الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 99

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1444ه / أكتوبر 2022م

 

أيّ: أخسر من كل خاسر، حيث عاد سعيهم في إطفاء نور الحق قولاً وفعلاً، برهاناً قاطعاً على أنه - عليه السّلام - على الحق وهم على الباطل، موجباً لارتفاع درجته واستحقاقهم لأشد العذاب(1).

ويَطوي السياق القرآني ذُهول القوم وخيبتهم عندما طلع إبراهيم - عليه السّلام - من النار سالماً ساطع البرهان باهر الحجة؛ ليبعث تلك النفوس على التأمل في أمر تلك المعجزة التي حدثت أمام أعينهم، دلالة على صدق الخليل - عليه السّلام - في دعوتهم إلى عبادة الله عزّ وجل، و{كَيْدًا} أي: مكراً عظيماً في الإضرار به وهو ما أرادوه من حرقه(2).

وتسمية عزمهم على إحراقه كيداً يقتضي أنهم دبروا ذلك خفية منه، ولعل قصدهم من ذلك ألا يفر من البلد فلا يتم الانتصار لآلهتهم، والمعنى: أرادوا أن يكيدوه، فما كانوا إلا مغلوبين غالبوه بالجدال؛ فلقّنه الله عزّ وجل الحجة والموعظة، ثم عدلوا للقوة والجبروت، فنصره الله وقواه عليهم(3).

وقد ذكر الله تعالى هنا في سورة الأنبياء: {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}، وفي سورة الصافات: {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِين}، وشدة الخسارة التي اقتضاها قوله: {الْأَخْسَرِينَ} بما لحقهم عقب ذلك من العذاب والخزي والعار لما ظهر من بطلان حجتهم، ولأنهم حرّضوا بعضهم على الانتقام من إبراهيم - عليه السّلام - انتقاماً وانتصاراً لآلهتهم، كأنهم كانوا في حرب معه قاصدين الانتصار، فجعلهم الله عزّ وجل هم الأخسرين، وهكذا نجّى الله تعالى الخليل - عليه السّلام - من النار، وأظهر حجته وجعلهم الأخسرين، وتلك عقبى كل جبار عنيد(4).

وأما في سورة الصافات، فقد قال الكفار: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} ]الصافات:97[، حيث ألقوه إلقاءً من أعلى إلى أسفل، وطرحوه في الجحيم وسط البنيان، وكانوا هم على شفا البنيان يتفرجون على إبراهيم، وكان إبراهيم أسفل منهم - من حيث المكان - ففي الاعتبار المادي كانوا هم أعلى يتفرجون، وكان إبراهيم أسفل منهم في الجحيم، ولهذا ناسب أن تسجل النتيجة الكلمة المقابلة للعلو والارتفاع المادي، ولهذا قالت الآية: {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِين}، فهم الأسفلون في المنزلة وإن كانوا الأعلى في المكان، وإبراهيم - عليه السّلام - الأعلى مكانة، وإن كان أسفل منهم في المكان(5).

ويستعمل الخُسر في المقتنيات الخارجية الدنيوية كالمال والجاه، كما يستعمل في المقتنيات النفيسة، كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب، وكل خسران مذكور في القرآن الكريم فهو على المعنى الأخير(6).

لقد أنجى الله عزّ وجل إبراهيم من الكيد الذي أريد به، وباء الكائدون بخسارة ما بعدها خسارة {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرين}، هكذا على وجه الإطلاق دون تحديد(7).

 

مراجع الحلقة التاسعة والتسعون:

(1) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (5/370).

(2) الحوار في قصة الخليل عليه السلام في القرآن دروس وعبر، محمود سعد عبد الحميد شمس، ص402.

(3) المرجع نفسه، ص401.

(4) الحوار في قصة الخليل عليه السلام في القرآن دروس وعبر، محمود سعد عبد الحميد شمس، ص402.

(5) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/365).

(6) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص155.

(7) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2388).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022