(الأهداف الاقتصادية في الدولة المدنية الإسلامية)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: السادسة و العشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1443 ه/ سبتمبر 2021
من أهداف الدولة الدولة الحديثة المسلمة أن تسلك بشعبها طريق الاكتفاء، والتحرر من التبعية وتتمسك وتعمل على الوصول للأمور التي تعين على الاكتفاء والدولة الحديثة، تأسس اقتصادها بحيث يكون قادراً على الاستفادة والتعاون مع الاقتصاد العالمي ويكون اقتصادها متنوع وتنافسي وكفيل بأن يلبي احتياجات المواطنين الآنية والمستقبلية وتأمين فرص أفضل للجميع ومستوى عيش مرتفع.
ــ والدولة يقتصر دورها على الأمور التالية: المراقبة والتحفيز والتنظيم وتكفل حماية الكسب المشروع والقضاء على الفساد والغش والتلاعب والاحتكار.
ــ بناء اقتصاد معرفي يقوم على البحث، والتطوير والابتكار والتميز في ريادة الأعمال وتعليم رفيع المستوى هادف لتنمية الاقتصاد وتطوير المجتمع وبنية تحتية مادية ومعلوماتية متطورة.
ــ التوسع في الصناعات والخدمات ذات الميزة التنافسية المستمدة من الصناعات البترولية، أو غيرها على حساب ما يتوفر في الدولة.
ــ الاستغلال المسؤول، والأمثل للنفط "للدول البترولية" والغاز وخلق توازن بين الاحتياطي والإنتاج، وبين التوزيع الاقتصادي، ودرجة الاستنزاف.
ــ تطوير بنية تحتية كافية، وقوية قادرة على دعم النمو الاقتصادي المتوقع.
ــ تطوير قوة عمل تتميز بالمهارة الفائقة والإنتاجية العالية.
ــ تمكين الأسواق المالية من تمويل المشاريع والقطاعات الاقتصادية وبناء المؤسسات القادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة وتخضع لمعايير الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
ــ التأكيد على ضرورة إنشاء أجهزة متخصصة للإحصاءات الرقمية للسكان، تتولى مهمة الرصد الدقيق للمواليد وإنشاء خرائط لكفالة المدن والمناطق الحضرية والذاتية على حد سواء والإحصاء الدقيق للسكان والمنشآت والمرافق وذلك بهدف استخدام تلك المعلومات في وضع خطط التنمية للدولة على نحو متوازن وعادل ويضمن توزيعاً منصفاً للثروات في البلاد.
أ ـ ضرورة التخطيط:
لابد من التخطيط القائم على الإحصاء الدقيق، والأرقام الحقيقية، والمعرفة اللازمة بالحاجات المطلوبة ومراتبها ومدى أهميتها، والإمكانات الموجودة، ومدى القدرة على تنميتها والوسائل الميسورة لتلبية الحاجات، والتطلع إلى الطموحات.
ب ـ تهيئة الطاقات البشرية وحسن توزيعها:
ويكون ذلك بتطوير الكفاءات البشرية المتنوعة في كل مجال تحتاج إليه، وأن تطور نظامها الإداري والمالي بحيث تنمي هذه الطاقات، وتحسن تجنيدها وتوزيعها على شتى الاختصاصات بالعدل، اهتداء بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة، آية: 122) ووضع كل إنسان في المكان المناسب له، والحذر من إسناد الأمر لغير أهله: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة(1).
ومن ثم فالدولة المدنية الإسلامية تحرص على الثروة البشرية وتحافظ عليها وتعمل على تنميتها: جسمياً وعقلياً وروحياً وعملياً ومهنياً.
ج ـ حسن استغلال الموارد المتاحة:
فالدولة المدنية الإسلامية لا تهدر شيئاً وتحافظ على الموارد المتاحة، وتعتبرها أمانة يجب أن ترعى ونعمة يجب أن يشكر الله عليها باستخدامها أحسن استخدام وأَمْثَلِه.
ويحسن بنا هنا إلى أن نشير إلى قوله تعالى في الوصية بمال اليتيم: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الإسراء، آية: 34).
وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم بهذه الصيغة نفسها، فلم يكتفِ القرآن منا أن نقرب مال اليتيم بطريقة حسنة وحسب، بل بالتي هي أحسن، فإذا كانت هناك طريقتان لتنمية مال اليتيم والمحافظة عليه: إحداهما حسنة جيدة، والأخرى أحسن منها وأجود، كان الواجب علينا أن نستخدم التي هي أحسن وأجود بل حرام علينا ألا نستخدم إلا التي هي أحسن، كما هو مفهوم التعبير بالنهي وأسلوب القصر.
ومال الشعب في مجموعه أشبه بمال اليتيم، والمؤسسات التي ترعاه أشبه بولي اليتيم ولهذا يجب أن نحافظ عليه وننميه بالتي هي أحسن.
د ـ التنسيق بين فروع الإنتاج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة(2)، ورضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم»(3).
ففي هذا الحديث إشارة إلى أن الاكتفاء بالزراعة وحدها وما يتبعها من الإخلاد إلى الحياة الخاصة المعبِّر عنها باتباع أذناب البقر، وترك الجهاد في سبيل الله، وما يطلبه من إعداد القوة، يُعرض الأمة لخطر الذل والاستعمار وهذا بالضرورة يحتاج إلى نوع من الصناعات لابد أن يتوافر في الأمة، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولقد أنزل الله في كتابه سورة الحديد تنبيهاً منه على أهمية هذا المعدن الخطير قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (الحديد، آية: 25) ففي قوله تعالى: ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ إشارة إلى الصناعات الحربية وفي قوله تعالى: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ إشارة إلى الصناعات المدنية وبهذا تكتمل في سلمها وحربها.
هـ ـ تشغيل الثروة النقدية:
بحيث تخرج النقود من قمقم "الكنز" إلى ساحة الحركة والعمل، فإن النقود لم تخلق لتحبس وتكتنز وإنما خلقت لتتداول، وتنتقل من يد إلى يد: ثمناً لبيع أو أجراً لعمل، أو عين ينتفع بها، أو رأس مال لشركة أو مضاربة فهي وسيلة لأغراض شتى وليست غرضاً لذاتها.
هذه بعض الخطوط العريضة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحرير الأمة من العبودية الاقتصادية لغيرها والاقتراب بها نحو تمكين دينها، كما ننبه على أهمية توزيع الزكاة ورعاية أموال الأوقاف ووضعها في محلها الصحيح فيها من الثروات الهائلة فلابد من تحرير الأوقاف، فإنها تصل إلى المليارات في بلدان الشعوب الإسلامية ولم تستثمر كما ينبغي لكي ترتقي الشعوب وتقوى دولها.
مراجع الحلقة السادسة والعشرون
([1]) مشكاة المصابيح، رقم: 5439.
(2) العينة: أن يبيع السلعة بثمن معلوم لأجل ثم يشتريها منه في الحال بأقل.
(3) صحيح الجامع الصغير، ص: 433.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: