الثلاثاء

1447-02-25

|

2025-8-19

(رأي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في علماء عصره)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 222

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021

وأما علماء الخلف فهم أقل من أن تسمِّيهم علماء دين، وأقل من أن تسميهم علماء دنيا. أما الدين فإنهم لم يفهموه على أنه نصوص قطعية من كلام الله، وأعمال وأقوال تشرح تلك النصوص من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، ومقاصد عامة تؤخذ من مجموع ذلك ويرجع إليها فيما لم تفصح عنه النصوص، وفيما يتجدد بتجدُّد الزمان، لم يفهموه على أنه عقائد يتبع العقل فيها النقل، وعبادات كملت بكمال الدين، فالزيادة فيها كالنقص منها، وأحوال نفسية صالحة هي أثر تلك العقائد والعبادات، واداب تصلح المعاملة وتصحِّحها بين الله وعباده، وبين العباد بعضهم مع بعض، بل فهموا الدين وأفهموه على أنه صور مجرَّدة خالية من الحكمة، وحكّموا فيه الاراء المتعاكسة والأنظار المتباينة من مشايخهم، حتى انتهى بهم الأمر إلى إطراح النصوص القطعية إلى كلام المشايخ، وإلى سدِّ باب الفكر بالتقليد، وتناول حقائق الدين بالنظر الخاطأئ والفهم البعيد. والفكر كالعقل نعمة من نعم الله على هذا الصنف البشري، فالذي يعطله أو يحجر عليه جانٍ مجرم، كالذي يعطل نعمة العقل، ولعمري إن سدَّ باب الاجتهاد لأعظم نكبة أصابت الفكر الإسلامي، وأشنع جريمة ارتكبها المتعصبون للنزعات المذهبية.

وأما الدنيا فليسوا علماء دنيا بالمعنى الأعلى لهذه الكلمة، وهو أن يعالجوا الكسب بطرق علمية، ويدرسوا وسائل الثراء بعزائم صادقة، ويضربوا في الأرض لجمع المال بكد اليمين وعرق الجبين، وأما المعنى السخيف لهذه الكلم فهم أوفر الناس حظاً منه، فهم يطلبون المعيشة بأخس وسائلها، فيحصلون منها على فتات الموائد يشترونه بدينهم وماء وجوههم، هانوا على أنفسهم فهانوا على الله وعلى الناس، فرضوا بالدون والهون.

ـ بداية التفكك:

نعني بعلماء الخلف هذه العصابة التي نشهد اثارها ونسمع أخبارها، ونحدِّدها تحديداً زمنياً بمبدأ المائة العاشرة للهجرة، من يوم بدأت الشعوب الإسلامية في التفكُّك والانهيار، ولم يظهر لهؤلاء العلماء أثر في دفع البلاء قبل إعضاله، بل كانوا أعواناً له وكانوا بعض أسبابه، وإنما نحدد هذا التحديد متساهلين وإن كان المرض ممدود الجذور إلى ما قبل ذلك الحد من القرون، ولكن المرض لم يصل إلى درجة الإعضال إلا في المائة العاشرة وما بعدها.

إن الناظر في تاريخ العلم الديني الإسلامي يرى أن طوره الأول كان علماً متيناً، وعملاً متيناً، وأن طوره الوسط كان علماً سميناً وعملاً هزيلاً، وأما طوره الثالث والأخير فلا علم ولا عمل، إنما هو تقليد أعمى ونقل أبكم، وحكاية صماء، وجفاف جاف، وجمود جامد، وخلاف لا يثبت به حق، ولايُنفى به باطل، ولا تتمكن به عقيدة، ولا تثبت عليه عزيمة، ولا تقوى عليه إرادة، ولا تجتمع معه كلمة، ولا ينتج فيه فكر، ولا تستيقظ معه عزة، ولا تثور كرامة، ولا تتنبَّه رجولة ولا نخوة، لأن الشخصية فيه موءودة، والروح المستقلة معه مفقودة، إنما هو تواكل يسمُّونه توكلاً، وتخاذل يسكّنونه بالحوقلة والاسترجاع، وخلاف ممزِّق لأوصال الدين يسمُّونه رحمة.

لقد أذل الطمع أعناق علماء الخلف، وملكت «الوظيفة» عليهم أمرهم، وجرّت عليهم الأوقاف المذهبية كل شر، فهي التي مكَّنت لنزعة التقليد في نفوسهم، وهي التي قضت على ملكة النبوغ واستقلال الفكر فيهم، وهي التي طبعتهم على هذه الحالة الذميمة وهي معرفة الحق بالرجال، وهي التي ربطتهم حتى في أحكام الدنيا وأوجه الحياة بالقرن الثاني لا في قوَّته وعزَّته وصولته، بل في حبس ركاب عنده، وتعطيل دوران الفلك العقلي بعده، ولذلك لم يسايروا الزمن ولم يربطوا بين حلقاته، فعاشوا بأبدانهم في زمن، وبأذهانهم في زمن، وبين الزمنين أزمنة، تحرَّكت وهم ساكنون، ونطقت وهم ساكتون.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022