الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 90

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1444ه / سبتمبر 2022م

جاءت "الفاء" بعد القول لتفيد الترتيب والتعقيب، وفي هذا إشارة إلى أن إبراهيم - عليه السّلام - نفذ كلامه في أقرب فرصة وبسرعة(1).

وتحولت الآلهة المعبودة بفعله - عليه السّلام - إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهمشة إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر لم يدفع عن صغار الآلهة، ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت(2).

إنَّ إبراهيم - عليه السّلام - حطم الأصنام إلى قطع صغيرة لأهداف عديدة، لعل من أهمها:

-تفريغ شحنة الغيظ الشديدة ضد الأصنام وضد العقيدة الفاسدة، فأشفى غليله بتقطيعها إلى قطع صغيرة، وشفى نفسه من السقم والهمِّ والضيق تماماً، كما ذكر سبحانه في بيان ثمار القتال في سبيل الله {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} ]التوبة:14[.

-إقامة الدليل على بطلان عبادة على بطلان عبادة الأصنام، وذلك بإثبات عجزها عن حماية نفسها، فكيف تحمي غيرها وتنفع عبادها.

-تحطيم الأصنام في قلوب عبّادها، يرونها محطّمة أمام أعينهم لا تستطيع أن تدفع عن نفسها شيئاً، فلا يبقى لها هيبة ولا قدسية في قلوبهم بعد هذه الحادثة، تماماً كما فعل موسى - عليه السّلام - بعد ذلك بإله السامري فقال: {لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} ]طه:97[، فعملية الحرق لتفريغ شحنات الحقد والغيظ من نفس موسى لهذا العجل الذي عبده الناس من دون الله وعملية النسف لنسف الاعتقاد الباطل من قلوب قومه الذين يعبدونه من دون الله، وهكذا رجع إبراهيم - عليه السّلام - بعد أن حطم الأصنام وشفى غليله منها: رجع إلى أهله وهو مطمئن البال وفي منتهى السعادة؛ لأنه حقق هدفاً خطط له أياماً طويلة(3).

وفي قوله تعالى: {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} أي: إلّا صنمهم الكبير، فإنّه تركه لمقصد - قد بينته- وتأمل هذا الاحتراز العجيب، فإن كل ممقوت عند الله لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم إلا على وجه إضافته لأصحابه، كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول: إلى عظيم الفرس.. إلى عظيم الروم.. ونحو ذلك، ولم يقل إلى العظيم وهنا قال: {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ}، ولم يقل: كبيراً من أصنامهم فهذا ينبغي التنبه له والاحتراز من تعظيم ما حقّره الله إلا إذا أضيف إلى من عظمه(4).

مراجع الحلقة التسعون:

( ) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص84.

(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2386).

(3) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص85.

(4) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1073.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022