الثلاثاء

1446-12-21

|

2025-6-17

أهم شروط الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية (رضي الله عنهما)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: السابعة والأربعون

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

تحدثت الكتب التاريخية والمصادر الحديثة وأشارت إلى حصول الصلح وفق شروط وضعها الطرفان، وقد تناثرت تلك الشروط بين كتّاب التاريخ وحاول بعض العلماء جمعها وترتيبها واستئناسا إلى ما وصلوا إليه نحاول ترتيبها على وفق ما وصل إليه اجتهادى مع التعليق على كل مادة من مواد الصلح بما يناسبها.
أولاً: العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء:
ورواية البخارى ذكرت أن الحسن ما سأل الوفد (عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر) شيئًا إلا قالا له: نحن لك به، والتذكير بالعمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الراشدين يتناسب مع الحالة التى تم فيها الصلح وهو نوع من التذكير والإلزام لمعاوية بالسير على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين، ولا نوافق ما ذهب إليه بعض المؤرخين ومنهم أستاذى وشيخى الدكتور أحمد بطاينة فى كون إيراد ذلك ضمن شروط الصلح تعريض من الرواية بمعاوية واتهامه بمجافاة ذلك، مما ينفى أن يكون هذا الشرط من شروط الصلح بين الجانبين ، وقد ذكر هذا الشرط مجموعة من العلماء منهم ابن حجر الهيثمى حيث ذكر صورة الصلح بين الحسن ومعاوية وجاء فيها: صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين وأن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وحتى بعض كتب الشيعة ذكرت هذا الشرط وهذا دليل على توقير الحسن بن على لأبى بكر وعمر وعثمان وعلى إلى حد جعل من أحد الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه: أنه يعمل ويحكم فى الناس بكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الخلفاء الراشدين -وفى النسخة الأخرى- الخلفاء الصالحين ، ففى هذا الشرط ضبط لدولة معاوية فى مرجعيتها ومنهجها فى الحياة ونفهم من هذا الشرط أمورا منها:
1 - مصادر التشريع فى عهد الخلافة الراشدة:
أ- القرآن الكريم:
قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]. فهو المصدر الأول الذى يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التى تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن مبادئ أساسية وأحكامًا قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة، كما بين القرآن الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها.
ب- السنة المطهرة:
هى المصدر الثانى الذى يستمد منه الدستور الإسلامى أصوله ومن خلالها يمكن معرفة الصيغ التنفيذية لأحكام القرآن ، وقد أمر المولى عز وجل بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]. وقد بين المولى عز وجل خطورة من يخالف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
ونفى الخيار عن المؤمنين إذا صدر حكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
وقد أمر المولى عز وجل بالرد إلى الرسول عند النزاع قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. وجعل الرد إلى الرسول عند النزاع من موجبات الإيمان ولوازمه قال تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].فكان من الطبيعى أن تكون السنة المطهرة من مصادر التشريع فى عهد الخلافة الراشدة.إن دولة الخلافة الراشدة خضعت للشريعة، وكانت سيادة الشريعة الإسلامية فيها فوق كل تشريع وفوق كل قانون، وأعطت صورة مضيئة مشرقة على أن الدولة الإسلامية دولة شريعة، خاضعة بكل أجهزتها لأحكام هذه الشريعة،
والحاكم فيها مقيد بأحكام لا يتقدم ولا يتأخر عنها . ففى عهد الخلافة الراشدة وفى مجتمع الصحابة، الشريعة فوق الجميع، يخضع لها الحاكم، والمحكوم. ولهذا قيد الصديق طاعته التى طلبها من الأمة بطاعة الله ورسوله فقال: "أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم" .
2 - أهمية سنة الخلفاء الراشدين:
كان الحسن بن على رضى الله عنه -كما مر معنا- مستوعبًا لعهد الخلافة الراشدة، وقد ذكرنا أهم الدروس والعبر والفوائد التى استفاد منها من عهد الصديق والفاروق وذى النورين، ووالده على رضى الله عنهم أجمعين، فالعهد الراشدى تتجلى أهميته بصلته بالعهد النبوى وقربه منه، فكان العهد الراشدى امتدادًا للعهد النبوى، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت فى العهد النبوى، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه، والسير فى ركابه والاستمرار فى الالتزام به، كما أن العهد الراشدى وضع التنظيمات الجديدة المتعلقة بمؤسسات الدولة لترسيخ دعائمها ومواجهة المستجدات المتنوعة، على أصول قواعد الشورى، وحدثت اجتهادات جديدة فى مجالات متعددة استفادت الدولة والأمة الإسلامية منها ويكفى للبرهان على أهمية عهد الخلافة الراشدة للحكام المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى" ، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا بالذين من بعدى: أبى بكر وعمر" .
3 - من معالم الخلافة الراشدة:
أ- كان خلفاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينطلقون من حكمهم وتصرفاتهم ورعايتهم لأمور الدولة ومعالجتهم للأحداث من الإسلام وباسم الإسلام وشورى من المسلمين.
ب- لم يتول أحد منهم أمر المسلمين بفرض نفسه عليهم أو يفرضه من قبل من سبقه فى رئاسة الدولة بدءًا من أبى بكر وانتهاءً بعلى، بل كان كل ذلك بشورى من المسلمين، ولكن هذه الشورى قد اتخذت صورًا متعددة مما يدل على أن الإسلام لم يفرض كيفية معينة لاختيار الخليفة، بل إن ذلك متروك.
ج- بعد الاختيار المنبثق من الشورى تتم مبايعة الخليفة علنًا ولا يُلتفت لما قد يحصل من مخالفة البعض، فالعبرة بما تراه غالبية الأمة وسوادهم الأعظم، ثم إذا حصلت البيعة لا يجوز نقضها إلا حين يكون كفرًا بواحًا.
د- الأمة مسئولة عن محاسبة الخليفة فى كل تصرفاته بدءًا من الشئون المالية وانتهاء بشئون السياسة والحكم والولاية، ولكن ذلك ضمن أطر حددها الإسلام ويتم ذلك عن طريق أهل الحل والعقد، ولا يجوز للأمة أن تثور بشكل غوغائى لأن ذلك يؤدى إلى الفتنة وانتشار الإشاعات، كما حدث فى فتنة عثمان رضى الله عنه ، ومبدأ محاسبة الحاكم وحق الأمة فى مراقبته قرره الخلفاء الراشدون بأقوالهم وأفعالهم؛ فأبو بكر رضى الله عنه يقول: فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى ، وعمر يقول: أحب الناس إلىَّ من رفع إلىَّ عيوبى ، وقال: إنى أخاف أن أخطئ فلا يردنى أحد منكم تهيبًا ، وما قاله عثمان: إن وجدتم فى كتاب الله أن تضعوا رجلى فى القيد فضعوا رجلى فى القيد ، وقال على رضى الله عنهم جميعًا: إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم إلا أنه ليس لى أمر دونكم .
وقد جرى العمل فى عهد الخلفاء الراشدين على التسليم للأمة بحق الرقابة على الحكام ولم ينكره أحد فدل ذلك على الإجماع ، كما أن إجماع الصحابة - حكامًا ومحكومين- فى عهد الخلافة الراشدة له معنى واحد وهو الفهم الصحيح للكتاب، والطريق السليم للعمل بالسنة .
هـ- للخليفة أن يقوم بما يراه من إجراءات تنظيمية فيما لا نص فيه تحت شعار المصالح المرسلة وفى ظلال الشورى حسب ما يراه مناسبًا لتحقيق الصلحة العامة.
كما فعل أبو بكر فى جمع القرآن، وكما فعل عمر فى أرض السواد وقضاياه التنظيمية، كديوان الجند والخراج، وعثمان فى نسخه للمصحف وتوزيعه على الأمصار.
و اختلاف علماء الأمة وعظمائها أمر طبيعى، ولكن فى ظلال الأخوة والتناصح والبحث عن مصلحة الأمة، فتفاوت العقول يؤدى إلى تفاوت الآراء واختلاف وجهات النظر، كما حصل فى سقيفة بنى ساعدة، وحروب الردة وجمع القرآن، ويجب أن لا يصل ذلك إلى تفرق الأمة وتنازعها، فذلك مؤد إلى الفشل، لا محالة، والحكم فى ذلك كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
ز- يمكن اختزال ملامح الخلافة الراشدة فى النظام السياسى إلى: المرجعية العليا للكتاب والسنة، حكم الشريعة -دولة القانون- ولكنه السماوى، والتطبيق الشامل له، الحاكم منتخب، الحاكم أجير، بيت المال للأمة وليس للحاكم، نظام الشورى الشاملة وله آلية تراض بين أفراد المجتمع، الأمة فاعلة ومشاركة فى الأحداث.
وأما فى البناء الاجتماعى: تميز عهد الخلافة الراشدة فى مجمله بالإعداد النفسى الإيمانى، وقوة الوازع الداخلى، ومحاربة العنصرية، والإعداد الشامل للإنسان المسلم، وحماية حقوق الإنسان عمومًا، وحماية الوحدة الداخلية، وحماية حدود الدولة، والمسئولية الحضارية على الجميع حكامًا ومحكومين، فهذه هى المفاهيم الأساسية فى الدولة الإسلامية والتي أصبحت نموذجًا ومقياسًا لكل العصور، وعبر عنه المسلمون بلفظ الخلافة الراشدة تمييزًا له عن أى شكل آخر من أشكال الحكم الأخرى ، ولذلك اشترط الحسن بن على فى صلحه مع معاوية رضى الله عنه؛ العمل بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الخلفاء الراشدين.
ثانيًا: الأموال:
ذكر البخارى فى صحيحه أن الحسن قال لوفد معاوية وعبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز: إنا بنو عبد الطلب قد أصبنا من هذا المال .. فمن لى بهذا؟ قالا: نحن لك به . فالحسن يتحدث عن أموال سبق أن أصابها هو وغيره من بنى عبد المطلب يريد الحسن أن لا يطالبهم معاوية، ولا ذكر لأموال يطلب من معاوية أن يدفعها إليه من قادم ، وذكر ابن أعثم أن الحسن قال: أما المال فليس لمعاوية أن يشترط لى فيء المسلمين ، وذكر أبو جعفر الطبرى برواية عوانة بن الحكم أن أهل البصرة حالوا بين الحسن وبين خراج داردا بجرد، وقالوا: فيئنا ، والمعلوم أن جباية الخراج من مهام الدولة، ولا علاقة مباشرة بين الحسن وأهل البصرة فى هذا الجانب، ولكن الرواية أشارت إلى أن خراج داردا بجرد لم يكن فى الأموال التى صُيرت إلى الحسن ، ورُوى أن الحسن قال لمعاوية: إن علىّ عدَّات ودُيونًا، فأطلق له من بيت المال نحو أربعمائة ألف أو أكثر ، وذكر ابن عَساكر: يُسلّم له بيت المال فيقضى منه ديونه ومواعيده التى عليه، ويتحمل منه هو ومن معه عيال أهل أبيه وولده وأهل بيته . وذهب بعض المؤرخين إلى أن إبقاءه ما فى بيت المال معه (خمسة ملايين درهم)، استبقاه لأولئك المحاربين الذين كانوا معه، يوزعه بينهم، ويبقى لمعيشته له ولأهل بيته ولأصحابه ، ولا شك أن توزيع الأموال على بعض الجنود يساعد فى تخفيف شدة التوتر.
إن الذى جاء فى رواية البخارى هو الذى أميل إليه، فالأمر لا يكون تجاوز طلب العفو عن الأموال التى أصابها الحسن وآله فى الأيام الخالية ، وأما الروايات التى تشير بأن يجرى معاوية للحسن كل عام مليون درهم وأن يحمل إلى أخيه الحسين مليونى درهم فى كل عام، ويفضل بنى هاشم فى العطاء والصلات على بنى عبد شمس ، وكأن الحسن باع الخلافة لمعاوية، فهذه الروايات، وما قيل حولها من تحليل وتفسير لا تقبل ولا يعتمد عليها، لأنها تصور إحساس الحسن بمصالح الأمة يبدو ضعيفًا أمام مصالحه الخاصة . وأما حقه من العطاء فليس الحسن فيه بواحد من دون المسلمين، ولا يمنع أن يكون حظه منه أكثر من غيره، ولكنه لا يصل إلى عشر معشار ما ذكرته الروايات .
ثالثًا: الدماء:
ويتضمن اتفاق الصلح بين الجانبين أن الناس كلهم آمنون لا يؤخذ أحد منهم بهفوة أو إحنة، ومما جاء فى رواية البخارى أن الحسن قال لوفد معاوية: وأن هذه الأمة عاثت فى دمائها، فكفل الوفد للحسن العفو للجميع فيما أصابوا من الدماء ، ولكن الرواية عن الزهرى ذكرت أن عبيد الله بن عباس قائد جيش الحسن لما علم بما يريد الحسن من معاوية، بعث إلى معاوية يسأله الأمان وشرط لنفسه على الأموال التى قد أصاب، ثم خرج إليهم ليلاً ولحق بهم وأن قيس بن سعد الذى خلّفه على الجيش تعاهد والجيش على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة على ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم .
وقد حاول المستشرق فلهوزن أن يلصق هذه التهمة الباطلة بعبد الله بن عباس، وذكر أن قائد الجيش كان عبد الله بن عباس، واستند فلهوزن فى ذلك إلى أن الاسم الذى ورد فى بعض النسخ المخطوطة من تاريخ الطبرى هو عبد الله ابن عباس، وأن الاختلاف بين المخطوطات فى عبد الله وعبيد الله ليس مرجعه إلى الناسخ وإنما إلى الرواة الذين لم يريدوا أن يلحق هذا العار بعبد الله بن عباس جد العباسيين، وأما إخوة عبيد الله فلم يروا بأسًا من التخلى عن الدفاع عنه ، والحقيقة التاريخية تقول: أن قائد الجيش كان الحسن بن على، وأن قائد مقدمته كان قيس بن سعد ولا ذكر لعبد الله بن عباس أو أخيه عبيد الله فى هذا الجانب ، إلا فى الروايات الضعيفة والتى لا يقوم عليها دليل، كما أنه مما ورد عند أبى حنيفة الدينورى فى الأخبار الطوال ، وابن حجر فى المطالب العلية ، وابن أعثم فى الفتوح ، أن قطبى الرحى فى الجيش كانا الحسن بن على وقيس بن سعد، ولا ذكر لعبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس . وتأكيد فلهوزن على أن عبد الله بن عباس كان قائدًا للجيش لا عبيد الله واحتجاجه على ذلك بما سبق الإشارة إليه يخالفه ما نقله زياد بن عبد الله البكائى عن عوانة بن الحكم الذى لا يتهم بمحاباة العباسيين قال: إن عبيد الله بن عباس كان واليا لعلى على اليمن، ولما بلغه مسير بسر بن أرطاة إليه استخلف على اليمن عبيد الله بن عبد المدائن الحارثى وهرب إلى على بالكوفة، وذلك عام أربعين للهجرة، وأرسل على بن أبى طالب جيشًا إلى اليمن يتعقب جيش بسر، وقتل على فى نفس العام، ولم يرد ما يشير إلى أن عبيد الله بن عباس ترك الكوفة إلى اليمن ، وسواء كان قائد الجيش عبد الله بن عباس أو عبيد الله أو غيرهما فإن دواعى اتصال قائد جيش الحسن بمعاوية وطلب الأمان منه غير قائمة، فجيش الحسن قوى وممتنع كما جاء عند البخارى، والاتصالات بين الحسن وقيادته موجودة نقلاً وعقلاً، والحسن ولى الأمر ورأسه، وقد جرت المفاوضات بينه وبين وفد معاوية، وأخذ الأمان لأتباعه ومن كان فى جانبه فضلاً عن بنى العباس وغيرهم من بنى المطلب بشأن الدماء والأموال، وأعلم الحسن قيادته بالصلح وتنازله عن الخلافة لمعاوية، وأمرهم بالدخول فى الجماعة ومبايعة معاوية، ولما رأى قيس ومن معه أنهم لم يعدوا مع إمام مفترض الطاعة تركوا القتال وبايعوا معاوية، ودخلوا فى الجماعة ، ولكن فى رواية الزهرى ثناء على قيس دون الحسن وولدى العباس من غير ما ضرورة .
إن الحسن بن على اشترط على معاوية، أن لا يطلب أحدًا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء ، والذى يلاحظه المؤرخ، أنه من ذلك الوقت ترك الطلب بدم عثمان ، وقد تمّ الاتفاق على عدم مطالبة أحد بشىء كان فى أيام على، وهى قاعدة بالغة الأهمية تحول دون الالتفات إلى الماضى وتركز على الحاضر والمستقبل ، وقد تم التوافق المبنى على الالتزام والشرعية حيث تم الصلح على أساس العفو المطلق عن كل ما كان بين الفريقين، قبل إبرام الصلح، وبالفعل لم يعاقب معاوية أحدًا بذنب سابق، وتأسس بذلك صلح الحسن على الإحسان والعفو، تأليفًا لقلوب الجماعة، خاصة أنه كان بالخيار وهذا هو العمل العظيم الذى قام به الحسن حيث أعاد للأمة وحدتها ولحمتها من جديد، وقد تم بسط الأمن وحفظ الدماء فى عهد معاوية إلى حد كبير، وقد اجتهد فى قضايا سيأتى بيانها وتفصيلها فى محله بإذن الله تعالى.

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022