من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان:
دولة بنو عبد الواد «بنو زيان»
الحلقة: السادسة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ سبتمبر 2020
كان بنو زيان ولاة الجزائر من قبل الموحدين، وعندما ضعف أمر الموحدين انفصلوا بالمغرب الأوسط، وجعلوا مدينة تلمسان عاصمة لهم، وترجع أصولهم إلى قبىء ل زناته الكبرى، وعرفوا في كتب التاريخ ببني عبد الواد.
وكان بنو عبد الواد من أمراء القبىء ل الرحل التي تنتقل في الصحراء الكبرى خلف الماء والكلأ والمراعي، ثم ساعدتهم الظروف والأحوال التي مرت بها المغرب على الاستقرار، وتكوين دولة استمرت ما يقرب من ثلاثمئة سنة تقريباً، وكان استقرار قبىء ل عبد الواد في سواحل المغرب الأوسط، واستطاعوا أن يفرضوا أنفسهم بالقوة على أهالي هذه البلاد، وأصبحوا فيما بعد سادة المغرب الأوسط.
وانفصل زعيم بني عبد الواد يغمر اسن بن زيان عن دولة الموحدين، وأبقى الطاعة الشكلية لها إلى أن سقطت فعلياً، وحكم زعيم بني عبد الواد ما يقارب الخمسين سنة (633هـ/1235م ـ 681هـ/1282م)، كان يغمر اسن يدرك صعوبة الموقف الذي أصبح فيه، لكون دولته أصغر دويلات الشمال الإفريقي وأقلها قوة، وأيقن بالخطر القادم من المغرب الأقصى بعد صعود نجم قبىء ل بني مرين، لذلك تحالف مع خلفاء الموحدين لكسر شوكة المرينيين، إلا أن تلك الأحلاف لم تستمر وانتهت بوصول بني مرين إلى الحكم بعد إسقاطهم للموحدين.
وأرادت الدولة المرينية أن تؤمن حدودها الشرقية، ودخلت في صراع عنيف وقتال مرير مع بني عبد الواد الذين هزموا في عام (670هـ/1271م) أمام الضربات المرينية قرب وجدة، ثم تحركت القوات المرينية نحو تلمسان، وضربت عليها حصاراً استمر لمدة عام كامل، ثم رفع حتى تتفرغ الدولة المرينية للاستيلاء على ما تبقى من أقطار المغرب الأقصى.
وكان من سعد بني عبد الواد أن انشغل المرينيون بالجهاد في بلاد الأندلس، وتحالف بنو عبد الواد مع بني الأحمر لما ساءت العلاقة بين بني مرين وبني الأحمر، بفعل العمل الاستخباراتي النصراني الإسباني، وقام بنو عبد الواد بالهجوم على حدود الدولة المرينية، فاضطر المرينيون أن يعودوا لحرب بني عبد الواد، وألحقوا بهم هزىء مهم في عام (679هـ/1280م).
وكان بنو عبد الواد يجدون في الصحراء الواسعة ملاذاً لهم عندما يشتد خطبهم، وتنكسر حشودهم، وتنهزم قواتهم أمام المرينين، ثم ينتظرون الوقت المناسب، والفرصة الملىء مة ليعودوا إلى مدنهم في المغرب الأوسط.
كان بنو عبد الواد ينتهزون الفرص التي تحدث بين أبناء البيت المريني فيناصرون فريقا على حساب اخر، كما كانوا يدخلون في أحلاف ضد المرينين مع الحفصيين الذين رأوا في بقاء بني عبد الواد درعاً حصيناً بينهم وبين بني مرين، إلا أن تلك الحالة لم تستمر طويلاً، حيث دخلت الدولتان في صراع عنيف ضد بعضهم البعض، وإن كان أخف من الصراع مع المرينيين.
واستطاعت الدولة المرينية أن تزيل الوجود الزياني والحفصي، وتوحد المغرب كله في زمن أبي الحسن المريني في عام (737هـ/1337م) إلا أن تلك الوحدة لم تستمر بسبب عوامل مرت بنا.
لقد تعرضت دولة بني عبد الواد للانهيار أكثر من عشرين مرة، ومع ذلك استطاعت أن تبقى في حكم المغرب الأوسط لمدة ثلاثة قرون، ويرجع ذلك إلى أسباب منها:
ـ ظهور الزعيم يغمر اسن بن زيان، والذي استمر في الحكم لمدة نصف قرن يقول ابن خلدون عنه: كان يغمر اسن بن زيان من أشد بني عبد الواد بأساً، وأعظمهم في النفوس مهابة وإجلالاً، وأعرفهم بمصالح قبيلته، وأقواهم كاهلاً على حمل الملك واضطلاعاً بالتدبير والرياسة ، شهدت له بذلك آثاره قبل الملك وبعده ، وكان مرموقاً بعين التجلة، مؤملاً للأمر عند المشيخة، تعظمه من أمره الخاصة، وتضرع إليه في نوىء بها العامة، فلما تولى الأمر بعد أخيه قام به أحسن قيام، واضطلع بأعبىء ه، وظهر على الخارجين وصيّرهم في جملته وتحت سلطانه، وأحسن السيرة في الرعية بحسن السياسة والاصطناع وكرم الجوار، واتخذ الالة، ورتب الجند والمصالح، وفرض العطاء.
ـ حصانة مدينتهم وموقعها الوعر، وخصوبة الإقليم المحيط بها، وصبرهم ومصابرتهم في القتال وتحملهم للحصار.
ـ حسن سياستهم مع القبىء ل العربية الهلالية، فمنحوهم إقطاعات واسعة، وأكرموهم بالأموال والعطاء، فكانوا من الأسباب الظاهرة في حماية الدولة.
ـ إسناد مرافق الدولة إلى الأندلسيين الذين هاجروا من ظلم النصارى الإسبان وجورهم وتعسفهم، فاستفادت الدولة من خبرتهم في الوزارة وفي الحياة المعمارية، والحياة الثقافية.
ـ اهتمامها بالتجارة، واستفادوا من موقع تلمسان الذي كان محطة بين إفريقية المدارية وأوروبا، فكان يتم التبادل بين التجار، بين ما يحملوه من إفريقيا من تبر ورقيق وجلود وعاج، وبين ما يحمله التجار من أوروبا وأخصها السلاح.
ـ هيأت الدولة الأمن للتجار، وخفضت عنهم الضرىء ب، واكتفت بما تحصله من رسوم. فكان للتجارة سبب في ازدهار الدولة، وحصولها على الأموال اللازمة.
ـ اهتمام الدولة بالعلماء والأدباء والشعراء ؛ حتى إن يحيى بن خلدون (ت780) وهو أخو المفكر الكبير والمؤرخ المعروف ابن خلدون استطاع أن يصل إلى وظيفة الحجابة في زمن الأمير أبي حمو موسى الثاني (753هـ/1352 م ـ 791هـ/1389م). وكان هذا الأمير محباً للعلماء والأدباء، وكان هو نفسه أديباً شاعراً وله كتاب اسمه: «نظم السلوك في سياسة الملوك»، ووقف مع غرناطة في جهادها بالمال والرجال.
وفي عهد بني زيان على العموم نبغ جماعات من أشهر العلماء والأدباء والكتّاب والمفكرين، ولعل في قمة هؤلاء عبد الرحمن الثعالبي مؤلف «الجواهر الحسان»، والمقري مؤلف «نفح الطيب»، كما امتازت هذه الدولة ببناء المدارس الفسيحة التي تعتبر من آيات الفن المعماري العربي، وأجريت على طلبتها وشيوخها الأرزاق.
• التنظيم الإداري في عهد بني عبد الواد:
قسمت السلطات في الدولة إلى:
ـ السلطة العسكرية ويتولاها صاحب السيف.
ـ السلطة الإدارية ويتولاها صاحب القلم.
ـ السلطة القضىء ية ويتولاها قاضي القضاة.
ـ السلطة المالية ويتولاها صاحب المال.
ويتابع مسؤولي السلطات السابقة شخصٌ يطلق عليه «مزاول»، وله حق الإشراف على كل هؤلاء، وهو ما يعرف في زماننا برئيس الوزراء، وفي كل مدينة أو قبيلة كان يوجد الحافظ (الوالي)، وهو حافظ النظام الإسلامي، وإلى جانبه المحتسب، وهو المشرف على الحسبة، والقاضي، وغيرهم من موظفي الدولة وجباة الضرىء ب.
• أسباب السقوط لبني عبد الواد:
ـ النزاع الداخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة من أجل الوصول إلى الحكم.
ـ قتال الحفصيين لهم في عهد أبي فارس عبد العزيز وعهد أبي عمر وعثمان أضعف الدولة وخلخل بنيتها القائمة عليها.
- ظهور دويلات على الساحل انفصلت عن قلب الدولة في تلمسان.
ـ مجيء الغزو الصليبي النصراني الإسباني واحتلالهم بجاية سنة (910هـ/ 1504م)، ثم استيلاؤهم على وهران (914هـ)، ثم سعيهم للاستيلاء على الجزائر، وعاشت هذه المدينة تحت تهديد المدافع الإسبانية. وعجز بنو عبد الواد في التصدي لهم.
ـ ظهر على الساحة المجاهدون المسلمون الذين ينتمون إلى الدولة العثمانية، وكان على رأسهم خير الدين بربروسة ؛ الذي استطاع أن يضع حداً لعدوان الإسبان، وانتهى الأمر بزوال دولتي بني زيان في عام (926هـ/1554م)، ودخول المغرب الأوسط تحت الحكم الإسلامي العثماني، والذي استطاع أن يهزم الإسبان، وكان تفاعل أهالي المغرب الأوسط مع الدولة العثمانية عظيماً، لأن المسلمين العثمانيين دحروا الإسبان وهزموهم، وخلصوا البلاد من التواكل والتخاذل الذي أخلد إليه بنو عبد الدار، فكان ذلك التخاذل والتواكل سبباً في تجرؤ الإسبان على احتلال وهران، واعتدى الجيش الإسباني النصراني على حرمات الدين والأعراض والنفوس والأموال وارتكبوا الفواحش، وقتلوا نحو ثمانية الاف من الأطفال والشيوخ والنساء، وانتهكت حرمات المساجد والبيوتات الشريفة، وفي أواخر رمضان سنة (915هـ/1511م) اقتحم النصارى الإسبان أسوار "بجاية" وحطموا الجامع الأعظم فيها، وكثيراً من معالم المدينة.
فكان من الطبيعي أن يفرح أهالي المغرب الأوسط لمجيء العثمانيين للدفاع عن الإسلام وأهله وداره والتصدي للإسبان وغيرهم.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي: