تأملات في الآية الكريمة: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 92
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1444ه / سبتمبر 2022م
قال حكّام القوم وأشرافهم لجندهم وأعوانهم: ائتوا بهذا الفتى إبراهيم على مرأى ومسمع من الناس ليشهدوا عليه بمقالته وبما فعله، وليشاهدوا ما يصنع به من عقاب، فتكون عقوبته عبرة لمن يعتبر(1).
وقد أصرّ الملأ من قومه على أن يهيجوا الناس على إبراهيم - عليه السّلام - وأن يجندوهم ضدّه وأن يشركوهم في إدانته وعقابه، وكأنهم بقولهم {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} يحاكمونه في "محكمة الشعب"، ويصدرون عليه "حكم الشعب"، وينفذّون فيه "إرادة الشعب"، وكأن الشعب كلَّه يكرهه ويحاكمه ويدينه، وليسوا وحدهم في ذلك، فما هم إلا منفّذون لحكم الشعب(2).
وكان حرصهم على المحاكمة العلنية كي يحققوا عدة أهداف منها:
-تهدئة لخواطر الجماهير الهائجة التي تهتف بالإعدام لمحطم آلهتهم، وإرضاء لنفوسهم المتعطشة إلى الثأر منه والفتك به.
-إعادة الثقة وردّ الاعتبار للأصنام المحطمة من خلال الثأر لها من إبراهيم عليه السّلام، وفي الوقت نفسه الثأر لأنفسهم؛ لأنهم شعروا أن هذه العملية هي تحدٍّ لقوتهم واستهانة بهم، وقلوبهم مملوءة حقداً وغيظاً على إبراهيم عليه السّلام.
-إرهاب الجمهور وتربية الناس بإبراهيم حتى لا يتجرأ أحد بعد ذلك، ويتطاول على دولة الباطل أو يعارضها، فالذي يعارض ويتطاول، مصيره مثل مصير إبراهيم - عليه السّلام - الحرق والسحق، وهذه عادة في كل زمان ومكان مع معارضيهم، يستعرضون قوتهم عليه أمام الناس للإرهاب، فيلجؤون إلى المحاكمات الميدانية وتنفيذ حكم الإعدام فوراً أمام الناس، وبالفعل أُحضر إبراهيم - عليه السّلام - بكل قسوة ولكنه عملاق وقف بينهم مرفوع الرأس مشرئب العنق في جلال الواثق وإيمان الثابت وعقيدة الخاشع(3).
وجُمع الناس لمشاهدة المحاكمة العلنية التاريخية، وتسامع الناس بالخبر وعرفوا من الفاعل، فأقبلوا إليه يسرعون الخطى ويحدثون حوله زفيفاً، وهم جمعٌ كثير غاضب هائج، وهو فرد واحد، ولكنه فرد مؤمن لا يبالي كثرتهم وهياجهم وزفيفهم(4).
وهذا الذي أراده خليل الله - عليه السّلام -، لقد أقبل الناس كل الناس من كل حدب وصوب يشهدون المحاكمة، ويسمعون أقوال الذي حطّم آلهتهم، وتقدم إبراهيم- عليه السّلام - وسط هذه الجموع الحاشدة تقدم ثابت الخطى مطمئن النفس غير خائف تهديدهم ووعيدهم(5).
مراجع الحلقة الثانية والتسعون:
(1) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص143.
(2) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/352).
(3) أنبياء الله، عبد الحميد كشك، ص22.
(4) زفيفهم: سرعتهم مع الصوت والجلبة مثل المسيرات.
(5) منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، محمد سرور بن نايف زين العابدين، ص87.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي