الرؤيا (3)
الحلقة الحادية والستون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جمادى الأولى 1443 هــ / ديسمبر 2021
- الولـع بالـرؤيـا:
ثالثًا: إن الرؤيا ليست من الأمور التي يجب أن يعرفها الناس أو يعرفوا أين الخطأ وأين الصواب فيها، أو أن يكون هناك إلحاح ومتابعة لكل ما يراه الإنسان في نومه، ويكون عنده نوع من برمجة مثل هذه الأشياء وتوظيفها، وقد تتحول أحيانًا إلى مكاسب مادية عن طريق التفسير بمقابل مادي، مع أن المشكلة ليست في المقابل المادي فقط بقدر ما فيها من تعلق الإنسان بالرؤيا.
والمرأة لروحها العاطفية وتوهجها الانفعالي أكثر تعلقًا وسؤالًا عن الرؤيا من الرجل، وهذا أمر ملحوظ ملموس، ولذلك ينبغي وضع الرؤيا في نصابها، فقد تكون مبشرة فتعطي الإنسان فرحة وسعة في أمره، وقد تعطيه وعدًا وتفاؤلًا، وهذا جميل، ويحسن لمفسِّر الرؤى أن يعطي الإنسان نوعًا من المتنفس والخير والبركة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يسأل عن رؤيا يقول: «خَيْـرًا رَأَيْتَ». أو: «خَيْـرًا لَنَا وشَرًّا لأَعْدائِنَا». فالتفاؤل جميل وجيد، ولكن لا نحول الرؤيا إلى برنامج وبإلحاح شديد، وإفراط، وكثرة سؤال، حتى إن الإنسان يسأل عن الرؤيا أكثر مما يسأل عن أمور الشريعة التي تهمه، وأكثر مما يسأل عن مشكلاته التي يعانيها؛ وذلك لأن الناس ينتظرون شيئًا مألوفًا أو متوقعًا، فتجد بعض الناس يبنون قرارات على الرؤيا، فمثلًا: فتاة تريد الزواج وحين تنام تنتظر الرؤيا.
فهذه أشياء يراها الإنسان من تغير وتعكر المزاج، وهي لا تقدِّم ولا تؤخِّر، ولا تدل على شيء، وبمجرد أن يصلِّي الإنسان ركعتين ويسأل الله تعالى أن يوفقه إن كان هذا الأمر خيرًا أو يبعده إن كان شرًّا، يزول عنه ذلك القلق وهذا هو المطلوب، وليس معناه أنه لا بد أن ترى رؤيا تقول لك: افعل أو لا تفعل. وهناك قرارات قد تكون متعلقة بالشركة، أو الأسرة، أو المؤسسة، بل أحيانًا قرارات متعلقة بالأمة تكون مبنية على رؤيا يراها الإنسان ثم يعول عليها ويبني عليها نتائج ضخمة وكبيرة، فضلًا عن بناء الأحكام الشرعية.
وكذلك لا يبنى على الرؤيا الحلال والحرام، والحق والباطل، والخطأ والصواب، أو أنه يكره هذا الإنسان ويحب ذاك، أو يعتقد أن هذا أقرب وذاك أبعد بناءً على مجرد الرؤيا.
- حديث النفس:
رابعًا: غالب ما تكون الرؤيا انعكاسًا لحال الإنسان؛ ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا قد تكون من الله، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون حديث النفس.
ومن خلال قراءتي ومتابعتي لهذا الباب ومعرفتي بأحوال الناس ألاحظ أن قرابة (90%) مما يراه الناس هو من حديث النفس.
فأي خواطر وأفكار تشغلك في اليقظة تراها في المنام، كما أن الإنسان عندما يكون مشغولًا بموضوع فإنه يكثر التحدث عنه، فهكذا في النوم يظل الإنسان يحدث نفسه بهذه الأشياء التي تشغله في اليقظة، وهذا حديث لا يدل على شيء؛ فهو حديث محايد، لا يدل على خطأ ولا على صواب، ولا: افعل أو لا تفعل. بل هو مجرد انعكاس لشعورك أو حديث لنفسك أثناء نومك، وهذا هو الغالب.
قد يرى الإنسان في منامه رؤى مرتبطة برموز وأشخاص أو أشياء أخرى، وهنا ينبغي للإنسان أن يعتدل في هذه الرؤيا ولا يبالغ، ولا حاجة للسؤال أيضًا؛ لأننا طالما أضعنا أوقاتنا وأوقات الآخرين الذين نطلب منهم أن يعبروا رؤانا.
وقد تكون الرؤيا أحيانًا عبارة عن فيلم طويل، وسالفة أو قصة، فسرد الرؤيا نفسها يحتاج إلى عشر دقائق أو ربع ساعة، وفي النهاية قد تكون هذه الرؤيا لا تعني شيئًا وإنما هي حديث النفس.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي