اليوم يوم بر ووفاء (3)
الحلقة الرابعة والأربعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / ديسمبر 2021
اليوم يوم بر ووفاء:
كانت سدانة البيت في الجاهلية إلى آل شيبة، فلما فتح الله مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم قام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحِجابة مع السِّقاية صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيْنَ عُثْمَانُ ابْنُ طَلْحَةَ؟». فدعي له فقال: «هَاكَ مِفْتاحُكَ يَا عُثْمانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفاءٍ».
هذا المعنى العظيم الذي يكرِّسه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة الخالدة، من التأكيد على معنى البر والوفاء والشكر، يؤكد أن هذا الدين الذي جاء مهيمنًا على الحياة كلها جاء بأحوال من السعادة والأنس، والرضا والفرح والسرور الذي من طبع الإنسان أن يميل إليها ويبتهج بها.
فليفرحوا:
لقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بفتح مكة ما لم يفرحوا بمثله قط، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يشعر المسلمين بشكل مستمر أن الفرح جزء من الحياة، وأن العبد عليه أن يفرح ويسر سواء بالمكاسب الدينية: من علم، أو عمل، أو عبادة، أو صيام، أو قيام، أو توفيق، أو قرآن، أو حفظ، أو خير، أو دعوة، أو نجاح في أمر من هذه الأمور التعبدية، وفي ذلك قال الله عز وجل:﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. أو الفرح بالدنيا أيضًا فهي المعنية في قوله: ﴿مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وإن كانت الأولى خيرًا منها إلا أن الفرح بالدنيا ما دامت في حدود ما يرضي الله مطلب أيضًا، كأن يفرح الإنسان بتوفيق، أو ترقٍّ، أو نجاح، أو مستوى أفضل في عيشه، أو في زواجه، وما أشبه ذلك، فهذا الفرح لا يذم، بل هو محمود ومن طبيعة الإنسان.
إن الحياة ليست جدًّا دائمًا، ولا أمرًا صارمًا، فلا بد فيها من أوقات يستروح فيها الإنسان إلى الراحة والرضا والسرور والأنس الذي هو مرضاة لله عز وجل، وتسلية للقلب، وإبعاد للهم والغم، فالحياة بغير فرح لا تدوم ولا تستمر، ولا يقوى العبد على مواجهة صعوباتها وآلامها، فلنفرح، فالفرح فيما لا يسخط الله عز وجل خير، يفتح مباهج النفس وآفاقها، ويجدد إمكانياتها وطاقاتها، ويدفعها دفعًا إلى مزيد من الإنجاز والنجاح.
لا بد من الفرح في الحياة، والترويح عن النفس، حتى للجادين والمشغولين؛ كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يسلِّي نفسه ويقول الشعر، ويتندر ويضحك ويبتسم، ولا عجب؛ فقد تلقن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، وإني حينما أذكر عمر فإني أذكر الفاروق الصارم الذي قد يظن بأنه لا يبتسم، ولا يعرف الفرحُ والترويحُ عن النفس إلى قلبه سبيلًا، بينما هو رضي الله عنه خلاف ذلك.
كان عمر رضي الله عنه متلبسًا بإحرامه راكبًا على ناقته، فكانت ترتفع وتنخفض في سيرها، والناس يلبون: «لبيك اللهم لبيك»، وعمر رضي الله عنه يقول:
كَأنَّ رَاكِبَهَا غُصْنٌ بِمَرْوَحَةٍ * إذَا تَدَلَّتْ بِهِ أوْ شَارِبٌ ثَمِلُ
فيشبه هذه الناقة وراكبها بالغصن في يوم الريح الذي يتحرك ذات اليمين وذات الشمال، أو: شارب ثمل. يعني: يتحرك ويتمايل وهو لا يدري بما حوله.
وكان هو وابن عباس- وابن عباس ما زال شابًّا في مقتبل عمره، وكان بينه وبين عمر في العمر فارق زمني كبير جدًّا، ابن عباس في الثالثة عشرة من عمره، وقد ناهز الاحتلام أو جاوز الاحتلام بقليل- ينغمسان في الماء لينظرا أيهما أكثر بقاءً دون أن يتنفس.
وسُئل عثمان رضي الله عنه عن المحرم: هل يدخل البستان؟ فقال: «نعم، ويشم الريحان».
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7