الأربعاء

1446-04-27

|

2024-10-30

كيف تمت بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟

الحلقة: 35

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021

تمت بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالرئاسة بطريقة الاختيار، وذلك بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ جاؤوا من الافاق، ومن أمصار مختلفة، وقبائل متباينة لا سابقة لهم، ولا أثر خير في الدين، فبعد أن قتلوه رضي الله عنه ظلماً وزوراً وعدواناً، يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبايعة علي رضي الله عنه بالخلافة، وذلك لأنه لم يكن أحد أفضل منه على الإطلاق في ذلك الوقت، فلم يدع الإمامة لنفسه أحد بعد عثمان رضي الله عنه، ولم يكن أبو السبطين رضي الله عنه حريصاً عليها، ولذلك لم يقبلها إلا بعد إلحاح شديد ممن بقي من الصحابة بالمدينة، وخوفاً من ازدياد الفتن وانتشارها، ومع ذلك لم يسلم من نقد بعض الجهال إثر تلك الفتن كموقعة الجمل وصفين ؛ التي أوقد نارها، ونبشها الحاقدون على الإسلام كابن سبأ وأتباعه الذين استخفهم فأطاعوه لفسقهم، ولزيغ قلوبهم عن الحق والهدى، وقد روى الكيفيةَ التي تم بها اختيار علي رضي الله عنه للخلافة بعضُ أهل العلم.

فقد روى أبو بكر الخلال بإسناده إلى محمد بن الحنفية قال: كنت مع علي رحمه الله وعثمان محاصر، قال: فأتاه رجل فقال: إن أمير المؤمنين مقتول الساعة، قال: فقام علي رحمه الله: قال محمد: فأخذت بوسطه تخوفاً عليه، فقال: خلّ لا أم لك، قال: فأتى علي الدار وقد قتل الرجل رحمه الله، فأتى داره فدخلها فأغلق بابه، فأتاه الناس، فضربوا عليه الباب، فدخلوا عليه فقالوا: إن هذا قد قتل، ولابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحق بها منك، فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزير خير مني لكم أمير، فقالوا: لا والله لا نعلم أحداً أحق بها منك، قال: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سراً، ولكن أخرج إلى المسجد فبايعه الناس.

وفي رواية أخرى: عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قُتل ولابد للناس من إمام، ولا نجد أحداً أحق بها منك أقدم مشاهد، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: لا تفعلوا فإني وزير خير مني أمير، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد فإنه لا ينبغي لبيعتي أن تكون خفياً، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين، قال: فقال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل المسجد جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس، ومن هذه الاثار الصحيحة بعض الدروس والعبر والفوائد، منها:

-نصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه ودفاعه عنه، وهذا متواتر عن علي رضي الله عنه، بل كان أكثر الناس دفاعاً عن عثمان رضي الله عنه، جاء ذلك بأسانيد كثيرة، وشهد بذلك مروان بن الحكم حيث قال: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعني: علياً ـ عن عثمان.

-زهد علي رضي الله عنه في الخلافة، وعدم طلبه لها، أو طمعه فيها، واعتزاله في بيته حتى جاءه الصحابة يطلبون البيعة.

-إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار والناس عامة في المدينة على بيعته، ويدخل في هؤلاء أهل الحل والعقد ـ وهم الذين قصدوا علياً، وطلبوا منه أن يوافق على البيعة، وألحوا عليه حتى قبلها، وليس للغوغاء وقتلة عثمان كما في بعض الروايات الضعيفة والموضوعة.

-إن علياً كان أحق الناس بالخلافة يومئذ، ويدل على ذلك قصد الصحابة له، وإلحاحهم عليه، ليقبل البيعة وتصريحهم بأنهم لا يعلمون أحق منه بالخلافة يومئذ.

-أهمية الخلافة، ولذا رأينا أن الصحابة أسرعوا في تولية علي، وكان علي يقول: لولا الخشية علي دين الله لم أجبهم.

-إن الشبهة التي أدخلوها علي بيعة علي: كون الخوارج الذين حاصروا عثمان وشارك بعضهم في قتله، كانوا في المدينة، وأنهم أول من بدؤوا بالبيعة، وأن طلحة والزبير بايعا مكرهين، وهذه أقاويل كاذبة لا تقوم علي أساس ليس لها مسند صحيح، والصحيح: أنه لم يجد الناس بعد أبي بكر وعمر وعثمان كالرابع قدرا وعلما وتقي ودينا وسبقا وجهادا، فعزم عليه المهاجرون والأنصار، ورأي ذلك فرضا عليه، فانقاد إليه، ولولا الإسراع بعقد البيعة لعلي لأدي ذلك إلي فتن واختلافات في جميع الأقطار الإسلامية، فكان من مصلحة المسلمين أن يقبل علي البيعة مهما كانت الظروف المحيطة بها، ولم يتخلف عن علي أحد من الصحابة الذين كانوا بالمدينة، أما البيعة فلم يتخلف عنها، وأما المسير معه فتخلفوا عنه، لأنها كانت مسألة اجتهادية، كما أن عليا رضي الله عنه لم يلزمهم بالخروج معه كما فصلت ذلك في كتابي((أسمي المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب))

-لابد من الحذر من مبالغات الإخباريين التي تزعم أن المدينة بقيت خمسة ايام بعد مقتل عثمان، وأميرها الغافقي ابن حرب يلتمسون من يجيبهم إلي القيام بالأمر فلا يجدونه، وتزعم أن الغوغاء من مصر عرضت الأمر على علي فرفضه، وأن خوارج الكوفة عرضوا الخلافة علي الزبير فلا ييجدونه، ومن جاء من البصرة عرضوا علي طلحة البيعة، فهذا لا يثبت أمام الروايات الصحيحة ، ولايصح إسناده . كما أن من المعروف تمكن أصحابة من المدينة وقدرتهم علي القضاء علي الغوغاء لولا طلب عثمان رضي الله عنه بالكف عن استخدام القوة ضدهم، وقد فصلت ذلك في كتابي «تيسير الكريم المنان عن سيرة عثمان ابن عفان»، والصحيح أن بيعة علي كانت عن طواعية واختيار من المسلمين، وليس لأهل الفتنة دور في مبايعة علي، وإنما كل من كان من الصحابة في المدينة، هم الذين اختاروا أمير المؤمنين علي.

-بلغت الروايات الصحيحة والشواهد في بيعة علي إحدى عشرة رواية.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022