرى.. تطيب بتفويت الغضب والانفعال.. وألا نسمح لنوباتنا العارضة أن تؤثر في حياتنا، فلا يسمح أحدنا لنفسه ذكرًا كان أو أنثى أن يطلق كلمة سب أو شتم، أو عيب أو انتقاد في ساعة غضب، وإذا وقع هذا بحكم الطبيعة البشرية فالباب مفتوح أن يندم الإنسان، ويسدد ويعوض باعتذار مباشر وصريح، وتعويض آخر بألوان من الممارسات الرشيدة الصادقة التي فيها حفظ مقام المرأة عند الرجل، أو مقام الرجل عند المرأة.

- الإلحاح والمطالبات:

«أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الجنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ». بيت ليس فيه مشكلات.. ليس فيه تكليف شديد، وهذه إحدى المشكلات المؤثِّرة في استقرار الحياة الزوجية، فتجد كثرة المطالب والإلحاح مع أن كل واحد من الطرفين يعرف الآخر، فالزوجة تعرف إمكانيات الزوج الاقتصادية والمادية، ظروفه العملية ومواعيده وارتباطاته، مما قد لا تسمح له بالكثير من العمل والكثير من الإنجاز الذي يقدمه، وكذلك الزوج يعرف ظروف الزوجة، وما يعرض لها من الحيض والحمل، وفي كل هذه الحالات فإن نفسية المرأة تتغير، وتحس أحيانًا بنوع من الاكتئاب أو الضغط النفسي أو المشكلات التي تتطلب قدرًا من الحنو والرعاية، فليكن للمؤمنات الصالحات أسوة بالسيدة خديجة رضي الله عنها، وليكن للرجال المؤمنين الصالحين أسوة بسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم لمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022