تأملات في الآية الكريمة: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 101
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ريبع الأول 1444ه/ أكتوبر 2022م
ذكر الله سبحانه في هذه السورة بعض المنح والعطايا التي وهبها لإبراهيم - عليه السّلام -، نتيجة لهجرته وتضحياته في سبيله، فلم يتركه الله وحيداً، بل وهب له ذرية وعوضه خيراً، فإسحاق هو ابن إبراهيم - عليه السّلام - رزقه من سارة وكانت عقيماً، ويعقوب هو ابن إسحاق ولكنه يُحسب ولداً لإبراهيم؛ لأن إسحاق رزقه في حياة جده إبراهيم، فنشأ في بيته وحجره وكان كأنه ولده المباشر، وتعلم ديانته ولقنه دينه وكان نبياً كأبيه.
ولم يذكر السياق إسماعيل - عليه السّلام -، مع أنه الابن الأكبر لإبراهيم - عليه السّلام - وولدته هاجر؛ لأن السياق يتكلم عن الأرض التي هاجر إليها إبراهيم وعن أنبياء بني إسرائيل الذين سكنوا تلك المنطقة، بينما إسماعيل ذُكر في سياق الهجرة مباشرة في سورة الصافات: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} ]الصافات:90-100[، فالغلام الحليم هو إسماعيل - عليه السّلام -، ومن ذرية إسحاق جاءت أمة بني إسرائيل اليهود والنصارى، ومن ذرية إسماعيل جاءت أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكانت هبة الله لإبراهيم إسماعيل وإسحاق - عليهم السّلام - أعظم هبة من الله له، وقد تلقّاها خليل الله بالشكر والثناء، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ]إبراهيم:39[(1).
ومعنى {نَافِلَةً} هو وصف ليعقوب - عليه السّلام- لأنه ولد ولده يعني أن يعقوب ولد إسحاق، وقال مجاهد: نافلة: عطية(2)، وقال الرازي: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ}؛ إجابة لدعائه ووهبنا له يعقوب نافلة على ما سأل، كالصلاة النافلة التي هي زيادة على الفرض، وعلى هذا النافلة يعقوب خاصة.
وفي قوله تعالى: {وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} أي: جعلنا كلاً من إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنبياء مرسلين، هذا قول الضحاك، وقال آخرون عاملين بطاعة الله مجتنبين محارمه(3).
وجاءت الهبة بإسحاق ويعقوب - عليهما السّلام - بحرف العطف "الواو" مما يدلُّ على تأخرها، وأنها لم تأتِ بعد هجرته مباشرة، بل بعد مجيء الملائكة بهلاك قوم لوط - عليه السّلام - كما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى(4).
ولقد ترك إبراهيم - عليه السّلام - وطناً وأهلاً وقوماً، فعوضه الله الأرض المباركة وطناً خيراً من وطنه، وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلاً خيراً من أهله وعوض من ذريته أمة عظيمة العدد قوماً خيراً من قومه(5).
فقد نشأت من ذريته أمتان عظيمتان كان لهما الدور المحوري والبارز في مستقبل الحضارة الإنسانية، وهاتان الأمتان المنحدرتان من صلبه هما على التوالي؛ الأمة العربية التي أنشأها أبناء إسماعيل - عليه السّلام - وأمة بني إسرائيل التي تشكلت من أحفاد يعقوب بن إسحاق عليهما السلام(6).
مراجع الحلقة الواحدة بعد المائة:
(1) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص105.
(2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (5/591-592).
(3) التفسير الكبير مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، (22/191-192).
(4) حديث القرآن عن إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، د. سليمان إبراهيم الحصين، ص483.
(5) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص106.
(6) سنن الله في الحضارة الإنسانية، أحمد سريرات، ص48.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي